molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حق المسلم على المسلم - أحمد بن عبد الكريم نجيب الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:26:10 | |
|
حق المسلم على المسلم
أحمد بن عبد الكريم نجيب
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذّركم وبال عصيانه ومخالفة أمره، وأذكركم ونفسي بحقوقه وحقوق خلقه التي افترَضَها الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه.
إن ديننا الذي ارتضاه الله تعالى لنا منهجًا رَشدًا يجمع بين الحقوق والواجبات، ولا يذهب فيه سدى شيء من الصالحات، ولا ريب في أن الحقوق تجب على العباد بإيجاب الشارع الحكيم، أما في حقه تعالى فلا شيء يجب عليه إلا ما أوجبه على نفسه تفضلاً منه ومِنّة.
ومن جوامع الكلم وفصل الخطاب في بيان مجمل الحقوق وأوجب الواجبات ما رواه الشيخان وغيرهما واللفظ لمسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف رسول الله ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: ((يا معاذ بن جبل))، قلتُ: لبيك ـ رسول الله ـ وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلت: لبيك ـ رسول الله ـ وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: ((يا معاذ بن جبل))، قلتُ: لبيك ـ رسول الله ـ وسعديك قال: ((هل تدري ما حق الله على العباد؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا))، ثم سار ساعة، فقال: ((يا معاذ))، قلتُ: لبيك ـ رسول الله ـ وسعديك، قال: ((هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((أن لا يُعذبَهُم)).
الناس مـا عقَلوا لله عبـاد حتى وإن جهلوا يومًا وإن حادوا
يَحدوهمُ أملٌ في نيل مغفرة فِي يوم محشرهم لله إن عـادوا
مادام مرتكزًا إفراد بارئهم فِي أصل فطرتهم والدين توحيدُ
عباد الله، إن توحيد الله تعالى بما أوجب توحيده به في أفعاله وأسمائه وصفاته وعبادة خلقه أوجب الواجبات وأهم المهمات التي عليها مدار الفوز والنجاة في الحياة وبعد الممات، ولهذا كثر النكير على من وقع في الشرك المنافي لتوحيد رب البريات، وآذن الله تعالى المشركين بالإياس من المغفرة ودخول الجنات، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ومَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا [النساء:116].
ومن عدله المطلَق سبحانه وتعالى أن لا يُضيع شيئًا من حقوق العباد، حتى يقتصّ لصاحبها أو يرضيه برفع درجاته أو تكفير سيئاته، فما ربك بظلام للعبيد، ولا يرضى الظلم بين العبيد، بل يقول لمن دعا على ظالمه: ((وعزتي وجلالي، لأنصرنّك ولو بعد حين)) كما روينا بإسناد حسن عن خير البشر . فإن برئت ذمتك من التفريط في جنب الله وسلمت من الوقوع في الشرك بالله فحذار حذار من الاستطالة في حقوق العباد أو التقصير فيما أوجب الله عليك صرفه لهم، فإنك موقوف ومحاسَبٌ عن كل اقتراف أو مجانبة للحق والإنصاف.
رُوي في المسند عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وديوانٌ لا يترك الله منه شيئًا، وديوانٌٌ لا يغفره الله؛ فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، قال الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72]، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئًا فظلم العبد نفسَه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئًا فظُلمُ العباد بعضَهم بعضًا؛ القصاص لا محالة)).
نعم يا عباد الله، إن حقوق العباد لا يستهين بها إلا غرّ مغبون جاهل بالعواقب والخواتيم، أما من اصطفاه الله وتولاه ووفقه لما فيه رضاه فلا يفرط في شيء منها، وأقلها ما جاء التأكيد عليه في السنة تخصيصًا، وهو حق المسلم المتعين الأداء على المسلم. عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)) متفق عليه، وفي رواية في صحيح مسلم: ((حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه)). وفي رواية مسلم هذه زيادات وقيود هامة في التعامل بين المسلمين:
أولها: زيادة حقوق المسلم عدَدًا، وفي هذا دلالة على أن العدد المذكور يفيد مراعاة حال السائل وليس الاقتصار على ما ذكر.
