سنن الله فى الكون
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
قال تعالى (والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم – والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) يس 38-40
وقال تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكبوت 2-3
وقال تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) البقرة 253
وقال تعالى ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ) محمد 35
وقال تعالى ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس )آل عمران 140
ما الذي يجمع بين الآيات السابقة ؟
إنها السنن نعم هي السنن الكونية والشرعية
الكون قائم على سنن تسير وفق ما أراد الله لاتتغير ولا تتبدل ولا تتحول ولا تحابى ولا تجامل ولا تتأثر بالأماني بل بالأعمال
والسنن جمع سنة والسنة هي الطريقة الدائمة
والله عز وجل حثنا على النظر والتأمل في آيات الله ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ال عمران 137
وقيل إن هذه السنن هي حكم الله التابع لحكمته
سنة الابتلاء
الابتلاء هو الامتحان قال تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) التغابن 15
وقال تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) البقرة 214
من سنن الله أنه ينصر الدولة العادلة ولو كافرة ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة
ومن سنن الله أنه كلما انهزم المسلمون انتصر الإسلام
حملات تلو حملات تريد استئصال شأفة الإسلام فلم يستطيعوا إلى الآن ولن يستطيعوا إن شاء الله وهذا وعد الله عز وجل
سنة التمكين
لاتتحق إلا بعد الابتلاء والتمحيص 0
سئل الشافعي أيما أفضل للرجل أن يمكن له أو يبتلى فقال لايمكن له حتى يبتلى فإن الله ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليهم وسلم أجمعين فلما صبروا مكنهم فلا تمكين قبل ابتلاء وتمحيص وصبر فقد مكن الله لبنى إسرائيل بعد أن سامهم فرعون سوء العذاب يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم
قال تعالى ( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )النور 55
والابتلاء من الله قال تعالى عن يوسف ( وكذلك مكنا ليوسف ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) يوسف 21
( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء -------) يوسف 56
وقال سبحانه عن ذي القرنين (إنا مكنا له فى الأرض واتيناه من كل شئ سببا ) الكهف 84
فالتمكين من الله ولا يستطيع أحد أن يقول سيمكن لي بسبب كذا أو كذا
وكل آيات التمكين يأتي بعدها في الأرض
سنة التغيير قال تعالى ( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ) الرعد 11
فإذا وجد الله التغيير من قوم غير الله حالهم فإن التغيير إلى الأسوأ كانت النتيجة مخزية
فإذا غير طاعة الله بمعصيته
وشكره بكفره
وبأسباب مرضاته بأسباب سخطه
إذا غير ذلك غير الله عليه جزاءا وفاقا وماربك بظلام للعبيد
فإن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز
سنة المداولة
تتداول الأيام بين الناس فالأحوال لاتدوم لادول ولا قبائل ولا الأفراد بل تدال من شدة إلى رخاء ومن رخاء إلى شدة ومن نصر إلى هزيمة ومن هزيمة إلى نصر (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ) آل عمران 140
سنة التدافع
قال تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) الحج 40 وهى لحماية الحق من غلبة الباطل ولامتحان مواقع الناس في خنادق الصراع إما في خندق الإيمان أو في خندق الكفر وهكذا حتى يرث الله الأرض وما عليها
ولا يشترط أن تكون سنة التدافع حربا بين دول بل إنسان وإنسان وبين إنسان وقوة طاغوتية
وسبحان الله تجد بنات تلبس ( البودى والهوت شورت ) وأخريات يلبسن النقاب
ظهرت قنوات فضائية للأغاني والكليبات فظهرت قنوات دينية
