molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صلة الرحم - أحمد فريد الخميس 20 أكتوبر - 5:49:23 | |
|
صلة الرحم
أحمد فريد
الخطبة الأولى
أما بعد:
قال الله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً [النساء:1].
يقول الله تعالى آمرا خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له، ومنبهاً لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة، وهي آدم: وخلق منها زوجها وهي حواء خلقت من ضلعه الأيسر، وقوله: وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء أي ذرأ منهما أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وألوانهم ولغاتهم، ثم قال تعالى: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام أي اتقوا الله بطاعتكم إياه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولكن بروها وصلوها، وقوله: تساءلون أي كما يقال: أسألك بالله وبالرحم، وقيل: تتعاقدون وتتعاهدون به.
وقال تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم [محمد:22-23].
قال ابن جريج: المعنى فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام.
وقال أبو العالية: المعنى فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكاما، أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك)) ثم قال رسول الله : ((اقرءوا إن شئتم)) : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد:22-24].
والرحم هم قرابة الرجل من طرفي أبيه وأمه فتجب لهم الحقوق الخاصة، من المحبة والنصرة وعدم القطيعة، والقيام بحقوقهم كتمريض المرضى، وحقوق الموتى، من غسلهم والصلاة عليهم، وغير ذلك من حقوق المسلمين، وزيادة على ذلك النفقة على المحتاج منهم، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، حتى إذا تزاحمت الحقوق، بدأ بالأقرب فالأقرب.
وقد وردت السنة بتأكيد أهمية هذه العبادة، فمن ذلك ما رواه في الصحيح عن أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال القوم: ما له؟ فقال رسول الله : ((أرب ما له فقال النبي : تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي ال+اة، وتصل الرحم))([1]).
وفي الصحيح كذلك من حديث أنس: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) ([2]).
وقوله : ((ينسأ له في أثره)) أي يؤخر أجله وسمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر.
قال زهير:
والمرء ممدود له أمل لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر
وأصله من أثر مشيه في الأرض، فإن من مات لا يبقى له حركة، فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر.
قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [النحل:61] والجمع بينهما من وجهين: أحدهما: أن الزيادة كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، مثل هذا ما جاء أن النبي تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر، وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة، والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت.
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، وأما الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك: إن عمر فلان مائة مثلا إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم أو يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي فيه الزيادة أو النقصان، وإليه الإشارة بقوله تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [الرعد:39]. فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك.
وقيل فيه جواب ثالث: وهو أن واصل رحمه تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده.
وورد كذلك أن من وصل رحمه وصله الله.
ففي الصحيح عن أبي هريرة قال: ((إن الرحم شجنة من الرحمن))، فقال: ((من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته))([3]).
قيل وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة، وقوله ((من الرحمن)) أي أخذ اسمها من هذا الاسم، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا: ((أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي))([4]).
قال الإسماعيلي: معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن، فلها به علاقة وليس معناه أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك.
والمعنى الجامع لصلة الرحم إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى.
وقوله: ((من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)) الوصل هو أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه، وهو التقرب منه، وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه، وهو كما يليق بالله عز وجل وعظمته.
روى مسلم وأحمد عن أبي هريرة قال: أتى رجل للنبي فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، ويجهلون علي وأحلم عنهم قال: ((لئن كان كما تقول كأنما تسفّهم بالملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك))([5]).
قال النووي: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه.
وقيل إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم، لكثرة إحسانك، ولكنه من يقابل الإساءة منهم بالإحسان إليهم.
ففي الصحيح عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها))([6]).
قال الطيبي: المعنى ليست حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافئ صاحبه بمثل فعله، ولكنه من يتفضل على صاحبه.
وقال البلقيني: المراد بالواصل في هذا الحديث الكامل، فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه، فإن فيه قطعا بإعراضه عن ذلك، وهو من قبيل ((ليس الشديد بالصرعة)) و ((ليس الغنى عن كثرة العرض)) انتهى.
وقال ابن حجر: لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع، فهم ثلاث درجات مواصل ومكافئ وقاطع، فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل، وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين، فمن بدأ حينئذ فهو الواصل، فإن جوزي سمي من جازاه مكافئا.
وقد وردت الأحاديث كذلك بالوعيد الشديد لقاطع الرحم ففي الصحيحين أن جبير بن مطعم أخبر أنه سمع رسول الله يقول: ((لا يدخل الجنة قاطع))([7]).
عن أبي بكرة عن النبي قال: ((ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))([8]).
قال الحجاوي: وقطيعة الرحم من الكبائر.
