من أمراض القلوب -3 ثلاث مهلكات
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
علمنا أن القلوب ثلاثة - قلب ميت وقلب سليم وقلب مريض
القلب المريض تتجاذبه مادتان مادة إلى توحيد ومادة إلى شرك مادة إلى سنة وأخرى إلى بدعة واليوم مع بعض من المهلكات وأمراض القلوب
قال النبي ( ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفارات وثلاث درجات )
وقال صلى الله عليه وسلم لأبى ثعلبة الخشنى (إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبع ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بنفسك )
ونبدأ بالشح المطاع فقد قال النبي (إياكم والشح فإنه اهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا )
والشح مهلكة فالشحيح حريص أن يجمع المال لا أن يدفع لذا فإن أصعب لحظة في حياته تلك التي يدفع فيها ولا يأخذ
جلس رجل عند النبي فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ماعندنا إلا الماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك فقال النبي من يضيفه يرحمه الله فقال أبو طلحة أنا يارسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شئ فقالت لا إلا قوت صبياني فقال علليهم بشئ ثم نوميهم فإذا أهوى بيده ليأكل قومي إلى السراج تصلحيه فأطفئيه ففعلت وقعدوا واكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على رسول الله فقال له رسول الله لقد عجب الله البارحة من صنيعكما لضيفيكما فنزل قوله تعالى ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاؤلئك هم المفلحون ) متفق عليه
الشح أمر الناس فقطعوا الرحم وبخلوا وكذبوا
في الماضي القريب ونحن صغار كنا نرى الأم تعد للغداء صنفا من الطعام لكن ساعة نجلس لنأكل نجد صنفين أو ثلاثة فنسأل فيقال جيراننا أهدوا إلينا مما عندهم ونحن بالطبع أرسلنا إليه مما عندنا
الشح أمر الناس فقطعوا أرحامهم وأغلقوا بيوتهم على أنفسهم وبات الجار الآن لايعلم شيئا عن جاره
والشح أمر الناس بكبيرة من الكبائر - ربما يموت الأخ ويترك أولادا صغارا فيشح على أولاد أخيه فلا ينفق عليهم ولا يهتم بهم بل والداهية أن الشح قد يدفعه إلى أن يأكل حقوقهم ومالهم وأرضهم
تذكرون حرب 67 19 ميلادية بعدها قامت الدولة بتهجير أهل السويس والإسماعيلية وبور سعيد إلى مدن الوجه البحري وبعض المدن الأخرى فسكنوا دور الشباب وبعض البيوت المؤجرة لهم وأذكر أننا كنا ننظر إليهم وهم قادمون ونقابلهم بالترحاب والتهليل ولما نزل الذين سيقيمون في قريتنا إلى مركز الشباب امسك شيخ جليل بناقل الصوت ( الميكرفون ) وقال أيها الأخوة إن كنتم انتم المهاجرون فنحن إن شاء الله الأنصار فصاح الواقفون الله اكبر وبكى البعض واحتضنت نساؤنا نساءهم ولعب أولادنا مع أولادهم وأسرع الجميع إلى بيوتهم ثم عادوا بعد قليل بملابس جديدة وبطاطين وجبن ولبن وخبز بل جاءت امرأة ( بحلة محشى ) قالت عملتها لإبنى وقد سافر إلى الجبهة دون أن يأكل صور من أروع ما يكون لا يمكن أن أنساها -لقد تركوا دورهم ومصالحهم ومدارسهم ولجأوا إلينا فخرجنا ندفع إليهم كل ما نستطيع نواسيهم عن ترك بلادهم وأرضهم التي نشأوا عليها
الحال الآن مبكى والشح هو الذي أوصل إلى هذا الحال
الناس هنا ينظرون إلى الأرمل والمطلقة على أنها ليس لها الحق في الزواج بل إذا تزوج بها احد أشاعوا عنها مقالات سوء وخاصة من الزوجة الأولى وأهلها وكأنه ليس للأرملة الحق في الزواج ولا المطلقة وتشح الواحدة بزوجها لاتريد أن يشاركها فيه احد واغلب نسائنا إلا من رحم الله ترفع شعار ( جنازته ولا جوازته )
