molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سورة العصر منهاج حياة - أحمد حسن المعلم الأربعاء 19 أكتوبر - 12:01:19 | |
|
سورة العصر منهاج حياة
أحمد حسن المعلم
الخطبة الأولى
أما بعد, فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
ثم أما بعد, فيقول الله سبحانه وتعالى: وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ [العصر:1-3] ما زلنا مع سورة العصر هذه السورة القصيرة القليلة الآيات لكنها عظيمة المعاني والدلالات.
يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله عن سورة العصر: "لو لم ينزل الله على الناس إلا هذه السورة لكفتهم".
ويذكر بعض المفسرين كابن أبي حاتم وابن كثير: أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا إذا التقوا قرأ بعضهم على بعض سورة العصر.
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: عرفنا أن الله سبحانه وتعالى قد حكم على البشرية والإنسانية جمعاء بالخسارة والشقاء ثم استثنى الله سبحانه وتعالى من هذه الخسارة والشقاء من توفرت فيه أربع خصال:
الخصلة الأول والثانية: الإيمان والعمل الصالح، وقد تحدثنا عن هاتين الخصلتين في الخطبة الماضية.
والخصلة الثالثة والرابعة: هي قوله تعالى: وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ.
فما هو التواصي يا عباد الله: التواصي هو التناصح وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
والتناصح من سمات المؤمنين، يقول سبحانه وتعالى: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ [التوبة:71].
ويقول سبحانه وتعالى عن المنافقين: ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ [التوبة:67]، ولذلك يقول أمير المؤمنين أبو السبطين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (المؤمنون نَصَحَةٌ والمنافقون غَشَشَةٌ).
والنصيحة إخوة الإسلام لها آداب لابد أن يتحلى بها كل ناصح, ورأس هذه الآداب: الإخلاص فلابد أن تكون هذه النصيحة خالصة لوجه الله سبحانه حتى يكتب لها القبول والتأثير بإذن الله سبحانه وتعالى.
ومن آداب النصيحة اللين، فلابد أن تكون النصيحة بأسلوب لين هين حسن علّ الله أن يهدي القلوب وعلّ الله أن يشرح الصدور، فلا ينبغي أن نحكم على الناس بأن الله ختم على قلوبهم وأبصارهم فهم لا يهتدون ولا يعقلون ولا يفهمون.
الله سبحانه وتعالى لما بعث موسى عليه السلام إلى الطاغية فرعون الملحد السفاح المجرم الذي ادعى الألوهية، قال الله لموسى: ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ [طه:43، 44] فاللين مطلوب في النصح وهو من أسباب قبول النصيحة.
ومن آداب النصيحة أيضاً الستر، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
وجنبني النصيحة في الجماعة فإنه نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
ومن آداب النصيحة أيضاً العمل بهذه النصيحة فإن الناصح عليه أن يكون عاملاً بما ينصح، يقول الله سبحانه وتعالى: أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
يا أيهـا الـرجـل المعـلـم غيـره هلا لنفسك كان ذا التعليـم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيـم
ابدأ بنفسـك فانهـهـا عن غيـهـا فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعـذر إن وعـظـت ويقتـد بالقول منك ويقبل التعليـم
لا تنـه عـن خلـق وتـأتي مثلـه عار عليك إذا فعلت عظيم
يقول سبحانه وتعالى: وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّفما هو الحق يا عبد الله؟
الحق هو: الشيء البين الواضح، والله سبحانه وتعالى سمى نفسه حقاً فقال سبحانه وتعالى: وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ [النور:25].
وسمى دينه حقاً فقال سبحانه وتعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23].
وسمى القرآن حقاً فقال سبحانه وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ [البقرة:119].
فالحق إخوة الإسلام، هو أداء الطاعات وترك المحرمات، الحق هو هذا الدين، الحق هو ما في الكتاب والسنة.
وأتبع الله سبحانه وتعالى التواصي بالحق بالتواصي بالصبر؛ لأن الحق لابد له من صبر والدين لا يقوم إلا بالصبر.
والصبر منزلته عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك فقد ذكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعاً، تارة يمدح الله الصابرين فيقول سبحانه: وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ [لقمان:17].
وتارة يأمر الله بالصبر فيقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
وتارة يذكر الله تعالى ثواب الصابرين فيقول سبحانه وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
والصبر إخوة الإسلام، على ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على أقدار الله، وقد ضرب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الصبر على هذا الدين والثبات على الحق، فهذا خبيب بن عدي رضي الله تعالى عنه وأرضاه, عرضه المشركون على مشنقة الموت، وسألوه: ماذا تريد يا خبيب؟ قال: أريد أن أصلي ركعتين، فكان أوّل من سن صلاة ركعتين قبل القتل، وتوضأ وصلى ركعتين واستعجل فيهما ثم فرغ منهما وقال لهم: والله لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها.
