حب الإيثار
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
سنتكلم عن خلق لو ساد بين أفراد المجتمع لرأيت الحب يسود وهو الإيثار أن يؤثر الأخ أخاه على نفسه قال تعالى ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )
وع+ الإيثار هو الأثرة وكذا الشح الذي هو التطلع إلى ما في أيدي الناس
عبد الرحمن بن عوف وهو يطوف كان لايقول إلا اللهم قني شح نفسي
ويقول الله عز وجل ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) مادحا من تخلق بخلق الإيثار ولو كانت بهم حاجة لكنهم يؤثرون غيرهم على أنفسهم
وتقول السيدة عائشة ( ماشبع رسول الله ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ولو شئنا لشبعنا ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا )
فما هو الإيثار / أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته برغم احتياجه لما يبذله – فيجوع ليشبع غيره ويعطش ليروى سواه
وماهى الأثرة / حب النفس وتفضيلها على الآخرين وهو خلق مذموم طبعا
انطلق حذيفة العدوى في معركة اليرموك يبحث عن بن عم له ومعه شربة ماء وبعد أن وجده جريحا قال أسقيك ؟ فأشار نعم وقبل أن يسقيه سمعا رجلا جريحا يقول آه فأشار بن عمه إلى الرجل ليذهب إليه فيسقيه فذهب إليه حذيفة فوجده هشام بن العاص فلما أراد أن يسقيه سمعا رجلا يقول آه فأشار هشام أن اذهب إليه فذهب إليه حذيفة فوجده قد مات فرجع إلى هشام فوجده قد مات فرجع إلى بن عمه فوجده قد مات وكل منهم حتى وهو يموت يؤثر أخاه على نفسه بشربة ماء
وجاء رجل إلى النبي يريد أن يضايفه فما وجد النبي في بيوته إلا الماء فقال من يضيف هذا الليلة فقال رجل من الأنصار أنا ورجع إلى بيته مع ضيف رسول الله وسأل زوجته قالت ماعندى إلا قوت صبياني فقال نوميهم وعندما يبدأ الضيف في الأكل أطفئي السراج ففعلت وبدا أنهما يأكلان وهما لا يأكلان حقيقة حتى أكل الضيف وشبع وفى الصباح ذهب الرجل بالضيف إلى النبي فقال رسول الله ( لقد عجب الله من صنيعكما الليلة ) مسلم
ونزل قوله تعالى ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
اجتمع عند أبى الحسن الأنطاكي أكثر من ثلاثين رجلا معهم أرغفة قليلة لاتكفيهم فقطعوا الأرغفة قطعا ليكثر عددها وأطفأوا المصباح وجلسوا للأكل فلما رفعت السفرة وجدوا الخبز كله كما هو فقد اثر كل منهم أخاه على نفسه
منازل الإيثار
- أخوك مثل الخادم تطعمه وتعطيه مما تبقى منك فتعطيه مايتبقى منك
- أعلى مما سبق أن تجعله مثل أخيك فتشترى لك وله ولأولادك ولأولاده تماما بتمام
- وأعلى مما سبق أن تشترى له ولأولاده ثم تشترى لنفسك بعدها ولأولادك
هل تستطيع أن تصل إلى هذه الدرجة إن استطعت فهنيئا لك
وجاءت امرأة إلى النبي فأعطته بردة هدية فلبسها صلى الله عليه وسلم وكان محتاجا إليها ورآه أحد الصحابة فطلبها منه وقال يا رسول الله ما أحسن هذه ا+نيها فخلعها النبي وأعطاه إياها فقال الصحابة للرجل ما أحسنت لبسها النبي محتاجا إليها وتعلم أنه لايرد أحدا فقال الرجل إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني ) البخاري
مدح رجل رجلا قائلا عن جوده
تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تجبه أنامله
ولو لم تكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
فقال العلماء والله أحق من يقال هذا الشعر فيه هو النبي صلى الله عليه وسلم
وهاهي الأم طبعت على الإيثار فتؤثر أولادها على نفسها ففي صحيح مسلم قالت السيدة عائشة ( جاءتني مسكينة تحمل ابنتين فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهن تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فذكرت ذلك للنبي فقال إن الله قد أوجب لها الجنة أو اعتقها من النار ) مسلم
والديك جبل على الإيثار فأنت عندما تضع الحب يأتي إليه فيفرقه برجله هنا وهناك ثم يقف متأملا الدجاج وهو يأكل مسرورا ولا يأكل هو إلا بعدهم
البيت الملئ بالإيثار خيره عميم فيه حب ووفاء وراحة بال وسعادة
والبيت الملئ بالأثرة بيت ملئ نكدا ومشاكل ليل نهار وعدم راحة
