molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: بر الوالدين - أحمد فريد الخميس 20 أكتوبر - 5:11:28 | |
|
بر الوالدين
أحمد فريد
الخطبة الأولى
أما بعد:
قال الله تعالى: وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً [الإسراء:22].
أمر الله عز وجل بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك فقال عز وجل: وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، كما قرن شكرهما بشكره فقال عز وجل: أن اشكر لي ولوالديك [لقمان:14].
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله عز وجل قال: ((الصلاة على وقتها)) قات: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين)) قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))([1]).
والبر اسم جامع للخير، وهو ضد العقوق، ومعناه الصلة وفعل الخير والتوسع فيه واللطف والطاعة.
وقوله تعالى: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بر الولد، لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة بين مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلاًّ عليه، يحتاجان أن يلي منهما في الكبر، ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر، وكذلك طول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة، ويحصل الملل، ويكثر الضجر، فيظهر غضبه على أبويه، وتنتفخ لهما أوداجه، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم من كل عيب، فقال: فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً [الإسراء:23].
قال العلماء: إنما صارت قولة (أف) للأبوين أردأ شيء، لأنها كلمة تقال لكل شيء مرفوض، كما قال إبراهيم لقومه: أف لكم ولما تعبدون من دون الله [الأنبياء:67].
فهي للأبوين كفرٌ للنعمة، وجحد للتربية، ورد للوصية التي أوصى الله بها في التنزيل، وقوله: ولا تنهرهما والنهر هو الزجر والغلظة، وقوله: وقل لهما قولاً كريماً أي لينا لطيفا، مثل: يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما.
قال ابن الهداج التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولاً كريماً ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.
وقوله تعالى: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أمر بمزيد من الشفقة والرحمة، وأن يكون الإنسان مع أبويه في خير ذلة في أقواله وسكناته ونظراته، ثم قال عز وجل: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً أمر الله عز وجل عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم، فينبغي على العبد أن يرحمهما كما رحماه، وأن يرفق بهما كما رفقا به، إذ ولياه صغيرا جاهلا محتاجا فآثراه على أنفسهما، فسهرا وأناماه، وجاعا وأشبعاه، وتعريا و+واه، فلا يجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كانهما فيه صغيران فيلي منهما ما وليا منه، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم.
قال في تنبيه الغافلين: إنه لو لم يذكر الله تعالى في كتابه حرمة الوالدين، ولم يوص بهما، لكان يعرف بالعقل أن حرمتهما واجبة، وكان الواجب على العاقل أن يعرف حرمتهما، ويقضي حقهما، فكيف وقد ذكره الله تعالى في جميع كتبه: التوراة والإنجيل وال+ور والفرقان، وقد أمر في جميع كتبه وأوحى إلى جميع رسله، وأوصاهم بحرمة الوالدين ومعرفة حقهما، وجعل رضاه في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما.
وقال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون [لقمان:14].
لما خص الله تعالى الأم بالحمل والوضع والرضاع، خصها بمزيد الوصية بالبر، وهذا يوافق ما ورد في الصحيح عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ((يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك))([2]).
قال عياض: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل: يكون برهما سواء، ونقله بعضهم عن مالك فروى أن رجلا قال له: إن أبي ببلد السودان، وكتب إلي أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له: أطع أباك ولا تعص أمك.
وقد سئل الليث عن هذه المسألة، فأمره بطاعة الأم، وزعم أن لها ثلثي البر، وهذا يشير إلى الطريق التي لم يتكرر بر الأم فيها إلا مرتين، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد: ((إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بآبائكم ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب))([3]).
قال ابن حجر: وجاء ما يدل على تقديم الأم في البر مطلقا، وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم والبزار بإسناد حسن من حديث عائشة قالت: سألت النبي : ((أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فعلى الرجل؟ قال: أمه)).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت: ((يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراده أن ينزعه مني فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي))([4]).
فتوصلت لاختصاصها بها في الأمور الثلاثة.
وقوله تعالى: حملته أمه وهناً على وهن أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف، وقيل: المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل، وقوله تعالى: أن اشكر لي ولوالديك قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان. وللوالدين على نعمة التربية، قال سفيان بن عيينة: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.
وقال عز وجل: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً [لقمان:14]، ففي هذه الآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق.
وعن أسماء بنت أبي بكر وقد قدمت عليها خالتها – وقيل: أمها من الرضاعة – فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم، قيل: راغبة عن الإسلام، وقال ابن عطية: والظاهر عندي أنها رغبة في الصلة.
وقد وردت الأحاديث الكثيرة في فضل بر الوالدين:
منها ما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال: ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه))([5]). وقوله: ((لا يجزي)) أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: ((جاء رجل إلى النبي يبايعه على الهجرة وترك أبويه يبكيان فقال: ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما))([6]).
وفي رواية عن عبد الله بن عمر قال: ((قال رجل للنبي أجاهد؟ قال: لك أبوان؟ قال نعم، قال: ففيهما فجاهد))، أي إن كان لك أبوان فأبلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما فإن ذلك يقوم لك مقام قتال العدو.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن أبي بردة قال: سمعت أبي يحدث أن ابن عمر شاهد رجلا يمانيا يطوف بالبيت حاملا أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة.
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله : ((من سره أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه، فليبر والديه وليصل رحمه)).
وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال: ((رغم أنفه ثم رغم أنفه قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عنده الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة))([7]). ومعنى رغم أنفه: أي لصق بالرغام وهو بالتراب.
ومن بر الوالدين عباد الله:
النفقة عليهما إذا احتاجا لقول الله عز وجل: وصاحبهما في الدنيا معروفاً [لقمان:14].