فلله در هذه الهمم العالية، هكذا كانوا رحمهم الله، أما نحن وصل بنا الحال إلى أن يقدم أحد المسلمين إلى الموت فيقال له: ما هي آخر أمنية لك في هذه الحياة، فيقول: آخر أمنية لي في الحياة أن أشرب سيجارة!!!
رفع خبيب بن عدي إلى المشنقة فدعا عليهم قائلاً: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، قالوا له: أتريد أن يكون محمدٌ مكانك وأنت في أهلك ومالك؟! قال: لا والله، لا أريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصاب بشوكة وأنا في أهلي ومالي, ثم قتل رضي الله عنه وأرضاه.
يقول أهل السير كموسى بن عقبة: كان خبيب بن عدي يقول قبل أن يقتل: اللهم أبلغ عنا رسولك ما لقينا، والسلام عليك يا رسول الله، والسلام عليك يا رسول الله، والسلام عليك يا رسول الله.
هو في مكة والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة فأخذ يقول صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة: عليك السلام يا خبيب, عليك السلام يا خبيب، عليك السلام يا خبيب، ثم أنشد خبيب بن عدي رضي الله عنه أنشودة الموت وهي قصيدة الفداء:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشـلاء شلـو ممـزع
حبيب بن زيد رضي الله عنه صحابي عمره ثلاثون سنة يرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب فيقول: سمعاً وطاعة يا رسول الله، ويتهيأ لأشد الأمور قسوةً وشدة؛ لأنه قد يتعرض للموت، فتودعه أمه وتبكي بكاءً شديداً لفراقه، وأحست بقلب الأم أنها لن تراه بعد اليوم ولكنها تعلم أنها سوف تلقاه في جنة عرضها السموات والأرض، فودّعت ابنها ولسان حالها يقول كما قال ابن زيدون:
بنتم وبنـا فمـا ابتلـت جوانحنـا شوقاً إليكم ولا جفـت مآقينـا
تكـاد حيـن تناجيكـم ضمائرنـا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينـا
وصل حبيب بن زيد إلى مسيلمة فقال له مسيلمة: من أنت، قال: حبيب بن زيد، قال: ماذا جاء بك؟ قال: جئت برسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتشهد أنه رسول، قال: نعم أشهد أنه رسول الله، قال: أتشهد أني رسول، قال: لا أسمع شيئاً، قال: أتشهد أني رسول، قال: لا أسمع شيئاً، قال: أتشهد أنه رسول؟ قال: نعم أشهد أنه رسول الله، قال: أتشهد أني رسول، قال: لا أسمع، فقال مسيلمة الكذاب لأحد جنوده: اقطع منه جزءً من اللحم، فقطع منه، ثم وقعت هذه القطعة على الأرض فأعاد عليه مسيلمة السؤال، فأعاد عليه حبيب نفس الإجابة كما هي، فقطع منه قطعة أخرى، وظل يقطع جسده قطعة قطعة حتى قطعه قطعاً متناثرة في مجلسه، وارتفعت روحه إلى الله, إلى الخالق جل في علاه.
هكذا الصبر على دين الله والثبات على الحق.
بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا أعظم بقـوم بايعـوا الغفـارا
فأعاضنا ثمناً ألذ من المنى جنات عـدن تتحـف الأبـرار
فلمثل هذا قم خطيباً منشداً يروي القريض وينظم الأشعارا
عبد الله بن حذافة السهمي صحابي جليل يرسله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الروم، فيصل عبد الله إلى طاغية الروم فيقول: يا عبد الله تنصّر، وأعطيك نصف ملكي، استمعوا إلى المساومات يا عباد الله، فماذا قال عبد الله؟! قال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما لا تملك وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد طرفة عين، قال الطاغية: إذن اقتلك، قال: أنت وذاك.
فلله درك يا عبد الله ولله، در الروح العالية، ولله در الشجاعة المتناهية.
إن من الناس اليوم من لو عرضت عليه سيجارة لباع ذمته وعهده وأمانته و منهم من يبيع دينه وعرضه وأمته بحفنة من المال المدنس أو بقطعة من الأرض أو بسيارة، ضمائر خربة وذمم عفنه وقلوب ميته.
