واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة ..
في حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي سميت حجة الوداع وفى يوم عرفة وكان يوم جمعة نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة 3
وفى طريق العودة إلى المدينة المنورة نزل قوله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) السورة
(فكان النبي بعدها دائما يقول سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك) وقيل أنها نزلت قبل وفاته بواحد وثمانين يوما ثم كانت آخر آية نزلت وهى قوله سبحانه (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما +بت وهم لا يظلمون) البقرة 281
فقال جبريل للنبي ضعها بين آيتي الربا والدين في سورة البقرة والقول أنها نزلت قبل وفاة النبي بتسعة أيام فقط.
اتقوا يوما – خافوا ذلك اليوم - فما هي التقوى ؟
سأل عمر يوما أبى بن كعب عن التقوى فقال أبى أرأيت انك تسير على طريق ملئ بالشوك ما كنت تصنع فقال أشمر واجتهد - قال فذاك التقوى إذن هي أن تحذر – أن تخاف ، أن تخشى اليوم الذي ستموت فيه وتلقى فيه ربك.
ولله المثل الأعلى اقترب موعد الامتحانات نهاية العام والطلبة يجتهدون ويذاكرون ويراجعون – الموت قريب اقرب إلى الإنسان من شسع نعله ، فلماذا لا نتقى لا نستعد لا نخاف لا نخشى؟.
الطالب أيام الامتحانات قلق خفيف الأكل لا يسكن له قلب – قلبه وعقله متجه إلى الامتحانات والعجب أن القليل من الناس هم الخائفون من الموت من هذا اليوم الذي سيرجعون فيه إلى الله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (والله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله).
بل كان النبي يقول (كيف انعم وصاحب القرن قد التقم قرنه واحني جبهته ينتظر الأمر بالنفخ في الصور)
سمعت يوما أمنا عائشة تقول قوله تعالى (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون).
فقالت يا رسول الله هو الرجل يسرق ويزنى ويشرب الخمر ثم يخاف على نفسه عقوبة ما يفعل قال لا يا ابنة الصديق بل هو الرجل يصوم ويصلى ويتصدق ويخشى ألا يقبل منه بل انظر آخى في الله إلى المحسنين يقول عنهم رب العزة (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون).
اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله هو يوم الموت يوم الوفاة وليس يوم الحساب كما قال البعض والدليل قوله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا إصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) البقرة
خوف هذا اليوم أطار النوم من المخلصين ومن عيون المتقين يوم يؤمن فيه الكافر ويوقن الفاجر يحس انه فرط في جنب الله تملأه الحسرة على ما فعل في الدنيا من الذنوب
ربما تكون اخى قد جلست أمام محتضر يوما فقال احد الحاضرين انزعوا الصور من الحجرة فالملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة (حجرة) وتجدهم يجلسون حوله احدهم يقرأ سورة يس فهي تقرأ على الأموات اى الذين يحتضرون والآخر يبل حلقه بماء أو شراب - ويحاولون تلقينه لا اله إلا الله فإذا مات أغمضوا عينيه ثم ربطوا إصبع رجله اليمنى الكبير بالآخر في اليسرى ثم قماشه أو رباط من تحت ذقنه إلى اعلي رأسه وربطوه ثم غطوه بثوب كل جسده.
هل سبق أن رأيت هذا فلم لا تخاف ذلك اليوم الم تسمع قول الله عز وجل (كل نفس ذائقة الموت).
سيأتيك ذلك اليوم لا محالة وتلقى على سريرك وتبدأ سكرات الموت وأولادك حولك أخوتك قريبون منك زوجتك معك ماذا يفعلون هل يستطيع احدهم أن يرد روحك هل يستطيع اى طبيب على وجه الأرض إن يداويك لا وها هي روحك تخرج وتصل إلى الترقوة (كلا إذا بلغت التراقى وقيل من راق وظن انه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق) القيامة 26 – 30
من راق قال المفسرون من يرقيه من يشفيه وقالوا من راق من سيرقى به ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب وظن انه الفراق أيقن يقينا جازما انه سيفارق والتفت الساق بالساق قيل ساق الدنيا بساق الآخرة وقيل آخر يوم من الدنيا مع أول أيام القبر.
ويقول الله عز وجل (فلولا إذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون – ونحن اقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين)
الواقعة 83 – 87
ها هي الروح بلغت الحلقوم والأولاد والأحفاد جالسون والزوجة واقرب الأحباب إليه ينظرون إليه يظنون أنهم قريبون منه بل الملائكة هم الأقرب انتهى الأمر إن هي إلا لحظات وتخرج الروح- يكاد يصرخ (رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت) المؤمنون
يكاد يصرخ (لولا اخرتنى إلى اجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) يرد رب العزة (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء اجلها) المنافقون 10 -11
ساعة الموت أطارت النوم من عيون المتقين
-ها هو أبو بكر رضي الله عنه كان يحتضر ليلا وسأل عائشة اى يوم هذا قالت الاثنين فبدا عليه الارتياح لأن المصطفى توفى يوم الاثنين فقالت أمنا عائشة له شعرا فقال لا يا ابنتي بل قولي (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ق 19
-ها هو عمر ساعة الموت وضعوا رأسه على مخدة وقيل بل على فخذ ابنه عبد الله فقال لهم بل ضعوا رأسي على الأرض لعل الله أن يرحمني.
-وها هو عثمان كلما ذكر القبر يبكى .. ولما سئل قال : ساعة الموت والقبر كل ما بعدهما أهون.
-وهاهو أبو هريرة وهو يموت يقول آه من قلة الزاد وطول الطريق.*فماذا نقول نحن؟
وسئل عمرو بن العاص عن الموت وهو يحتضر فقال يا ولدى لكأن جبال الدنيا على صدري وكأني أتنفس من ثقب إبرة.
دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد في قصره الجديد فقال :
عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور
تجرى عليك بما أردت مع الغـدو ومع البكور
وسكت فقال هارون أكمل هات ما عندك : فقال أبو العتاهية
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنــاك تعلم موقنـا مـا كنت إلا في غرور
فأخذ هارون يبكى حتى أشفق عليه من حوله.
* أخوتاه ...
كأنك بالعمر قد انقرض وهجم عليـــك المـرض
وفات كل مراد وغرض وإذا بالتلف قد عرض أخاذا
لقد كنت في غفلة من هذا
شخص البصر وسكن الصوت ولم يمكن التدارك للفـوت
ونزل بك ملك المـــــوت فســامت الروح وحـاذى
لقد كنت في غفلة من هذا
بلغت الــروح إلى التراقى ولم تعرف الراقي من المساقى
ولم تدر عند الرحيل ما تلاقى عيـــاذا بالله عيــــاذا
لقد كنت في غفلة من هذا
ثم درجــوك في الكفن وحملــوك إلى بيت العفـن
على العيب القبيح والأفن وصــرت في القبر جـذاذا
لقد كنت في غفلة من هذا
تسربت عنك الأقارب تسرى تقد في مالك وتفرى
وغاية أمرهم أن تجرى دموعهم رذاذا
لقد كنت في غفلة من هذا
كيف نتقى ذلك اليوم العصيب ؟
-اجتناب المنهيات قال النبي ( إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه ) البخاري
-عدم الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة
-أداء الفرائض والواجبات فهي أهم عون لك
-تذكر الموت وحاسب نفسك قال النبي ( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ) وقال عمر ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم )
-قصر الأمل فقد كان عبد الله بن عمر يقول إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح