molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة قوم سبأ - بهجت بن يحيى العمودي الجمعة 28 أكتوبر - 6:26:30 | |
|
قصة قوم سبأ
بهجت بن يحيى العمودي
الخطبة الأولى
وبعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وتمسكوا من دينه بالعروة الوثقى، فبه تكون النجاة في الأولى والأخرى.
إخوة الدين، إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن العظيم على رسوله عليه الصلاة والسلام لحكمة عظيمة وغاية جليلة، إنها التدبر المفضي بصاحبه للعمل والذي ثمرته الجنة بإذن الله، كما قال تعالى: كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَـٰتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِ [ص:29].
وقوله أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]. قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته.
فإنه يطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتها وأسبابها وغاياتها وثمراتها ومآل أهلها وتثبيت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه وتريه صورة الدنيا والآخرة، والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم وتريه أيام الله فيهم، وتبصره بمواقع العبر وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه .." إلى آخر كلامه رحمه الله.
ولنا إخوة الإسلام وقفة مع أسلوب حكيم من أساليب القرآن العظيم وطريقة من طرقه المؤثرة في توجيه الناس وتربيتهم على دين الله.
إنه أسلوب القصة والتي لم تذكر في كتاب الله للتسلية والمتعة. إنما ذكرت للعظة والعبرة والانتفاع منها بما يقرب الناس إلى ربهم سبحانه وتعالى ويستلهمون منها طريق النجاة. إنها قصة يعظ بها عباده ويذكر ويحذر وينذر ويرغب ويبشر ويحرك الوجدان ويثير الوجدان ويثير المشاعر في نفوس العباد ويوقظهم من غفلتهم عن الآخرة ويفيقهم من سكرات الدنيا وزينتها، وصدق الله إذ قال: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ [إبراهيم:5].
وفي قصة سبأ ـ عباد الله ـ تبدأ الرحلة، رحلة قصتين متتابعتين في سورة عظيمة.
الأولى: تمثل صورة مشرقة من صور أهل الإيمان الشاكرين لنعم الله تعالى وأفضاله وتبين حسن تصرفهم في نعمائه.
والثانية: تمثل صورة شوهاء من صور أهل الكفر الجاحدين لنعم الله عليهم المنكرين لأفضاله، وتبين سوء تصرفهم في نعمائه.
فكانت العاقبة بالحسنى للمحسنين، والهلاك والدمار للجاحدين، ولا يظلم ربك أحداً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ ءايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـٰتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـٰهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءامِنِينَ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ:15-19].
إن سبأ عباد الله قبيلة معروفة في اليمن، ومسكنهم بلدة مأرب، ومن نعم الله ولطفه بالناس عموماً والعرب خصوصاً أن قص عليهم في القرآن أخبار المهلَكين من الأقوام التي كانت تجاورهم. وأبقى آثارهم شاهدة على جحودهم وهلاكهم، علّهم بذلك يعتبروا ويؤمنوا.
كانت سبأ في أرض مخصبة ما تزال بقية منها إلى يومنا. وقد ارتقوا في سلم الحضارة حتى تحكموا في مياه الأمطار الغزيرة التي تنحدر إليهم من الجبال عبر وديان عظيمة. فأقاموا خزاناً طبيعياً يتألف جانباه من جبلين عظيمين وجعلوا بينهما على فم الوادي سداً كبيراً به عيون. تفتح وتغلق وخزنوا المياه بكميات عظيمة وراء السد وتحكموا فيها وفق حاجتهم فكان لهم من هذا مورد مائي عظيم أطلق عليه سد مأرب.
وكان من أثر ذلك الرخاء والوفرة والمتاع الجميل. جنتان عن يمين وشمال فكانت آية تذكرهم بالمنعم الوهاب سبحانه وتعالى، وقد أمروا أن يستمتعوا برزق ربهم شاكرين له، وذكرهم بنعمة البلد الطيب، ومن زيادة نعمه المغفرة على التقصير والتجاوز عن السيئات.
فلا إله إلا الله، سماحة في الأرض بالنعمة والرخاء وسماحة بالعفو والغفران من رب الأرض والسماء فماذا يقعدهم عن الحمد والشكر لذي الجلال والإكرام .. ولكنهم أعرضوا عن شكر الله ولم يعملوا بما أمرهم الله وأساءوا فيما أنعم الله عليهم وما أحسنوا فكانت العقوبة من الله بأن سلبهم تلك النعم والوفرة والخضرة، فأرسل عليهم سيل العرم الجارف الذي حطم ذلك السد العظيم.
فتفجرت المياه المحتجزة. فأغرقت. ودمرت ذلك النعيم. وبعدها جفت الأرض. واحترق الزرع. فبدلت الجنان الفيحاء بأرض قاحلة مقفرة. بها نبات ذا شوك وأثل وشيء من سدر قليل. وضيق عليهم الرزق وبدلهم من الرفاهية والنعماء بالشدة والخشونة واللأواء. ولكنه لم يمزقهم ويفرقهم بل كان عمرانهم متصلاً بينهم وبين القرى المباركة مكة والشام فيخرج المسافر من قرية ويدخل القرية الأخرى ولما يظلم الليل عليهم وهم آمنون مطمئنون .. ولكن غلبت على قوم سبأ الشقاوة فلم يتعظوا بالنذير الأول ولم يرجعوا إلى ربهم ويستغفروه بل دعوا دعوة الحمق والجهل قائلين : رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ:19].