وإن وجدت ولدا يؤثر إخوته على نفسه فكافئه أمامهم
وإن وجدت ولدا لك يؤثر نفسه على إخوته فعاقبه
درجات الإيثار
- أعلى درجات الإيثار هي أن تؤثر الله على ماسواه فتؤثر رضا الله على مرضاة الناس
- كتبت السيدة عائشة لمعاوية تقول ( من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) الترمذي – بن حبان – صحيح الإسناد
وهاهو إبراهيم الخليل أعطاه الله الولد بعد أن كبر سنه ثم امتحنه بذبحه فاستسلم للأمر قال تعالى ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين - إن هذا لهو البلاء المبين – وفديناه بذبح عظيم ) الصافات 101 – 107
يقول بن القيم – لم يكن المقصود ذبح الولد لكن المقصود هو ذبحه من قلبه ليخلص القلب لله فلما قدم محبة الله على محبة ولده رفع الله الذبح وأبقى الفداء
وسليمان عليه السلام أعطاه الله الملك والنبوة فماذا قال ( هذا من فضل ربى ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم ) 40 النمل
وموسى عليه السلام لما خرج للقاء ربه ومعه بنو إسرائيل سبقهم هو قال تعالى ( وما أعجلك عن قومك ياموسى قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك ربى لترضى ) طه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم تحمل كل أذى ومعاناة في الدعوة إلى الله عز وجل بل فى الطائف أغروا به صبيانهم وسفهاءهم يضربونه بالحجارة فدميت قدماه فجلس بجوار الحائط وقال ( إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى ) المهم عنده هو رضا الله سبحانه وتعالى عنه
الدرجة الثانية من درجات الإيثار هي إيثار رسول الله عمن سواه وتقديم محبته على كل محبة
هاهو أبو دجانة واسمه سماك بن أوس الأنصاري - صاحب العصابة الحمراء لايلبسها إلا ساعة القتال في أحد رأى السهام تتوجه إلى رسول الله فكل هم المشركين هو النيل من رسول الله فاحتضن أبو دجانة النبي لتسقط السهام عليه وفى جسده ويقول أبو بكر نظرت في ظهر أبى دجانة فوجدته كالقنفذ من كثرة السهام - إيثار بالنفس والروح
وهاهو طلحة بن عبيد الله يوم أحد أيضا يقول لرسول الله اخفض رأسك يارسول الله نحري دون نحرك يارسول الله - كلمة نقولها وقلناها بألسنتنا لكن الصحابة طبقوها بأرواحهم – لأن الأعداء عرفوا مكانه فتوجهت سهامهم إليه و انطلق سهم تجاه رسول الله فيمنعه طلحة بيده ويخترق السهم يده فيشلها
وهاهو عمر بن الخطاب يكتب العطايا للمهاجرين فيقول أكتبوا لأسامة بن زيد 3500 درهم واكتبوا لعبد الله بن عمر 3000 درهم فقال عبد الله أنا اخذ أقل من أسامة لم ؟ إنه لم يسبقني إلى فضل
فقال عمر ياولدى إن رسول الله كان يحب أباه أكثر من حبه لأبيك
ورسول الله كان يحب أسامة أكثر منك
وأعظم الناس إيثارا في التاريخ الإسلامي هم الأنصار فقد جاءهم المهاجرون لا يملكون شيئا إلا ملابسهم التي على أجسادهم فشاطروهم بيوتهم وأرضهم وأموالهم بل طيب نفس وسلامة صدر وقلب فاستحقوا دعاء النبي لهم يوما رفع يديه الشريفتين إلى السماء قائلا الله ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ولقد +اهم الله عز وجل ومدحهم
وقابل المهاجرون هذا الإيثار الرائع بحسن الخلق والتعفف
الخطبة الثانية
السيدة عائشة كان في بيتها مكان صغيركانت ا تريده لتدفن فيه بجوار زوجها أشرف الخلق وبجوار أبيها الصديق فلما استأذن عمر أن يدفن بجوارهما أذنت وآثرته على نفسها
أخوتي فى الله هناك قاعدة هي لا إيثار في طاعة مثلا الصف الأول وقفت فيه فلا تتنازل عنه لغيرك ثواب الصف الأول أكبر
صدقة أو فرصة للتصدق فلا تقل لأخيك في الله أنا اوثرك على نفسي في هذا الثواب لا بل التنافس مطلوب في هذه الحالة
قلنا أن درجات الإيثار الأولى وأعلاها هي أن تؤثر الله على كل ماسواه
وبعدها أن تؤثر رسول الله على كل الناس
وبعدها أن تؤثر كل من له فضل عليك
وأول الجميع أمك ثم أبوك فيا بؤس من يوثر مرضاة زوجته على أمه
ويا بؤس من يقدم مرضاة ولده أو أولاده على مرضاة أبيه وتعلمون قصة الذين وقعت عليهم الصخرة فمن أسباب نجاتهم هذا الذي يقدم أباه وأمه على أولاده فلا يشربون اللبن إلا بعد أبيه وأمه