molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل التبكير إلى الصلاة - حسين بن حسن أحمد الفيفي الإثنين 31 أكتوبر - 5:53:51 | |
|
فضل التبكير إلى الصلاة
حسين بن حسن أحمد الفيفي
الخطبة الأولى
عباد الله، إن الملاحِظَ لحال كثير من المصلين هذه الأيام يرى أن أكثرهم لا يحضر للصلاة إلا عندما يسمع الإقامة، وهذا قد فاته خير عظيم وثواب جزيل لا يعلم به إلا الله.
إن للحضور المبكِّر للصلاة أثرا عظيمًا في الخشوع فيها، فإن من يحضر إلى المسجد مبكرًا ويصلي ما كتب له أن يصليه ويذكر الله ويدعوه ـ فإن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة كما ثبت ذلك عنه ـ ليس كمن يحضر إلى المسجد مسرعًا ليدرك مع المصلين ما فاته، فشتان ما بين الاثنين.
فينبغي للمسلم أن يأتي إلى الصلاة مبكرًا، ويقرأ ما تيسر من القرآن بتدبّر وخشوع، فذلك أدعى للخشوع في الصلاة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه أبو هريرة : ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه)) رواه البخاري ومسلم، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن حال النبي في بيته، فقالت: إنه يكون في خدمة أهله، ويعجن العجين أحيانًا، فإذا "سمع حيّ على الصلاة حي على الفلاح" فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه. متفق عليه. فكان يلبي نداء ربه حين يسمع النداء صلوات الله وسلامه عليه.
وتكبيرة الإحرام هي أوّل شجرة تقطَف منها ثمرة الخشوع والذلّ والان+ار لله، تقطفها وتتذوق حلاوتها حينما تتصور وقوفك بين يدي الله، وحينما يستغرق تفكيرك في معاني التكبير، فتتصور قدر عظمة الله في هذا الكون، وتتأمل ـ و أنت تكبّر ـ في قول الله جل وعلا: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة: 255]، ثم تتأمل قول ابن عباس : (إن الكرسي موضع القدم)، فحينئذ تدرك حقيقة "الله أكبر"، تدركها وهي تلامس قلبك الغافل عن الله فتوقظه وتذكّره بعِظَم الموقف وعظم الأمانة التي تحمّلها الإنسان، التي عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. تدرك حقيقة التكبير وأسراره، وتنظر إلى حالك مع الله وما فرطتَ في جنبه سبحانك، ثم تتيقّن أنه سبحانه قد نصَب وجهه لوجهك في لحظه التكبير، لتقيم الصلاة له راجيًا رحمته وخائفًا من عذابه، إنه لموقف ترتعش له الجوارح وتذهل فيه العقول.
وإن الحضور المبكر للصلاة ليجعل المسلم يقبل على الصلاة بقلب متفرغ عن مشاغل الدنيا، ويهيئ نفسه وقلبه وجوارحه للوقوف بين يدي الله سبحانه، ومن داوم على ذلك وجد في ذلك لذة لا تعدلها لذة، ووجد راحة وطمأنينة لا يجدها إلا في بيوت الله، حتى إنه ليحمل هم خروجه من الصلاة، ولا يخرج وقت صلاة إلا وهو في شوق إلى الصلاة التي تليها، وهكذا حتى يصبح قلبه معلقا بالمساجد، ويكون من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله كما في الحديث الصحيح. وقد ذكر شراح هذا الحديث معنى قوله: ((معلقٌ بالمساجد))، أي: أنه كلما حضرت صلاة وصلاها خرج من المسجد وهو في شوق إلى الرجوع إليه والعودة إليه، وقد روي عن عدي بن حاتم ـ كما في ترجمته عند الذهبي ـ أنه قال: (والله، ما جاءت صلاة إلا وأنا في شوق إليها)، وروي عن ثابت البناني أنه قال: "والله، إني لأدخل في الصلاة وأنا في همّ من خروجي منها". وهذا لا يأتي إلا بعد صبر ومجاهدة.
وقد ذكر أهل العلم عدّةَ فضائل في التبكير إلى الصلاة نذكر منها:
1- أن منتظر الصلاة لا يزال في صلاة ما انتظرها، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)) متفق عليه، وفي رواية: ((لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة)) رواه البخاري.
2- أن الذي ينتظر الصلاة تصلي عليه الملائكة وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه ما لم يحدث أو يؤذ فيه، قال عليه الصلاة والسلام: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له اللهم ارحمه)) متفق عليه، وفي رواية: ((ما لم يؤذ فيه)) رواه البخاري.
3- أن انتظار الصلاة بعد الصلاة سبب في محو الخطايا ورفع الدرجات، وهو من الرباط، قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟)) قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) رواه مسلم.
4- أن في التبكير إلى المسجد ضمانًا لإدراك صلاة الجماعة التي تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، كما في حديث ابن عمر المتفق عليه.
5- أن المبكّر إلى المسجد يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من صلى أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
6- أن بالتبكير يدرك الصفّ الأول الذي قال عنه : ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) متفق عليه، وقوله: ((يستهموا)) أي: يضربوا قرعة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها)) رواه مسلم، وقال أيضًا: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدّم)) رواه النسائي، وفي لفظ: ((الصف الأول))، وكان يستغفر للصف المقدّم ثلاثًا وللثاني مرة. رواه أحمد.
