molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل الخشوع في الصلاة - حسين بن حسن أحمد الفيفي الإثنين 31 أكتوبر - 5:54:46 | |
|
فضل الخشوع في الصلاة
حسين بن حسن أحمد الفيفي
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السرّ والعلن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
فإن من أظهر وأجلى شعائر الإسلام وأركانه العظام الصلاة التي فرضها الله على عباده، ولذلك أكثر الله سبحانه من ذكرها في كتابه الكريم، ومدح أهلها وأثنى عليهم، وذم من تركها أو تهاون بها. فالصلاة هي عمود الإسلام، لا حظ في الإسلام لمن ضيعها، فهي عموده الفقري الذي تنتشر منه أضلاع هذا الدين، وتحمل أحشاءه وأطرافه ورأسه، وإذا ان+ر هذا العمود الفقري فلا حركة ولا نشاط ولا استواء.
إن الصلاة ليست أقوالا وحركات تؤدى فحسب، بل هي تربية للنفس وتهذيب للروح وصفاء للقلب ونور للبصيرة، تحيا بها القلوب، وترد المسلم إلى ربه، وتقوي صلته به، هي قرة عيون الموحدين المخلصين كما قال : ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة. وهي كذلك لذة وسعادة للخاشعين المخبتين.
إن الصلاة أصبحت في واقع كثير من المسلمين اليوم عادة وليست عبادة، أصبحت تؤدَّى بقلوب ساهية لاهية مشغولة بحطام الدنيا التي قد طغت على القلوب، وأصبحت حديث الناس في كل أوقاتهم وجميع حالاتهم، بل وحتى في مساجدهم، حتى ممن ظاهرهم الصلاح والاستقامة أصبحت الدنيا شغلهم الشاغل حتى على حساب دينهم.
لذا ينبغي على المسلم أن يعرف فضل الخشوع، وما ورد فيه من الفضل والثواب العظيم، وما أعده الله سبحانه للخاشعين والخاشعات، فإذا عرف الثواب بذلت الأسباب وهانت الصعاب، لو لم يكن للخشوع في الصلاة إلا فضل الانكسار بين يدي الله وإظهار الذل والمسكنة له لكفى بذلك فضلاً، وذلك لأن الله جل جلاله إنما خلقنا للعبادة، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وأفضل العبادات ما كان فيها الان+ار والذل الذي هو سرها ومقصودها، ولا يتحقق ذلك إلا بالخشوع.
والخشوع في اللغة: هو السكون والانخفاض والهدوء.kقال تعالى: وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ [طه: 108] أي: انخفضت وسكنت، وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً [فصلت: 39] أي: منخفضة ساكنة. والخشوع في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى وسكون الجوارح واستحضار ما يقوله المصلي أو يفعله من أول صلاته إلى آخرها، مستحضرًا عظمة الله تعالى وقربه من عبده، وأنه بين يديه يناجيه.
والحامل على الخشوع هو الخوف من الله تعالى ومراقبته، والشعور بقربه من عبده، وكلّما امتلأ القلب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخشيته وإخلاص الدين له وخوفه ورجائه قوي خشوعه وان+اره وتعلّقه بربه. والخشوع يحصل في القلب ثم يتبعه خشوع الجوارح والأعضاء، من السمع والبصر والرأس وسائر الأعضاء حتى الكلام؛ ولذا كان رسول الله يقول في ركوعه: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي، وما استقلَّت به قدمي)) أخرجه مسلم من حديث علي . فإذا خشع القلب خشعت الجوارح وظهر عليها السكون والطمأنينة والوقار والتواضع، وإذا فسد خشوع القلب بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء وذهب خشوعها.
والخشوع أمر عظيم شأنه، أثنى الله تعالى على المتصفين به، فقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون [المؤمنون: 1، 2]. وهو سريع فقدُه لا سيما في هذا الزمان، وقد ورد في حديث أبي الدرداء أن رسول الله قال: ((أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعا)) أخرجه الطبراني وحسنه المنذري. وفي الحديث الذي يرويه حذيفة أن رسول الله قال: ((أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، وربّ مصلّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخلَ المسجد فلا ترى فيهم خاشعًا)).
والخشوع في الصلاة هو روحها، ولا يحصل ذلك إلا لمن فرّغ قلبه له، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، واستحضر فيها عظمة الله تعالى، فصارت راحة له وقرّة عين. والصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب قد تكون مجزئة مثابًا عليها، إلا أن الثواب على حسب ما يعقِل القلب منها، لما وَرَد عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله يقول: ((إنّ الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها)) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
قال ابن رجب الحنبلي: "أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وان+اره، فإذا حصل له ذلك تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له"، وقال ابن كثير في تفسيره: "الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدَة والوقار والتواضع، والحامل عليه هو الخوف من الله ومراقبته".
والله سبحانه قد أثنى في كتابه الكريم وامتدح الخاشعين والخاشعات في أكثر من موطن، وجعله سببًا للفلاح في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2]، وقال سبحانه: وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ [الحج: 37]، والمخبتون ـ كما ذكر أهل التفسير ـ هم الخاشعون المتواضعون، مأخوذ من الخبيت وهو المكان المنخفض من الأرض. وقال سبحانه: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45]، فالصلاة ثقيلة وطويلة إلا على من استثناهم الله سبحانه؛ لذا تجد كثيرا من الناس يتضايق من الصلاة ويشتكي من تطويل الإمام، وربما اقتصر على صلاة ينقرها كنقر الغراب في بيته، هذا إذا لم يتركها بالكلية.