حتى المساجد بيوت الله عز وجل لم تسلم من هؤلاء لم تسلم من أصحاب الضمائر الخربة والذمم العفنة والقلوب الميتة، هذا المسجد الذي نصلي فيه سرق في هذا الأسبوع مرتين وقد سرق قبلها مرات، فإلى الله نشكو الحال التي وصلنا إليها ونسأله سبحانه وتعالى أن يشل يدي كل سارق.
قال الطاغية لعبد الله بن حذافة بعد أن رفض العرض: إذاً اقتلك، قال: أنت وذاك افعل.
ما تشاء، فأمر الطاغية بصلب عبد الله وبضربه بالسهام في يديه ورجليه في غير مقتل حتى يعذب العذاب الأليم، فصلب ورمى بالسهام وهو صابر محتسب ثابت على الحق، فأنزل رضي الله عنه وغُلي له ماءٌ في قدر، حتى كاد جسم الإناء أن يحترق من شدة الغليان.
وجيء بأسيرين من أسراء المسلمين فألقى أحدهما في هذا القدر المغلي والطاغية يعرض النصرانية على عبد الله وهو يرفض، فقال الطاغية لعبد الله: إما تتنصر وإما أن تلقي بنفسك في هذا الماء, فيمشي عبد الله إلى الماء فلما اقترب منه بكت عيناه، فلما رأوا أنه بكى ظنوا أنه خاف فقال الطاغية لعبد الله: ما يبكيك؟ قال عبد الله هي نفس واحدة وكنت أود أن يكون لي بعدد شعري أنفس تعذب في سبيل الله.
فيئس الطاغية من عبد الله وقال له: تقبل رأسي وأطلق سراحك، وأخلي عنك. فقال عبد الله: وعن جميع الأسارى قال الطاغية: نعم، فقبل رأسه فأطلق سراحه، وسراح إخوانه.
فلما قدم عبد الله بن حذافة السهمي إلى المدينة استقبله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأسك يا عبد الله، وأنا أبدأ بنفسي فقبله عمر رضي الله عنه تعالى، لعزته ودينه وصبره على هذا الدين وثباته على الحق.
فيا من أوذي في نفسه أو ماله أو في عرضه أو في دخله ووظيفته ورزقه، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قدموا أموالهم وأرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله ومن أجل رفعة هذا الدين ولم يتزحزحوا خطوة واحدة بل صبروا على دينهم وثبتوا على الحق.
ففي صحيح البخاري من حديث أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعوا لنا؟ فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليَتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله جل وعلا هدى ورحمة للعالمين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله الطيبين الطاهرين.
عباد الله, اتقوا الله حق تقاته واسعوا في مرضاته وتدبروا القرآن الكريم وتمسكوا بسنة خاتم النبيين وتفقهوا في الدين واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
أما بعد, فالقسم الثالث من أقسام الصبر: هو الصبر على أقدار الله, وهو من أركان الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا به، فلا يكون العبد مؤمناً إلا إذا آمن بالقدر خيره وشره.
وأقدار الله هي من البلاء الذي يبتلي به الرب سبحانه وتعالى عباده, وهي من أعظم النعم إذا تلقاها العبد بالرضا والقبول، وأما إذا تسخط منها العبد فهي من أكبر النقم والعياذ بالله.
قال عليه الصلاة والسلام: ((إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط)).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه)).
وعند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)).
ولذلك فقد عدّ كثير من الصالحين الابتلاء من النعم.
عروة بن ال+ير رضي الله تعالى عنه وأرضاه سقط من على فرسه فجرحت رجله، وقرر الأطباء قصها وفي نفس اللحظة يأتيه نبأ وفاة ابنه الشاب، فتقطع رجله وتنشر نشراً وهو في الصلاة بين يدي الله سبحانه وتعالى, فلما أفاق قال: "اللهم لك الحمد، إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة من الأعضاء فأخذت عضواً واحداً فلك الحمد، وأعطيتني أربعة، من الأبناء وأخذت واحداً فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى".
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة: أن عمران بن حصين مرض ثلاثين سنة ـ ظل مريضاً ثلاثين ـ سنة فما شكى وما اكتوى حتى صافحته الملائكة بأياديها.
ومن وصايا أمير المؤمنين أبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: للأشعث بن قيس قال له: يا أشعث إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور.
وأخذ هذا المعنى أبو تمام فقال منشداً:
وقال علي في التعازي لأشعث وخاف عليه بعض تلك المآثم
أتصبر للبلوى عزاءً وخشيـةً فتؤجر أو تسلو سلو البهـائم
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من عباده المؤمنين العاملين للصالحات المتواصين بالحق والمتواصين بالصبر.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
| |
|