7- وكذا إدراك ميمنة الصف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)) رواه أبو داود وحسنه ابن مفلح.
8- وإدراك التأمين وراء الإمام في الصلاة الجهرية، وفي ذلك فضل عظيم، قال : ((إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه، وفي لفظ: ((من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه))، وفي رواية: ((إذا قال أحدكم: آمين وقالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري.
9- أن المبكر إلى المسجد يتمكن من الإتيان بالنوافل المشروعة بين الأذان والإقامة من السنن الراتبة والنوافل المطلقة، وهو ما دلّ عليه حديث: ((بين كل أذانين صلاة، لمن شاء)) متفق عليه. والمراد بين كل أذان وإقامة، وحديث: ((ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان)) رواه ابن حبان.
10- أن المبادرة إلى الصلاة دليل على تعلق القلب بالمسجد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، فذكر منهم: ((ورجل معلّق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه)) متفق عليه.
11- أن التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة سبب في حضور القلب في الصلاة وإقبال المرء على صلاته وخشوعه فيها؛ وذلك أنه كلما طال مكثه في المسجد وذكر الله زالت مشاغله وتعلقاته الدنيوية عن قلبه، وأقبل على ما هو فيه من قراءة وذكر، بخلاف المتأخر فإن قلبه لا يزال مشغولاً بما هو فيه من أمور الدنيا، ولذا فإنك تلاحظ أن أوائل الناس دخولاً المسجد آخرهم خروجًا، وآخرهم دخولاً المسجد هم أوائلهم خروجًا في الغالب، وما ذلك إلا لما ذكرته. وقد قال عليه الصلاة والسلام مبينًا أهمية الخشوع وحضور القلب في الصلاة: ((إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، رعبها، ثلثها، نصفها)) رواه أحمد.
12- أن المبكِّر يتمكن من الدعاء بين الأذان والإقامة، فالدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة. رواه النسائي وصححه ابن خزيمة. وكذلك يتمكن من الإتيان بأذكار الصباح في الصباح والمساء في المساء وقت الفجر والمغرب.
بارك الله لي ولكم في العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
ومن فضائل التبكير إلى المسجد أيضًا:
13- أن من يأتي مبكرًا غالبًا يأتي إلى الصلاة بسكينة ووقار، فيكون ممتثلاً أمر النبيِّ ، بخلاف المتأخر فإنه غالبًا يأتي مستعجلاً غير متّصف بالسكينة والوقار، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، ولا تأتوها وأنتم تسعون)) متفق عليه.
فمن الآداب عند الخروج إلى المسجد الخروج إليه بسكينة ووقار وتذلّل وخضوع للباري سبحانه. والسكينة مأخوذة من السكون، وهي الطمأنينة والتأني والحلم والمهابة واجتناب العبث ولغو الكلام، والوقار هو الرزانة والحلم والعظمة، قال القرطبي: "وهو بمعنى السكينة، ولكنه ذكر على سبيل التأكيد"، وقال النووي: "إن بينهما فرقا؛ فالسكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار يكون في الهيئة كغضّ الطرف وخفض الصوت".
وفي الصحيحين عنه أنه قال: ((إذا أتيتم الصلاة)) وفي لفظ: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))، وفي رواية: ((فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة)) رواه البخاري ومسلم. قال ابن القيم: "السكينة هي التي تورث الخضوع والخشوع وغض الطرف وجمعية القلب على الله بحيث يؤدي العبودية لله بقلبه وبدنه، والخشوع هو نتيجة هذه السكينة وثمرتها، وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب، وسببها مراقبة العبد لربه حتى كأنه يراه". قال الإمام أحمد: "إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع ما لم تكن عجلة تقبح".
وقد كان السلف رحمهم الله يحرصون على إدراك تكبيرة الإحرام وعلى الحضور المبكر إلى الصلاة، روي عن سعيد بن المسيب رحمه أنه قال لابنته قبل وفاته وهي تبكي عنده: "يا بنيّه، لا تبكي عليّ؛ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام أربعين عاما". فكيف الحال بمن تفوته تكبيرة الإحرام في اليوم الواحد مرات؟!
وقد كان يعزي بعضهم بعضًا إذا فاتتهم تكبيرة الإحرام، روِيَ عن حاتم الأصمّ رحمه الله أنه فاتته تكبيرة الإحرام يومًا، فجاءه بعض أصحابه يعزّونه على ذلك، فلما رآهم بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: فاتتني تكبيرة الإحرام، فعزّاني بعض أهل المدينة، ولو مات لي ولد لعزّاني أهل المدينة كلّهم، ولمَوت أبنائي جميعًا أحبّ إلي من أن تفوتني تكبيرة الإحرام.
وقد روي عن محمد بن واسع رحمه الله أنه قال: "من رأيتَه يتساهل في تكبيرة الإحرام فاغسِل يديك منه".
فانظروا إلى شدة حرصهم على إدراك تكبيرة الإحرام، وما ذلك إلاّ بعلمهم بالأجر الذي قد أعدّه الله لمن أدرك هذه التكبيرة.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية أصحاب محمد أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين...
| |
|