ونحن صغار كنا نلعب في منطقتنا في الشارع الرئيسي وساعة الغداء كانت اى أم تخرج تنادى عل ابنها ليتغذى ( الغداء ) فترانا فتنادى علينا جميعا فندخل ونحيط بالطعام ونتخاطف أحيانا اللقمة ونقوم جميعا وقد شبعنا والله الذي لايحلف إلا به كنت أحيانا عندما أريد أن أأكل اخرج أنادى على بعض اصحابى وهكذا كنا وسبحان الله الناس الآن يغلقون على أنفسهم ولا يعرف الجار أحوال جاره
المهلكة الثانية هوى متبع والهوى هو مايهواه الإنسان والهوى لايذم كله فالذم عندما يتجاوز الحد أو يكون مخالفا لما جاء به الشرع قال تعالى ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث - ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) فكل ما سبق لو كان موجودا دون التجاوز ودون مخالفة الشرع فيما أمر ونهى فلا شئ فيه
أما الهوى المذموم فهو الذي يهوى بصاحبه - كما في قصص الحب في التمثيليات والمسرحيات والأفلام
وهو اى الهوى المذموم لايتمكن إلا من القلب الفارغ فيقول احدهم
أتاني هواها قبل أن اعرف الهوى فصادف قلبا فارغا فتمكنا
وانظر ماذا يفعل الهوى بصاحبه قال تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
فلم شبه الله صاحب الهوى بالكلب وسبحان الله جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وإنه سيخرج في امتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لايبقى فيه عرق ولا مفصل إلا دخله ) احمد
الكلب أكرمكم الله بعيدا عن الوفاء ففيه أشياء لايفعلها حيوان آخر فهو يشم الأرض بأنفه ويشم دبره وهو الحيوان الوحيد الذي يرجع في قيئه وإذا وجد جيفة تكفى مئات الكلاب فإنه يحارب الآخرين وينبح على كل كلب يريد أن يأكل منها وهكذا صاحب الهوى لايتوب مثل مرض الكلب في الأعراض – عضة الكلب تصل إلى جسده كله وتركز على عصب الإنسان وتظهر على بلعومه تقلصات فلا يشرب السوائل أبدا
فالكلب وكذا صاحب الهوى إن أمرته بمعروف لا يأتمر وإن نهيته عن منكر لا ينتهي بل يمكن أن يفتى بفتوى ثم يرجع عنها كالكلب يرجع في قيئه
اجعل هواك في رضا مولاك فيكون الهوى محمودا وإلا فهو مذموم ويصير إلها يأمر وينهى قال تعالى ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) وقال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم )
فالهوى عندما يتمكن من الإنسان فيصير إلها يأمر وينهى - أنا أحب ولدى ولاحرج فكلنا نحب أبناءنا لكن لو طلب منى ولدى أمرا أعصى فيه ربى وأطعته فكأنه هو ربى يأمر وينهى وكذلك الزوجة وكذلك المنصب أحبه لكن لو دفعني لأن اظلم وأبطش فكأنه رب يأمر وينهى
المهلكة الثالثة إعجاب كل إنسان بنفسه
فإن أول ما يفعله المعجب بنفسه أن يتكبر
يقال الناس يشكرون الله والمعجب بنفسه يشكر نفسه
الناس يثنون على الله والمعجب بنفسه يثنى على نفسه
الم يقل فرعون ( أنا ربكم الأعلى ) (مالكم من إله غيري ) ( وهذه الأنهار تجرى من تحتي )
وقال ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين )
المعجب بنفسه لا يقبل الحق من أي إنسان لأنه يظن أنه هو الحق ( إني أخاف أن يبدل دينكم و أن يظهر في الأرض الفساد ) غافر
إياك أن تكون معجبا بنفسك أو بمالك أو بمنصبك
فأنت أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وبينهما تحمل العذرة
فلماذا تتكبر يا من خرجت من مجرى البول مرتين من أبيك ثم من أمك
اذهب إلى المقابر بعد أسبوع من دفن ميت تعرفه ستشم رائحة لا يمكن أن تتحملها
بعض الناس يسلم ويسحب يده سريعا والبعض لا يمد يده للمصافح ليجعل المصافح هو الذي يمد يده كبر
تذكر يامن يعجبك منصبك وأنت يامن يعجبك ثراؤك فتتكبر على خلق الله اعلم أن الذي أعطاك قادر أن بسلب ما أعطى
الخطبة الثانية
إياك والشح وإياك والهوى المتبع وإياك والإعجاب بنفسك فإنها مهلكات ولا يمكن أن تصدر إلا من قلب مريض
وفى الحديث ( ودنيا مؤثرة ) أي مفضلة على الدنيا -
وهذا من أعظم أمراض القلب يؤثر الفانية على الباقية