وقوله عز وجل: وبالوالدين إحساناً [الإسراء:22]، وليس من الإحسان ولا من المصاحبة بالمعروف، أن يموتا جوعا والولد موسر.
ومن برهما توقيرهما واحترامهما: روى البخاري في الأدب المفرد وعبد الرزاق والبيهقي عن هشام بن عروة عن أبيه أو غيره أن أبا هريرة أبصر رجلين فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي، فقال: لا تسمه باسمه ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله.
وقال طاووس: من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه.
ومن برهما دعوتهما إلى الله عز وجل: روى مسلم وأحمد عن أبي كثير السحيمي قال: ((سمعت أبا هريرة يقول بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ما سمع بي أحد يهودي ولا نصراني إلا أحبني، إن أمي كنت أريدها على الإسلام فتأبى، فقلت لها فأبت، فأتيت النبي فقلت: ادع الله لها، فدعا فأتيتها وقد أجافت عليها الباب، فقالت: يا أبا هريرة إني أسلمت، فأخبرت النبي فقلت: ادع الله لي ولأمي. فقال: ((اللهم عبدك أبو هريرة وأمه أحبهما إلى الناس)).
ومن برهما صلة أهل ودهما: ففي الصحيح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن من أبر البر صلة أهل ود أبيه بعد أن يولي ))([8]).
ومن برهما الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما بعدهما .
عن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة ليلة فقال: اللهم اغفر لأبي هريرة ولأمه ولمن استغفر لهما قال محمد: فنحن نستغفر لهما حتى ندخل في دعوة أبي هريرة.
وروى مالك في الموطأ وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال: ((ترفع للميت بعد موته درجته فيقول: أي رب أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر لك))([9]). ومن برهما قضاء دينهما والحج عنهما والوفاء بنذرهما:
عن أبي هريرة قال: ((أتى النبي رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو أن أباك ترك دينا أقضيته عنه؟ قال: نعم، قال: فأحجج عن أبيك))([10]).
أخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجة والدارقطني.
ووردت الأحاديث كذلك في النهي عن عقوق الوالدين وبيان أن العقوق من أكبر الكبائر:
والعقوق مشتق من العق، وهو القطع، والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل، إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد.
وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا، واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية كذلك، ومنه تقديمهما عند تعارض الأمرين، كمن دعته أمه ليمرضها مثلا بحيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها، ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها وغير ذلك لو تركها وفعله، وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة.
تنبيهات:
الأول: قال الحافظ ابن الجوزي في قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين . . [الممتحنة:8].
الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجواز برهم، وإن كانت المولاة منقطعة، وبهذا تعلم أنه لا يجب طاعة الأب المشرك كالمسلم، لا سيما في ترك النوافل والطاعات، قال في الآداب الكبرى: وهذا أمر ظاهر ولذا قال الخطابي: لا سبيل للوالدين الكافرين في منعه من الجهاد فرضا كان أو نفلا . وطاعتهما حينئذ معصية لله طاعة للكفار، وإنما عليه أن يبرهما ويطيعهما فيما ليس بمعصية.
والثاني: ذكر شيخ الإسلام أنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من يريدها، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا.
الثالث: قال في الآداب الكبرى: فإن أمره أبوه بطلاق امرأته لم يجب، ذكره أكثر أصحاب الإمام أحمد، وقد سأل رجل الإمام أحمد فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي. قال: لا تطلقها، قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر.
الرابع: قال الشيخ موفق الدين في حج التطوع: إن للوالد منع الولد من الخروج إليه، لأنه له منعه من الغزو وهو من فروض الكفايات.
الخامس: ينبغي احترام المعلم وتوقيره وقد ذكر بعض الشافعية أن حقه آكد من حق الوالد، لأنه سبب لتحصيل الحياة الأبدية والأب سبب لحصول الحياة الفانية، وقد قال علماء المصطلح: الأشياخ آباء في الدين.
السادس: ذكر عن الإمام ابن عقيل رحمه الله أنه كما يجب الإغضاء عن زلات القرون الثلاثة الذين قال النبي : ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ))([11]).
وإذا أسميناهم بالوالدين يجب توقيرهم واحترامهم كما في الوالدين.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
([1])البخاري (2/9) مواقيت الصلاة : باب فضل الصلاة لوقتها .
([2])رواه البخاري (10/401) الأدب : باب من أحق الناس بحسن الصحبة ومسلم (16/102) البر والصلة والآداب : باب بر الوالدين وأنهما أحق به .
([3])وأخرجه ابن ماجة (3661) والحاكم (4/151) وأحمد (4/131،132) ، في الصحيحة رقم 1666.
([4])رواه أحمد وأبو داود – مشكاة المصابيح (2/1008) رقم 3378.
([5])مسلم (10/152) العتق:فضل عتق الوالد ، والآداب بر الوالدين وأنهما أحق به .
([6])رواه البخاري (10/403) الأدب :باب لا يجاهد إلا بإذن الوالدين ، ومسلم (16/103،104) البر والصلة ، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أنس .
([7])مسلم (16/108) البر والصلة والآداب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .
([8])مسلم (16/110) البر والصلة والآداب : تفسير البر والإثم.
([9])أخرجه ابن ماجة (3660) وأحمد (2/509) وابن أبي شيبة في المصنف والأصبهاني في الترغيب والبغوي في شرح السنة ، وقال الألباني : وأما قول البوصيري ((إسناده صحيح)) ففيه تساهل . الصحيحة (4/129)رقم 1598.
([10])قال الحافظ في التلخيص : وإسناده ضعيف (2/225).
([11])البخاري (7/3) فضائل أصحاب النبي عن عمران بن حصين.
الخطبة الثانية
لم ترد .
| |
|