وقال سبحانه بعد حديثه عن الأنبياء والمرسلين صفوة الخلق عليهم الصلاة والسلام: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90]، وقال سبحانه مثنيًا على الذين أوتوا العلم: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء: 107]، وقال سبحانه: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 138]، وأصل القنوت التذلل والخشوع. وسبب نزول هذه الآية ـ كما ذكر ذلك أهل التفسير ـ أن الصحابة كانوا إذا قاموا في صلاتهم رفعوا أبصارهم إلى السماء، فأمرهم الله سبحانه بخفض أبصارهم.
والخشوع أمر قلبي يجعل القلب يقبل على الله سبحانه، والجوارح تسكن، والعين تدمع من خشية علام الغيوب؛ لذا قال للرجل الذي رآه يعبث في صلاته: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) رواه الترمذي وفيه ضعف، وقيل: "إنه موقوف على سعيد بن المسيب".
وقد حثنا رسولنا على الخشوع، وبين فضل البكاء من خشية الله، حيث قال : ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)) رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال أيضًا: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)) رواه الترمذي (1683). وقد ذكر في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)) متفق عليه. ووجه الدلالة من الحديث أن الخاشع في صلاته يغلب على حاله البكاء في الخلوة أكثر من غيره، فكان بذلك ممن يظلهم الله في ظله يوم القيامة. ووالله، لن يتعلق قلب عبد بالمساجد إلا وهو من الخاشعين في صلاتهم المتلذذين بها المقبلين عليها، فهم يجدون فيها أنسهم وجنتهم ونعيمهم الذي لا يريدون فراقه، على حد قول شيخ الإسلام: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، إنها جنة الإخلاص واليقين. وقدوتنا وأسوتنا في ذلك رسولنا ، فعن عبد الله بن الشخير قال: أتيت النبي وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل. أخرجه أبو داود (904). وكان يستعيذ من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع. رواه أبو داود (1385).
بارك الله لي ولكم في العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إن الخشوع في الصلاة هو روحها، والطمأنينة ركن من أركانها لا تتم إلا به، كما في حديث المسيء في صلاته الذي لم يتمّ ركوعها ولا سجودها، فقال له : ((ارجع فصلّ فإنك لم تصل)) وسوف يأتي معنا. وقد قال عمر بن الخطاب : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله صلاة، قيل: وكيف ذلك؟! قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها. فهذا عمر في صدر الإسلام يقول ذلك، فكيف لو رأى حالنا اليوم؟!
والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والتذلل، وهو روح الصلاة ومادة حياتها، وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس. ومحل الخشوع هو القلب وثمرته على الجوارح، ولا يحصل هذا الخشوع في الصلاة إلا بأسباب، فمن اجتهد في بذلها وعمل بها فحينئذ تكون راحته وقرة عينه في صلاته، كما كان المصطفى .
وممن قال بوجوب الخشوع في الصلاة شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى؛ لأنه ركن من أركان الصلاة، ومن الأدلة على وجوبه أن الرسول توعد من رفع بصره إلى السماء، وهذه الحال ضد حال الخاشع، وسيأتي ذلك.
وعلى المسلم أن يحذر خشوع النفاق، فقد ورد عن حذيفة أنه قال: إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع. فخشوع الإيمان هو خشوع القلب فيتبعه خشوع الجوارح، وخشوع النفاق هو ما يظهر على الجوارح تكلفًا وتصنّعًا والقلب غير خاشع.
وأسباب الخشوع نوعان، وكل منهما في مقدور المكلف:
الأول: جلب ما يوجب الخشوع ويقوّيه، وهو الذي يسميه شيخ الإسلام ابن تيمية قوة المقتضي. ويتم ذلك بالاستعداد للصلاة والتفرغ لها والطمأنينة وترتيل القراءة وتنويعها وتدبرها وتنويع الأذكار والأدعية وتدبرها ولا سيما في حالة السجود.
الثاني: إزالة الشواغل ودفع الموانع التي تصرف عن الخشوع، وهذا هو الذي يسميه شيخ الإسلام ضعف الشاغل، وهو الذي جاءت فيه أحاديث الخشوع، حيث تضمنت نهي المصلي عن أمور تنافي الخشوع أو تضعفه، فيتعين على المكلف اجتنابها ليحصل له الخشوع.
يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون، وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان". يقول ذلك في زمنه، فكيف لو رأى حالنا وصلاتنا في هذا الزمان؟!
إن من الواجب على المصلي إذا دخل في صلاته أن يتعنّى بها، وأن يقبل عليها بقلبه وقالبه، حتى يحصل من الأجر والثواب والعاقبة الحميدة والتأثر بالصلاة ما لا يحصيه إلا الله سبحانه؛ لأنها صلة بين العبد وربه، فيحذر من كل ما يشغل قلبه ويبعده عن ربه، فإن من الناس من إذا دخل في الصلاة جعل يعبث إما ببدنه أو بثيابه أو بنظره ها هنا أو ها هنا، وهذا لا ينبغي بل يخشى عليه من بطلان صلاته.
إن الخشوع يأتي للقلب غالبًا إذا بذل العبد أسبابه وجاهد نفسه واجتهد في دعاء ربه سبحانه أن يرزقه قلبًا خاشعًا، قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69]. والخشوع في الصلاة يزيد وينقص حسب الأخذ بالأسباب الجالبة له.
وإن للصلاة منزلتها العظيمة في الإسلام ومكانتها الكبيرة؛ لذا كان من الواجب على كل مسلم معرفة الأسباب الجالبة للخشوع والعمل بها وتحقيقها قدر الإمكان.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية أصحاب محمد أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين...
| |
|