molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: دعوة للإصلاح - أحمد بن محمود الديب الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:48:36 | |
|
دعوة للإصلاح
أحمد بن محمود الديب
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الأخوة الكرام الأحبة، أشكر الله تعالى على أن جمعني بكم في هذا الجمع المبارك، والفضل لله تعالى. وكلمتي معكم في هذا اللقاء هي دعوة للتعاون والمودة والإصلاح، وما أحوجنا إلى التعاون وما أشدَ حاجتنا إلى الإصلاح.
ما أحوجنا إلى التعاون وقد استبد بكثير من المسلمين الأنانية وتغلبت عليهم المصالح الشخصية، وحصروا أفكارهم في قضاياهم الذاتية فضاق أفقهم وضاقت أخلاقهم، وما أحوجنا إلى الإصلاح وقد كثر الاختلاف في الآراء وامتلأت كثيرٌ من القلوب بالشحناء والبغضاء، واستحكم بين كثير من المسلمين الخصام والعداء، ما أحوجنا إلى أن نمضي إلى مرضات الله عز وجل متعاونين وأن نسعى بين إخواننا مصلحين، ما أحوجنا إلى أن نربط بين القلوب بآصرة الأخوة والمحبة الإيمانية، ما أحوجنا إلى أن نحكم لُحمةَ الصفوفِ بالأخوة والتآخي الإيماني الذي يقوم على عقيدة وسلوك سلف أمتنا.
إننا نحتاج إلى أن نتأمل ما أراد الله تعالى لأمتنا، والطريقَ الذي رسمه لها لتصل إلى تلك الغايات العظيمة، إن الله تعالى أراد لأمة الإسلام السيادة والعزة: وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].
وقد بين الله تعالى أنه لا عزةَ إلا بالوحدة وأوضح لنا أنه لا وحدةَ بغير أخوة فقال تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. ورسم الله تعالى الطريق الذي تتحقق به الأخوة وتحكَمُ به الوحدة فقال تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]. وقال تعالى: فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال:1].
إنه طريق واضح المعالم لا بد أن ندرك فيه أن الصورةَ التي رسمها الله عز وجل وأرادها لنا هي هذه الصورة المشرقة: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. فمثل بها للمجتمع المسلم فيما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)). فإن البنيان هو التكامل، لا بد أن نعرف ما معنى البنيان الذي أراده الرسول، إن البنيان نظام لا فوضى وإن البنيان تقارب لا تباعد، إنه تواضع لا تكبر، إنه تقديم للمصلحة الجماعية على المصلحة الفردية واعتراف بدور الفرد في الجماعة، إن كل مسلم لبنة في بناء المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية وحيث ما كان ضعفٌ في إحدى اللبنات أو خلل في بعضها أو نشوز في مجموعة منها فإن الأمر والوصفَ لا ينسب لها بل يلحقُ العوارُ والقصور بالبناء كله، ولذلك من هنا ندرك أهمية الطريق الذي نسلك به إلى التعاون نسعى به إلى الإصلاح وتقويم الأخطاء واستكمال النقص وتزين ما قد يكون من خلل أو قصور ثم نتمثل قول الرسول عند البخاري ومسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) إنه لا انفصام، بل ترابط، إنه لا إهمال بل اهتمام، لا بد أن ندرك هذه المعاني وأن نترسم هذه الطرق التي نصل بها إلى هذا التعاون ونحقق بها الإصلاح فيما بيننا، فإن هذا من أعظم ما ينفع الأمة في وقتها الحاضر الذي كثرت فيه الفرقة بين صفوف أبنائها والخلاف في آرائها والعداوة بين مجتمعاتها إلا ما رحم الله تعالى.
إن من أول هذه الخطوات حق الأخوة وخلق المحبة فهي دليل الإيمان، إن هذا الإيمان يربط بين القلوب ربطاً، ويؤاخى بين النفوس مؤاخاة، إن التحقق الصحيحَ بالإيمان الصادق الكامل يقتضي أن يحب له ما يحبه لنفسه كما جاء في الحديث المتفق عليه والذي بوب له البخاري رحمه الله تعالى باباً بعنوان: بَاب مِنَ الإْيمَانِ أَنْ يُحِبَّ ِلإَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ ِلأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) فكمال الإيمان أن يمتلأ قلبك حباً لإخوانك في الإيمان لكل منتسب لهذا الدين العظيم، لا بد أن ننظر إلى صورة المجتمع الإسلامي كما بينها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]. فهؤلاء يقدم بعضهم بعضاً في الحوائج وفي الملمات لأن القلوب امتلأت بالمحبة والصفاء.
