molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحسد - أحمد حسن المعلم الأربعاء 19 أكتوبر - 12:25:06 | |
|
الحسد
أحمد حسن المعلم
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
إخوة الأسلام, يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلاْخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ [المائدة:27-31].
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
مع قصة من قصص القرآن نعيش اليوم, لنأخذ منها درساً وعبراً لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى ٱلالْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ [يوسف:111].
يقول سبحانه وتعالى: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلاْخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ.
وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ أي: اقصص عليهم هذا النبأ العظيم وهذا الخبر العجيب بالحق كما كان وكما حصل وكما حدث بلا زيادة أو نقصان.
قال أهل التفسير: "لما هبط آدم وحواء إلى الأرض بدأ التناسل والتكاثر، وولدت حواء 20 بطناً كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى، فكان أول أولادهما قابيل وأخته ثم هابيل وأخته، وكان من شريعة آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن لا يجوز للأخ أن يتزوج بأخته التوأم, وكان يتزوج بأي أخت من أخواته غير التوأم التي لم تكن معه في نفس البطن، وكانت أخت قابيل جميلة، وأخت هابيل دميمة، فطلب هابيل أن يتزوج أخت قابيل الجميلة ـ كما شرع الله ـ ولكن قابيل رفض وقال: أنا أحق بأختي مع أن هذا حرام في شريعة آدم عليه السلام.
وكان قابيل في طبعه خشونة وشدة، وأما هابيل فكان فيه لِين ورقة، وكان قابيل يعمل في الزراعة وأما هابيل فكان يعمل برعي الأغنام، وكان من شريعة آدم عليه السلام تقديم القرابين، والقربان هدية تهدى لله سبحانه وتعالى كهدي الحج، وكانت علامة قبول القربان أن تأتي نار فتأكل هذا القربان، وإذا لم تأكل النار هذا القربان فهذا علامة على عدم قبول هذا القربان، فقدم هابيل كبشاً وكان من أفضل المواشي عنده، وأما قابيل فجاء بزرع نتن غير صالح للأكل فقدمه قرباناً.
فلما جاءا في اليوم التالي وجدا أن قربان هابيل قد قُبل وأكلته النار, وأما قربان قابيل لم يتقبل, بقي كما هو لم تأكله النار, فزاد حسده على أخيه وزاد حنقه وحقده وغضبه، وما كان من قابيل إلا أن قال لأخيه هابيل: أينظر الناس إليّ وأنت خير مني؟ لا والله لأقتلنك، فقال له أخوه هابيل: وما ذنبي أنا إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ.
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ).
وسوس الشيطان لقابيل أن يقتل أخاه وزين له ذلك ولم يكن القتل معروفاً ولم تحدث أي جريمة قتل قبل ذلك، قال قابيل لأخيه هابيل: لأقتلنك فما كان من أخيه هابيل إلا أن ذكره بالله عز وجل وقال له: لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ يعني لن أدافع عن نفسي ولن أقاوم ولن أعاملك بالمثل ولكن أُذَكِرك الله رب العالمين، مع أنه كان أقوى من أخيه وقادر على التغلب عليه، ولكن منعه الخوف من الله، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (وايم الله إن كان أشد الرجلين, ولكن منعه الورع).
ولكن لم ينفع ذلك فأخذ هابيل يخوفه من عذاب الله وانتقل من الترغيب إلى الترهيب وقال له: إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ يعني سوف تحمل إثم قتلي فوق آثامك الماضية وتكون من أصحاب النار عياذاً بالله تعالى، ولكن لم ينفع الترغيب ولا الترهيب, لأن الشيطان قد استحوذ عليه وملأ قلبه حسداً وحقداً على أخيه.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ حصلت الجريمة أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية سببها الحسد، فكان الحسد أول معصية يعصى بها الله سبحانه وتعالى في الأرض.
في ليلة سوداء بينما كان هابيل نائماً جاء قابيل بصخرة فهشم بها رأس أخيه فقتله وكانت الجريمة.
احتار قابيل في جثة أخيه ماذا يعمل بها؟ كيف يستر جريمته، فقد كانت أول جثة ولا يعرف ماذا يفعل، فما كان منه إلا أن حمل هذه الجثة على ظهره وأخذ يمشي بها في الأرض، وبينما هو كذلك إذ أنزل الله غرابين أخوين فتقاتلا وقتل أحدهما الآخر، ومات الغراب أمام نظر قابيل، ثم إن الغراب الحي بدأ يحفر التراب ثم دفع بجثة الغراب الميت وحثا عليه التراب، فتعلم قابيل من الغراب أين يدفن أخاه، فحفر في الأرض ووضع أخاه في الحفرة ثم حثا عليه التراب وأصبح نادماً على ما فعل، ولكنه ما استغفر وما تاب وما أناب، وهذا قوله تعالى: فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ.
معاشر المسلمين, في قصة ابني آدم دروس:
أول هذه الدروس: ((من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)).
يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل)).
ولذلك يقول سبحانه وتعالى بعد هذه الآيات: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].
الدرس الثاني: شناعة هذه الجريمة ـ جريمة القتل ـ وعظيم عقوبتها عند الله، فهي أعظم معصية عُصي بها الله تعالى بعد الإشراك بالله تعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93].
وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).
وفي الحديث أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)) وقد اجتمع هذان الأمران ـ البغي وقطيعة الرحم ـ في قابيل أجارنا الله جميعا,ً وصرف عنا أسباب غضبه ومقته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله جل وعلا هدى ورحمة للعالمين, محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله الطيبين الطاهرين.
عباد الله, اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وتدبروا القرآن الكريم، وتمسكوا بسنة خاتم النبيين، وتفقهوا في الدين، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
أما بعد, فالدرس الثالث في قصة ابني آدم عليه السلام: أن الحسد مركوز في فطرة الناس، قال الحسن رحمه الله: "ما خلا جسد من حسد". ولكن المؤمن يدفعه، ويعتقد أن الحسد من أكبر الخطايا والذنوب, وأنه من أقبح السيئات, وأنه يأكل الحسنات, وأنه ينحل الجسم, وأنه يذهب بالتقوى والورع, وأنه يغضب الرب على العبد.
ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله سبحـانـه لأنك لم ترض لي ما وهـب
فمن حسد فقد أساء الأدب مع الله، وقد اعترض على القضاء والقدر، فقد ضيع نفسه وكره فضل ربه على الناس أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54].
فالحسد مقيت وهو أول ما عُصي الله به في الأرض ـ كما مر بنا ـ نعوذ بالله منه.
وواجب الحاسد أن يتوب إلى الله وأن يراجع حسابه مع الله, وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يحسن إلى المحسود, وأن يهدي له, وأن يدعو له, وأن يعلم أنه ارتكب خطيئة ما بعدها خطيئة.
الدرس الرابع: أن المحن تقع بين الإخوة إذا فُضِّل بعضهم على بعض، فمن حسن التربية أن يساووا في كل شيء, في الحب والعطاء والتكاليف, وفي كل شيء، فلا يقدم أحدهم على الآخر ولو كان مطيعاً ولو كان باراً, فلا ينبغي أن يفضل على إخوانه، يقول النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ميزني بشيء من القسمة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أفعلت هذا بولدك كلهم))؟ قال: لا يا رسول الله، قال: ((فلا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور)) يعني على ظلم، أو قال: ((فأشهد على هذا غيري))، أو قال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)).
فمن الظلم كل الظلم أن يُقدّم ويُفضّل أحد الأبناء على الآخرين، لأن هذا يؤدي إلى المكيدة والعداوة بين الأبناء، أعاذنا الله جميعاً.
| |
|