لاتجزع
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
ياصاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه لاتيأسن فإن الفارج الله
في سلسلة لا – قلنا لاتفرح – لاتقنط – لاتبكى – لاتلعب -لاتحزن
واليوم لاتجزع
جاء في القران آيات كثيرة تنفر من اليأس والقنوط والجزع
فلابد من الفتن والابتلاءات والمصائب إما لتكفير الذنوب أو لرفع الدرجات قال تعالى (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكبوت
وقال تعالى (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين )المعارج 19-21
وقال تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )البقرة 214
ويقول رب العزة عن الأحزاب ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ماوعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) الأحزاب
وآيات أخرى كثيرة تدل على جزع الإنسان إذا ابتلى
يقول الله تعالى ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربى أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربى أهانن كلا ) سورة الفجر - كلا رادعة فلا العطاء دليل كرامة ولا المنع دليل إهانة
الجزع هو النقطة المقابلة للصبر أو الحالة النفسية التي لاتنضبط فيها النفس أمام الحوادث والمشاكل
قال العلماء الجزع عند المصيبة مصيبة لم ؟
لأن الجزع لايرد المصيبة بل يضاعفها - ويشمت العدو ويسوء الصديق ويغضب الرب ويسر الشيطان ويحبط الأجر ويضعف النفس فما العمل ؟
يقول الله عن إبراهيم والذين معه (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر )
ويقول رب العزة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر )
في ماذا – لقد لاقوا المصائب الواحدة تلو الأخرى وصبروا ولم يجزعوا
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يود ناس لو أن جلودهم أنت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء ) الترمذي مرفوعا
فنرى من مات زوجها تجزع وكأنه لم يمت أحد إلا هو
ومن مات ولده جزع وكأن ولده الوحيد الذي مات
فهاهو نوح عليه السلام يموت ولده أمام عينيه ولم يجزع بل صبر
وهاهو إبراهيم عليه السلام يسفه آراءهم فألقوه في النار فلم يجزع فجعل الله النار بردا وسلاما عليه
وموسى عليه السلام يتربص به فرعون حتى إذا جمع جنده وسار وراء موسى قال أصحاب موسى لموسى إنا لمدركون فقال بكل ثقة ولم يجزع قائلا (كلا إن معي ربى سيهدين ) فأقر الله عينه برؤية فرعون وجنوده وهم يغرقون
ويوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم - رأيناه يباع كما يباع الرقيق ويدخل السجن زورا وابتلى بامرأة العزيز تراوده عن نفسها فاستعصم
ولم يجزع بل ظل يدعو إلى الله في السجن وهنا مكن الله له في الأرض
وهاهو ذو النون ذهب مغاضبا قومه لما لم يؤمنوا فضيق الله عليه وأمر الحوت بابتلاعه شدة مابعدها شدة لكنه ظل محافظا على تسبيحه فال تعال ( فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون ) فأمر الله الحوت أن يلفظه
وهاهو أيوب عليه السلام عندما مرض ثمانية عشر عاما لم يجزع بل صبر وأظهر الرضا فأغناه الله بعد فقره وأسقط عليه جرادا من ذهب فأخذ يجمع فى ثوبه فقال تعالى ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يارب ولكن لاغني لي عن بركتك ) البخاري قال تعالى ( وأيوب إذ نادي ربه أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا مابه من ضر واتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) الأنبياء 83-84
عيسى عليه السلام يحاربه بنو إسرائيل ويؤذونه في سمعته وفى أمه ويريدون قتله ولا يجزع فيرفعه الله إليه
ورسولنا عليه الصلاة والسلام لاقى جميع أنواع الأذى في جسده وخنقوه وألقوا على رأسه سلى الجزور وتكلموا في عرضه وحاصروه حتى أكل ورق الشجر وماتت بناته واحدة تلو الأخرى ولم تبقى إلا الزهراء
ومات ولده إبراهيم ولقي سوء أدب الأعراب وحقد اليهود وغطرسة الأغنياء وبطء استجابة كثير من الناس
وهاهم أصحابه تعلموا كيف يكون الصبر وعدم الجزع فهاهو أبو بكر يتحمل الشدائد ويضرب حتى يحمله قومه في ثوب ومابهم شك في موته – وينفق ماله مرتين في سبيل الله فيفوز بلقب الصديق
وعروة بن ال+ير الذي قطعت رجله من الفخذ ثم مات ولده بعدها فلم يجزع بل صبر وجلس يحمد الله قائلا الله إن كنت أخذت فقد أعطيت وإن كنت ابتليت فقد عافيت اعطيتنى أربعة أولاد وأخذت واحدا وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضوا فلك الحمد
والأمة السوداء التي أتت النبي وقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي فقال النبي إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر لكنني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف - شبحان الله تصبر على المرض ولاتصبر على التكشف – والله درس بليغ لكل سافرة
الخطبة الثانية
ما العلاج عند وقوع المصيبة
قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة ) فبهما لاينهار الإنسان
قال تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )
جاء رجل إلى ابن عباس يخبره وفاة أخيه فقام يصلى فقالوا ماذا تفعل قال استعين على الخبر بالصبر والصلاة كما أمرني ربى سبحانه
قال القاضي شريح إني أصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات – أولا أنها لم تكن أعظم مما هي
أن رزقني الله الصبر عليها - وفقني الله للاسترجاع
- أنها ليست في ديني وكان النبي يدعو قائلا ( اللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا )
لماذا يجزع الإنسان
أولا لأنه لاينسى مصابه فيظل يذكره
ثانيا يظن أنه لاعوض عما فقد ولا بديل
ثالثا كثرة الشكوى مما حل به وفى التوراة ( من أصابته مصيبة فشكا إلى الناس فإنما يشكو ربه )
رابعا اليأس من جبر المصاب
خامسا رؤية نعم غيره وأنهم لم يصابوا بما أصيب به
الآثار الصحية للجزع
- أمراض القلب - أمراض الجهاز الهضمي
- أمراض جلدية - أمراض نفسية
وأخيرا يوم أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم شم رائجة طيبة فسأل جبريل فقال هي رائحة ابنة ماشطة فرعون وأولادها والحديث صحيح صححه الحاكم والذهبي وصححه أحمد شاكر فما ه القصة
بينما ماشطة ابنة فرعون تمشط لها شعرها إذ سقط المدري ( مثل المشط ) فقالت بسم الله فقالت ابنة فرعون أبى فقالت الماشطة لا بل ربى ورب أبيك هو الله فقالت البنت لأبيها فأحضرها فرعون وسألها فقالت أنت لست ربى بل ربى وربك هو الله فأمر بها أن تحرق هي وأولادها وبدءوا بأولادها واحدا وراء الأخر وهى صامدة صابرة محتسبة فلما جاء الدور على طفلها الرضيع تقاعست قليلا من أجله فأنطقه الله قائلا اقتحمي النار فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت النار
لاتجزع بل اصبر ولك أجر عظيم لكن إن جزعت فلن يرجع ما ذهب ولن تؤجر على المصيبة