أيها الأخوة الكرام الأحبة، فلننظر إلى واقع مجتمعاتنا اليوم أين نحن من هذه المطالبة بالمحبة والصفاء مما نراه في واقعنا من صور الشحناء والبغضاء، أما آن لنا أن ندرك أهمية الألفة والمحبة والإخاء، فكيف نحقق التعاون وقلوبنا متنافرة وكيف نصلح والنفوس منقبضة كاشحة، لابد أن ندرك أن أول الخطوات أن نصفي القلوب، أن نطهر النفوس، أن نشيع المحبة والودَ والإخاء الإيماني، إن هذا الطريق ليس سهلاً إلا على من سهله الله عليه ومن ملك الإيمان عليه قلبه ومشاعره، فإذا أحب لا يحب إلا لله تعالى وإذا أبغض لا يبغض إلا لله تعالى، فلا بد أن نجعل هذا المعلم وهذه الحقيقة حيةً في واقعنا نعلمها من حقيقة بواطننا لأنها أمر خفي لا يعلمها إلا الله تعالى الذي يطلع على السرائر ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الأمر الثاني: الرحمة والشفقة فقد استبد بكثير من مجتمعاتنا معالم الأخلاق المادية التي طغت فيها المصالح فلم يعد أحد يكترث بغيره مع أن الأصل في المسلم أنه يرحم إخوانه ويشفق عليهم ويلتمس لهم المعاذير عملا بقوله: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحمنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) [رواه أبو داود والترمذيّ]0 لابد من الشفقة والرحمة لما لها من الأثر العظيم في استدامة المودة بين المسلمين.
الأمر الثالث: خدمة المسلمين وإعانتهم، وهذا يتحلى به من عرف حقوق المسلمين الذين عناهم الله تعالى بقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ [المائدة:54]. ونحن اليوم نجد صورة لا نحبها في مجتمعاتنا وهي صورة الأنانية التي لا تتفق مع هذه الآية الكريمة ولا تتفق مع ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللّه قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ. مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللّهُ فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). فكن في خدمة إخوانك لأن الله تعالى وعد من فعل ذلك أن يكون في عونه.
الأمر الرابع: العفو والستر لأن الإنسان غير معصوم، فإذا وقع المسلم في ذنب يجب علينا أن نستر عليه لأن هذا هو الأصل الأول حتى يبدو منه إصرار على المعصية ومجاهرة بها، أما إذا وقع في معصية ولم يجاهر بها فعلينا أن ننفذ فيه وصية رسول بالستر والنصح وكذلك لحماية المجتمع من إشاعة الفاحشة علينا أن نعمل بتحذير الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النور:19].
فما بالنا اليوم نرى الناس لا همّ لهم إلا أن يتكلموا في أعراض إخوانهم، ففلان وصفه كذا وكذا، وفلان وقع في كذا وكذا، وفلان ينتمي لكذا وكذا، وهذا منهجه وصفته ونعته، وبذلك تقطعت الأواصر واختلفت القلوب وكثرت الغيبة والنميمة وشاع بين الناس الفرقة والاختلاف، ومن هؤلاء من ينظرون من خلال منظار أسود لا يرون الحسنات بل يتتبعون العثرات، إن علموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوه، وإن لم يعلموا كذبوا، فهؤلاء القوم هم من شرار الخلق ويسعون في تفتيت الصفوف وتفريقها وزرع الشحناء والبغضاء بين النفوس والقلوب لأنهم لا يعرفون الستر على المسلم بل يشيعون الفاحشة ويصمون كل مخطأ بخطئه ويشهرن به، فهؤلاء قوم يسعون للفرقة فيجب أن نحذرهم وأن نحذر منهم وأن ننصحهم. لماذا نجرح إخواننا؟ لماذا نهتك أستارهم؟ لماذا نسعى للفرقة؟ ولصالح من يفعل ذلك؟
فالله أسأل أن يملأ قلوبنا بحب إخواننا المؤمنين والرحمة عليهم والشفقة عليهم وأن نندفع في خدمتهم وإعانتهم وأن نستر عليهم وأن نعفو عن أخطائهم، وأن نعمل بقول الله تعالى الذي يدعونا فيه إلى الاعتصام وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:103].
وأسأله جل وعلا أن يؤلف بين قلوبنا وأن يوحد بين صفوفنا، هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|