وهكذا سنة التدافع من سنن الله في الكون
سنة الاستبدال
يقول رب العزة ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ) محمد 38
وفى حديث صححه الألباني أن الله أمر يحيى بن +ريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فكأنه أبطأ بهن فأوحى الله إلى عيسى إما أن يبلغهن أو تبلغهن فأتاه عيسى فقال له إنك أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن أو أبلغهن فقال ياروح الله إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بى ----------) جزء من حديث طويل والشاهد من الحديث أن يحيى عليه السلام تأخر قليلا عن تبليغ بني إسرائيل فأوحى الله إلى نبي آخر إما أن يبلغهن أو تبلغهن
فإن لن نقم نحن بالدين كما ينبغي فسوف يستبدلنا الله عز وجل
لذا فمن الأدعية أن تقول اللهم استعملنا ولا تستبدلنا
الخطبة الثانية
والآن مع سنة من سنن الكون تفصيلا وهى سنة الابتلاء
قال تعالى ( الم – أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لايفتنون ------------) العنكبوت 1-3
وتذكر السورة ابتلاء نوح عليه السلام ثم إبراهيم ثم لوط ثم شعيب ثم عاد وثمود وفرعون وهامان ثم ابتلاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين ثم أمر عباده المبتلين بأعدائه أن يهاجروا من أرضهم إلى أرضه الواسعة فيعبدونه فيها ثم نبه أن المرجع إليه وعنده الخير إذن السورة هي سورة الابتلاء والامتحان ووسطها صبر وتوكل وآخرها هداية ونصر
يقول ورقة بن نوفل الذي كان لديه علم من الكتاب بعد سماعه للنبي ( ياليتنى كنت جذعا ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك فسأله النبي أو مخرجي هم ؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ماجئت به إلا عودي ) البخاري
قيصر الروم يعلم هذه السنة يقول لأبى سفيان سألتك كيف قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ) البخاري
والابتلاء لتمحيص القلوب ومعرفة المؤمن الصادق من المنافق والكاذب
يقول الشاعر
جزي الله الشدائد كل خير وإن كانت تضعضعنى بريقى
وماحبى لها إلا أنى عرفت بها عدوى من صديقي
ولله المثل الأعلى لو أن قائدا يعلم انه على وشك معركة رهيبة صعبة وفيها مخاطر كثيرة فهل يترك جنوده بلا تدريب لا بل لابد من تدريب شاق حتى إذا واجهوا المعركة ثبتوا لأنهم تدربوا جيدا وهذا التدريب هو الابتلاءات لم ينج منها أحد فها هو سيد الخلق ت+ر رباعيته فى أحد ويخنقه عقبة بن أبى معيط ويقذفه السفهاء بالحجارة حتى أدموا قدمه الشريفة
وهاهو يرى أولاده يموت واحدا تلو الآخر ماتت أم كلثوم وزينب ورقية ورزق بإبراهيم ولم يعش إلا عامين أو أقل ومات وابتلاءات كثيرة
وهاهو نوح عليه السلام يخاطب ولده قائلا ( يابنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين ) قال الولد ( ساوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لاعاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهم الموج فكان من المغرقين )
وهاهو يعقوب عليه السلام يحزن على فراق ولده يوسف وبعد سنوات عديدة يحتال يوسف فيأخذ أخاه بنيامين فلما رجع أبناء يعقوب من رحلة مصر أخبروه بأن بنيامين سرق وأخذوه فقال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) يوسف
يعقوب نبي وقص عليه يوسف وهو صغير رؤياه ويعلم يعقوب تحقق الرؤية ؛ فلم ابيضت عيناه من الحزن على فراق يوسف ؟
هذا هو الأب أخوتي في الله
يكلم ولده الغائب عنه في الهاتف ويسمع صوته ويعلم أن ولده بخير لكنه بمجرد انتهاء المكالمة ربما يبكى لم ؟
لأن الأب لايرتاح ويطمئن قلبه على ولده إلا إذا رأى ولده أمامه يتكلم ويتحرك ويصمت ويبتسم ويضحك
لهذا كان يعقوب حزينا على فراق ولده وظل يبكى رغم علمه انه سيراه وسيتحقق الحلم ويصير حقيقة
فتلك من سنن الله عز وجل في الكون ومنها سنة التغيير وسنة التداول وسنة التدافع وسنة التمكين