وثانيها: الأمر بالسلام مطلقًا على من يلقاه المسلم من المسلمين وليس مجرد رد السلام على من ابتدأه به، لما في إفشاء السلام من إشاعة المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أن رسول الله قال: ((لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
وثالثها: إيجاب إسداء النصيحة لمن يحتاجها من المسلمين؛ لأن الدين النصيحة، ومن النصيحة الواجبة مناصحة المبتدع والرد على المخالف بما يرده إلى الحق ولا يزيده نفرة منه وبعدًا عنه، وقد دأب السلف على مناظرة المخالفين في أصول الدين وفروعه وأطرهم على الحق أطرًا بالحجة والبيان ليس غير، وما مناظرات إمامَي السنة وأهلها في زمنيهما أحمدَ ابن حنبل وأحمدَ ابن تيمية إلا معالم في الطريق، ترد على من يفر من المخالف إلى القذف والتشهير متذرّعًا بآراء آحاد العلماء في عدم مناظرة المبتدِعة، رغم شذوذ هذا القول ومخالفته لما عليه جمهور السلف قولاً وفعلاً.
ورابعا: يستفاد من هذا النص الشريف تقييد إيجاب تشميت العاطس بحمده لله تعالى، فإن قال بعد عطاسه: الحمد لله قيل له: يرحمك الله وجوبًا على الكفاية، ويتعين عليها بعدها أن يدعو لنفسه ولمشمته بما جاء في السنة كقوله: يهدينا ويهديكم الله ويصلح بالكم.
عباد الله، إن حقوق إخوانكم من أهل القبلة عليكم لازمة ما دامت فيكم عين تطرف، ولا تنتهي إلا باتباع جنائزهم بعد مماتهم، فأدّوا إليهم حقوقهم، واسألوا الله حقوقكم.
وما دام الحديث عن حقوق العباد قائمًا فمن المناسب الإشارة إلى ما أقره رسول الله قبل الهجرة وطبقه بعدها عمليًا من أخوة الإسلام بين أبنائه والتآخي بين المسلمين، فـ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه))، كما ثبت بذلك الحديث في الكتب الستة.
وأخوّة الإسلام أقوى من أخوّة النسب، ورابطته أوثق من رابطة الدم، ولا مسوغ شرعًا للتبجّح بالمصطلحات المبتدعة حديثًا من قبيل الأخوّة في الوطنية أو القومية أو غيرهما من الدعوات الجاهلية.
وحذار من الانحراف والانجراف وراء من يَعدُّ النصارى إخوة له؛ بدعوى أن الله تعالى وصف بعض أنبيائه بأنهم إخوان لبني قومهم، كما في قوله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85]، وقوله سبحانه: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [هود:50]، مع أنهم يغفلون عن أن الله تعالى لم يصف الأقوام بأنهم إخوة للأنبياء، وإثبات الصّفة ليس إثباتًا لما يقابلها كما هو معلوم عند أهل اللغة.
ومن العجب أن نعدّ الصليبيين إخوةً لنا في الوقت الذي نغفل فيه أو نتغافل عن الأخوة الحقة التي تربطنا بأبناء ديننا وملتنا وأهل قبلتنا في فلسطين وغيرها من بلدان المسلمين، فنسلِم إخوانًا ونخذل آخرين يقبعون في سجون الغزاة المجرمين، مع أن من حقهم علينا أن نقوم بواجب النصرة والإمداد لهم.
أين نحن من أقوال أئمة السلف وهداة الخلف، وقد أجمعوا على وجوب استنقاذ الأسير وفك العاني؟! قال ابن العربي في أحكام القرآن بعد ذكر الأسرى المستضعفين: "إن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة، بالبدن بأن لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك, أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم، كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو, وبأيديهم خزائن الأموال وفضول الأحوال"، وقال ابن تيمية: "فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات".
فالله الله ـ يا أمة الإسلام ـ في إخوانكم، ارعَوا شؤونهم، وأعطوهم حقوقهم، وحذار من أن يكون في قلوبكم غل للذين آمنوا.
وفّقني الله وإيّاكم لخيرَيْ القول والعمَل، وعصمنا من الضلالة والزلل. أقول قولي هذا، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
أمّةَ الإسلام، لا نَزال حديثِي عهد بشهر رمضان الذي أفَل نجمه قبل يومين، وسرعان ما بردت الهمم برحيله وعادت أحوال الكثيرين منا إلى ما كانت عليه قبل دخوله، وكأن الله لا يعبد إلا في رمضان، وهذه أمارة للخذلان ودلالة على الخسران؛ لأن رب رمضان هو رب شعبان وشوال وسائر الشهور.
فلنبادر ـ يا عباد الله ـ إلى تصحيح مساراتنا، وليشدّ بعضنا على أيادي بعض بالتذكير والمناصحة والإعانة على طاعة الله.
فاتّقوا الله يا عباد الله، وتزوّدوا من دنياكم لآخرتكم عملاً يرضاه.
وصلّوا وسلّّموا على نبيّه وآله وصحبه ومن والاه، فقد أُمرتم بذلك في الذكر الحكيم، إذ قال ربّ العالمين: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين...
| |
|