من أمراض القلوب -8 الرياء
الشيخ عاطف شمس
قال تعالى ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين – فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون ) الماعون
وقال عز وجل ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف انظر إلى صفاتهم السيئة لا يغيثون ملهوفا ولا يطعمون مسكينا ولاحتى يحضون على إطعامه وعن صلاتهم يسهون يتكاسلون كل ذلك لأنهم مراءون فما الحكم عليهم - حكم الله عز وجل عليهم بأنهم يكذبون بالدين والآخرة ولو لم يكونوا يصدقون لفعلوا كل ماهو خير لليتيم والمسكين وإعارة العارية ولصلوا لله بإخلاص
والآية التي بعدها يقول رب العزة أن من يريد لقاء الله على خير فعليه بالعمل الخالص والعمل الخالص هو الخالي من الرياء والسمعة فالله أغنى الأغنياء عن الشرك
اليوم اخوتى في الله مع مرض خطير من أمراض القلوب ألا وهو الرياء
ولخطورته كنت أؤجله أسبوعا وراء آخر
فإن أكثر من أصيب به أمثالنا من الخطباء والدعاة والشيوخ
خطورة هذا المرض أن دخوله القلب سهل لا يكاد يحس به احد وخروجه صعب جد ا لذا فقد شبهه النبي بالشرك الخفي
فالشرك الواضح - ظاهر لفاعله ولمن حوله مثل ( الذبح لغير الله – التوكل على غير الله - الاستعانة والاستغاثة والاستعاذة بغير الله - والتوسل بقبر أو مقبور )
خرج النبي يوما على أصحابه فوجد بعضهم يتدارسون المسيح الدجال متى سيكون أين سيخرج ما الفتن التي ستأتي معه فقال ما المسيح الدجال أخاف عليكم إن أخوف ما أخافه عليكم فهو الرياء فإنه هو الشرك الخفي
ويقول رب العزة ( أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )
وسنذكر الآن بعض صفات وأوصاف الرياء وأظن أن الكثير منا سيتهم نفسه بالرياء
الرياء على أشكال منها رياء بالبدن - يظهر اصفرار وجهه ونحول جسده ويطأطئ رأسه ليظهر للناس أنه يقوم الليل ولاينام يرائي ببدنه
رأت أمنا عائشة شابين يمشيان يطأ طأن رأسيهما فقالت ارفعا رؤوسكما فإن عمر كان أخشى لله منكما واتقى لله منكما وكان إذا تكلم اسمع وإذا ضرب أوجع وكان النبي اخشع من عمر وماكان يطأطئ رأسه بل كان يمشى يتقلع
ورأى عمر شابا يمشى مطأطأ رأسه فقال يا بن آخى ارفع رأسك فإن الخشوع في القلوب لا في الرقاب ورياء بالمظهر والزى - بعض الناس يتعمد أن يلبس ملابس مبتذلة أو لون معين أو يضع شالا اخضر اللون على كتفه أي انه من الطريقة - أو يحمل مسبحة طويلة - فيقال عنه ما أزهده ما أورعه ما أكثر ذكره لله بالمسبحة
وبعض الأخوة يقصر ثوبه لا إتباعا لنبيه بل رياءا وسمعة - أرأيتم كم هو خطير الرياء
ورياء بالأقوال تجده يتكلم بكلام جميل ملئ بالورع على لسانه سبحان الله إذا تعجب والله أكبر إذا صعد وإذا جلس مجلسا تحركت شفتاه بالذكر - كله رياء وسمعة فانظر إلى عقابه
قال النبي ( من سمع يسمع الله به ومن يرائى يرائي الله به ) لفظ البخاري فمن قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم – فسيحصل له ما قصد ولا ثواب له في الآخرة
وقيل من يرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه منه
وقيل يسمع الله به فيشتهر بين الناس بسوء الثناء عليه دنيا وآخرة
وقيل يسمع الله به على رؤؤس الخلائق في الآخرة
واليكم هذا الحديث المفزع وهذا قول معاوية بن أبى سفيان بعد أن سمعه فبكى وأبكى من حوله ثم قال حديث مفزع يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة - رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى قتلت قال كذبت ولكن قاتلت ليقال جرئ وقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى القي في النار - ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القران فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ماعملت فيها قال تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت فيك القران فقال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم فقد قيل وقرأت القران ليقال قارئ وقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار - ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار وفى لفظ فهؤلاء أول الخلق تسعر بهم النار يوم القيامة ) مسلم السبب الرئيسي في عدم قبول أعمالهم هو الرياء ولم تكن خالصة لوجه الله
ما الفارق إذن بين الإخلاص والرياء ؟
الرياء نوعان ظاهر وخفي - والرياء الظاهر تكلمنا فيه فماذا عن الخفي
يتزيى بزى المسلمين فيحبه الناس فإن فعلوا رضي وإن لم يفعلوا سخط - مرائي
السؤال مرة أخرى ما الفارق بين الإخلاص والرياء ؟
انظر إلى عبادتك فإن كنت تصلى لله في الخلوة أكثر مما تصلى أمام الناس فأنت على خير
وإن كنت تصلى لله أمام الناس ولا تصلى في خلواتك فأنت مرائي (إن لم يكن فعلك للتعليم )