قال البلباني في آدابه: اعلم أنه يجب عليك أن تصل بقية رحمك، وهم كل قرابة لك من النسب، وقد قرن الله سبحانه الأرحام باسمه الكريم في قوله جل من قائل: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً [النساء:1].
وذلك تنبيه عظيم على أن صلتها بمكان منه سبحانه ومقرب إليه، وقطعها خطر عظيم عنده ومبعد عنه سبحانه.
أخرج الطبراني عن الأعمش قال: كان ابن مسعود جالسا بعد الصبح في حلقة فقال: (أنشد الله قاطع رحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجّة دون قاطع رحم)([9]).
وروي كذلك في الآثار (أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وأن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم)([10]).
قال الحافظ في الفتح: قال الطيبي يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرون عليه ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبسه عن الناس عموما بشؤم التقاطع.
وقال كذلك واعلم أن المراد بصلة الرحم موالاتهم ومحبتهم أكثر من غيرهم لأجل قرابتهم، وتأكيد المبادرة إلى صلحهم عند عداوتهم، والاجتهاد في إيصالهم كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم، والإسراع إلى مساعدتهم ومعاونتهم عند حاجتهم ومراعاة جبر خاطرهم، مع التعطف والتلطف بهم، وتقديمهم في إجابة دعوتهم، والتواضع معهم مع غناه وفقرهم وقوته وضعفهم ومداومة مودتهم ونصحهم في كل شؤونهم، والبداءة بهم في الدعوة الضيافة قبل غيرهم وإيثارهم في الصدقة والإحسان والهداية ونحوها، ويتأكد فعل ذلك مع الرحم الكاشح المبغض، عساه أن يرجع عن بغضه إلى مودة قريبه ومحبته.
وفي الحديث: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة)) ([11])، انتهى.
قال السفاريني: واعلم أن هذا كله ليس بواجب أكثره مندوب كما يعلم ،.
وينبغي على العاقل كذلك عباد الله أن يبادر إلى صلة ذي الرحم الكاشح، وأن يدفع ما عنده من الضغن والبغضاء بالإحسان والإغضاء، كما قال تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [فصلت:34].
فيصبح كالحميم الذي هو القريب.
فصل رحمك رَحمك مولاك، وخالف بذلك نفسك وهواك، واصبر على أذاهم فإن بذلك نبيك أوصاك، وبالغ في الإحسان إلى من أساء إليك منهم تحمد بذلك عقباك، وحسن أخلاقك معهم ترضي خلاقك، وتنل راحتك ويطيب مثواك.
والله المسؤول أن يوفقني وإياكم وجميع المسلمين والمسلمات لما فيه السعادة، وأن يرزقنا الحسنى وزيادة، وصلى الله وسلم على النبي الأواب من جاء بالسنة والكتاب، وعلى آله وصحبه ما دجت الأحلاك ودارت الأفلاك.
([1])رواه مسلم (1/172،173) الإيمان : باب بيان الإيمان الذي يدخل الجنة ومعنى (( أرب ماله)) أي حاجة جاءت به فدعوه .
([2])البخاري (10/415) الأدب : باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم ، ومسلم (16/114) البر والصلة : باب صلة الرحم وتحريم قطعها ورواه أحمد والبخاري عن أبي هريرة .
([3])البخاري (10/417) الأدب : باب من وصل وصله الله ورواه أحمد وابن أبي عاصم (538) بمعناه .
([4])الترمذي (8/100) أبواب البر والصلة وقال الترمذي صحيح .
([5])مسلم (16/115) البر والصلة : صلة الرحم وتحريم قطعها .
([6])رواه البخاري (4/113) وفي الأدب المفرد (68) وكذا الترمذي (1/348) وأحمد (2/163،190،193) غاية المرام (232) رقم 408.
([7])رواه البخاري (10/415) الأدب : باب إثم القاطع ، ومسلم (16/114) البر والصلة : صلة الرحم وتحريم قطعها .
([8])رواه ابن المبارك في الزهد (724) والبخاري في الأدب المفرد (12) وأبو داود (2/301،302) والترمذي (2/83) وابن ماجة (2/552) والحاكم وأحمد وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال الألباني : وهو كما قال فإن رجال إسناده ثقات كلهم (الصحيحة – 2/623/917).
([9])قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود – مجمع الزوائد (8/151) كتاب البر والصلة .
([10])رواه البخاري في الأدب المفرد عن ابن أبي أوفي ، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم 463.
([11])رواه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن ، والنسائي وابن ماجة الحاكم والمستدرك عن سلمان بن عامر وصححه الألباني – صحيح الجامع رقم 3572.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|