molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: موعظة - بهجت بن يحيى العمودي الجمعة 28 أكتوبر - 9:36:19 | |
|
موعظة
بهجت بن يحيى العمودي
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى وفكروا في دنياكم وسرعة زوالها، واستعدوا للآخرة وأهوالها، كل شهر يستعمله الإنسان فإنه يدنيه من أجله ويقربه من آخرته، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله.
إنه ما بين أن يثاب الإنسان على الطاعة والإحسان أو يعاقب على الإساءة والعصيان إلا أن يقال: (فلان مات)، وما أقرب الحياة من الممات، وكل ما هو آت آت، وأنتم قبل أيام ودعتم عامًا قد انتهى وانتقص من أعماركم، وتستقبلون عامًا لا تدرون أتستكملونه أم لا، فلنحاسب أنفسنا: ماذا عملنا في العام المنصرم؟ فإن كان خيرًا حمدنا الله وأتبعناه بالخير، وإن كان شرًا تبنا إلى الله منه، واستدركنا بقية أيامنا قبل فواتها.
قال ميمون بن مهران: "لا خير في الحياة إلا لتائب، أو رجل يعمل في الدرجات"، يعني: أن التائب يمحو بالتوبة ما سلف من السيئات، والعامل يجتهد في علو الدرجات، ومن عداهما فهو خاسر، كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر].
فأقسم الله سبحانه وتعالى بالعصر الذي هو الزمن، وهو الوقت الذي يعيش فيه الإنسان، أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف واشتغل وعمل بهذه الأربع صفات: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر على الحق، وما عداهم خاسر والعياذ بالله.
فهذه السورة العظيمة ميزان للأعمال، يزن المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: "لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم"، قال بعضهم: "كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا على مثل حالهم بالأمس"، يشير إلى أنهم لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير، ويستحيون من عدم الزيادة، ويعدون ذلك خسرانًا، فالمؤمن لا يزداد بطول عمره إلا خيرًا، ومن كان كذلك فالحياة خير له من الموت، وفي دعاء النبي : ((اللهم اجعل الحياة زيادة لي من كل خير، والموت راحة لي من كل شر)) أخرجه مسلم.
فكيف ـ يا عباد الله ـ بمن لا يحافظ على الواجبات ولا يبتعد عن المحرمات؟! والله إن حياته خسارة أيما خسارة، وسيندم حين لا ينفع الندم، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((ما من ميت مات إلا ندم، إن كان محسنًا ندم أن لا يكون قد ازداد، وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون استعتب)).
رئي بعض الموتى في المنام فقال: "ما عندنا أكثر من الندامة، ولا عندكم أكثر من الغفلة"، ورئي بعضهم في المنام فقال: "ندمنا على أمر عظيم، نعلم ولا نعمل، وأنتم تعملون ولا تعلمون، والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها".
أحبتي في الله، الأعمال بالخواتيم، فمن أصلح فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أُخذ بما مضى وما بقي، والموتى يتحسرون على فوات الحسنات الباقية، والأحياء يتحسرون على فوات أطماع الدنيا الفانية، ما مضى من الدنيا ـ وإن طالت أوقاته ـ فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته، وكأن لم يكن إذا جاء الموت وصيحاته، قال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207]، وفي صحيح البخاري عن النبي قال: ((أعذر الله إلى امرئ حتى بلغه ستين من عمره))، وفي سنن الترمذي: ((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)).
فيا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك، قال بعض الحكماء: "كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟!".
كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته، يؤتى يوم القيامة بأطول الناس أعمارًا في الدنيا من المترفين التاركين لطاعة الله المرتكبين للمعاصي الذين شغلتهم أموالهم عن الصلاة وأدائها، فيصبغ أحدهم في النار صبغة ثم يقال له: هل رأيت في الدنيا خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب، ينسى كل نعيم الدنيا عند أول مس من العذاب، إنهم أولئك الذين أعطوا أعمارًا فضيعوها في اللهو والغفلة، وأعطوا أموالاً فبذّروها في الشهوات المحرمة، عندما ذاقوا أول جزائهم نسوا كل ما أعطوا في الدنيا من الوقت والمال، وكل ما ذاقوا من اللذة ونالوا من الشهوة.
هؤلاء الذين صرفوا عقولهم وأعمالهم واهتماماتهم للعمل في دنياهم، واتبعوا شهوات بطونهم وفروجهم، وتركوا فرائض ربهم ونسوا آخرتهم، حتى جاءهم الموت فخرجوا من الدنيا مذمومين مفلسين من الحسنات، فاجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت، فندموا حيث لا ينفعهم الندم، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى الآية [الفجر:23].
فتذكروا ـ أيها الناس ـ بانقضاء العام انقضاء الأعمال، وتذكروا بالانتقال للعام الجديد الانتقال إلى دار القرار، وعليكم بالتوبة من جميع الخطايا والسيئات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39].
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|