المعيار الثاني : إن مدحك الناس فسررت فأنت مرائي وإن ذمك الناس فحزنت فأنت مرائي
فإن كنت مخلصا فسيستوي عندك المادح والذام
واعلم جيدا أن الله لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه وموافقا لسنة النبي هذا هو العمل الصالح
سؤال آخر ماهو حكم الرياء ؟ في العبادات حرام لأنه شرك خفي وأما في المعاملات فلا حرج فيه فديننا وسط لكنه لايليق بأصحاب الهمم العالية
اشتريت سيارة جديدة آخر موديل - رياءا - ليس حراما
بنيت بيتا من أربعة طوابق ليقال هذا بيت فلان - رياءا - لاحرج
ياشيخ يرحمك الله أخفتنا من الرياء الظاهر والخفي فإن أردت خيرا فهل لابد من فعله في الخفاء ؟
لا – فهناك أشياء لابد من فعلها في العلن - مثل الخطيب والداعية والدروس العلمية الشرعية فلو قلنا لابد من العمل في الخفاء مخافة الرياء لطلبنا من العلماء الكبار أن يتركوا القنوات الفضائية الإسلامية وتسجيلات الخطب والدروس ولخلا الطريق للفساق فيكونوا وحدهم على الساحة فنكون خوفا من الرياء تركنا التبليغ والوعظ والإرشاد والدعوة على بصيرة بل وتركنا سنة التدافع بين الحق والباطل
ومثال آخر لو طلبوا التبرع لرجل مريض وأنت صاحب وجاهة فلو تبرعت سرا فلك اجر لكن لو تبرعت علنا لتبرع الكثير تأسيا بك - ما الأفضل ؟ لاشك أن الأفضل أن تتبرع علنا
عدنا إلى الخوف من الرياء أقول لك الفارق بين الرياء والإخلاص هو القلب والنية
إليكم اخوتى في الله هذا الحديث بلفظ البخاري ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا اغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأ بى طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن اغبق قبلهما فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا مانحن فيه فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه فقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلى فأردتها على نفسها فامتنعت حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى اللهم إن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا مانحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج وقال الثالث اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت فيه الأموال فجاءني بعد حين فقال ياعبد الله أد إلى أجرى فقلت كل ماترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم فقال ياعبد الله اتستهزأ بى فقلت لا استهزأ بك فأخذه كله فلم يترك منه شيئا اللهم إن كنت تعلم أنى فعلت دلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) متفق عليه
الشاهد من القصة أنه يجوز التوسل إلى الله بالعمل الصالح وكذا وهو موضوعنا أنهم فعلوا ذلك ابتغاء وجه الله بدون رياء ولاسمعة
الخطبة الثانية
الخطبة اسمها الرياء بين الظهور والخفاء - وقلنا أن النية والقلب مهم جدا في التفريق بين الرياء والإخلاص
يقول النبي ( إن الله يحب المؤمن التقى النقي الخفي ) مسلم
الأخفياء تابوا إلى الله فقاموا له ليلا سجدا وقياما
الأخفياء أنفقوا بأيمانهم واخفوا عن شمائلهم ما ينفقون
الأخفياء يسيرون ليلا يتحسسون كل فقير فيعطوه
رأى طلحة يوما عمر بن الخطاب يدخل بيتا ليلا فيغيب وقتا ثم يخرج متسللا - فسأل نفسه ما هذا الذي يفعله عمر
وفى اليوم التالي نهارا ذهب إلى البيت ودخل فوجد امرأة عجوز مقعدة عل كرسي فسألها ماذا يفعل الرجل الذي دخل ليلة أمس فقال إ نه رجل تقي خفي يأتيني كل ليلة يعد طعامي ويحلب لي شاتي ويقم بيتي ثم يسلم وينصرف فبكى طلحة وقال ويحك يا طلحه أعورات عمر تتبع
زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رحمه الله ورضي الله عن أبيه وجده وجدته الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما مات وجدوا على ظهره ساعة غسله خطوطا سوداء تبين أنها من حمله أجولة الدقيق على ظهره يذهب بها إلى بيوت الفقراء ليلا كي لايراه احد يقول خادمه احمل على فيقول له ومن يحمل عنى يوم القيامة
داود بن أبى هند صام أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ماعلم أحد بحاله - يصوم فيأخذ غذاءه ويتصدق به في الطريق فيظن آهل السوق أنه افطر في بيته وساعة المغرب يفطر مع أهله
حسن بن سنان من التابعين تقول زوجته كان يخادعني كما أخادع صبياني ينام بجواري على وسادتي حتى إذا علم أنني نمت يقوم فيصلى الليل كله فلما رأيته يوما قلت له لاتتعب نفسك ونم قليلا فقال اتركيني أوشك أن أنام نومه لا أقوم بعدها
المواردى ألف كتبه وتركها لصاحبه قائلا ساعة الموت ائتني فإن سلمت عليك وبسطت يدي فانشر كتبي وإن وجدتني قبضت يدي فلا تنشرها والق بها في نهر دجلة فهي ليست خالصة لوجه الله فلما جاءه الموت سلم عليه صاحبه فبسط يده فنشرها