واستجاب الله دعوتهم ففرقهم في الأرض وبدد شملهم بعد أن كانوا مجتمعين وصاروا أحاديث يرويها الرواة، وقصة يعاد ذكرها على الألسن والأفواه، فأزالهم الله بعد أن كانوا أمة لها شأنها بين الأمم ..، ولكن ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه.
وبعد ذلك كله تختم القصة بتوجيه من الله العليم الحكيم لمن يقرأ هذا القرآن ويعتبر بما فيه من الأحكام والشرائع والأخبار، أن ما ذكر في هذه القصة آية وموعظة لكل صبار شكور. فيحذر المعتبر من الجزع وهو ضد الصبر، ومن الكفر وهو ضد الشكر.
ولقد ذكر الله الصبر إلى جوار الشكر .. صبر في البأساء .. وشكر في النعماء .. وفي قصة سبأ آيات لهؤلاء وهؤلاء.
ختاماً عباد الله، تأملوا أثر المعاصي والذنوب كيف حولت أمة ممكنة في أرضها ترفل في خيراتها بطيب أرضها وتقارب أسفارها ومغفرة ربها لتقصيرها، فصارت أحوالها منكوسة فبُدلوا بالفرقة بعد الاجتماع وبمحق البركة بعد طيب البقاع، وبتباعد الأسفار بعد تقاربها، واستُبدلوا بعد الأمن خوفاً وبعد العز ذلاً .. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الداء والدواء: "ومن عقوبات المعاصي أنها تزيل النعم وتحل النقم. فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب" .
وقال أحد السلف رحمه الله تعالى: "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة".
وقال تعالى: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30].
ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمـة فارعها فإن المعاصي تــزيل النعـم
وحطها بطاعـة رب العباد فرب العباد سـريع النـقـم
وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شـديـد الوخـم
وسافر بقلبك بيـن الـورى لتبصر آثار مــن قـد ظلـم
فتــلك مساكنهـم بعدهم شـهـود عليهـم ولا تتهـم
وما كان شيء عليهم أضـر من الظلم وهو الذي قد قصـم
صلوا بالجحيم وفات النعيـم وكان الـذي نالهـم كالحلـم
جنبني الله وإياكم أسباب سخطه وعقابه، وجعلنا جميعاً من أهل محبته ورضوانه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فاعلموا ـ عباد الله ـ أن الجحود والنكران لنعم الله وعدم شكرها يعرضها للزوال وانقلاب الأحوال كما سمعنا من حال قوم سبأ، وهذه السنة ثابتة لا تبدل أبداً وتنزل على كل من كفر بنعمة الله تعالى ولم يؤد حقها من الشكر، قال تعالى: وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل:112].
ونستلهم وإياكم عباد الله أهم الدروس والعبر من هذه القصة العظيمة:
أولاً : عظم فضل الله على عباده ورحمته بهم وتيسير أمورهم وتذليل الصعاب لهم كما قال تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].
ثانياً: تفرد الله بتصريف أمور العباد والبلاد، وأن لله جنود السماوات والأرض فيسخر الله جنداً من جنده على عباده ما يكون فيه رحمته ونعماؤه، وتارة يسخرها على قوم فيكون فيها عذابه ونقمته، وهو أحكم الحاكمين.
ثالثاً: عدم الأمن من مكر الله جل وعلا، والحذر من طول الأمل، ولا يغتر المرء بنعم الله وهو على معاصيه فإن ذلك استدراج لهلاكه.
رابعاً: الحذر من الغفلة عن آيات الله ووجوب الأوبة والإنابة إلى الله تعالى عند نزول البلاء وربط ذلك بالذنوب والمعاصي.
خامساً: الحذر من التبذير والإسراف، وأنهما من أسباب سخط الله تعالى على عباده، وأنهما من كفر النعمة وجحودها.
سادساً: الحذر من الإعراض عن دين الله تعالى وعدم مبارزته بالمعاصي أو المجاهرة بها، فإن الله لا غالب له.
سابعاً: الصبر على البلاء وعدم السخط على أقدار الله تعالى والرضا بقضائه وقدره، وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ثامناً: الاتعاظ والاعتبار بما يجري لمن حولنا من الأمم واجتناب أسباب هلاكهم ودمارهم.
تاسعاً: الأمن والأمان أساس الرخاء واتساع العمران وانتشار الألفة والمحبة بين الناس، وذلك لا يتم إلا بشكر المنعم سبحانه.
عاشراً: وجوب التزام التقوى وأنها مفتاح لأبواب الرزق ووفرة النعم، وكذلك التوبة والاستغفار كما أمر نوح وهود ـ عليهما السلام ـ قومهما بذلك.
وأخيراً الدعاء فما من عسير إلا يسره، ولا من بلاء إلا كشفه، ولا من كرب إلا نفسه، فعليكم به فإنه السلاح الذي لا يثلم، ومما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الأنعام:40-45].
وصلوا وسلموا....
| |
|