من أمراض القلوب – 6 سوء الظن
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
يقول كنت طالبا في كلية من كليات القمة كما يقال وفوجئت يوما بالهاتف يرن في الشقة التي أقيم فيها فإذا هو أبى يطالبني بالعودة فورا إلى البلدة فقلت له ساعات وأكون عندكم إن شاء الله
وعدت قريتي ففوجئت بأن اعمامى في انتظاري فسلمت عليهم وجلست وكان الموضوع الهام الذي أرسلوا إلى بسببه هو أن اختى أساءت إلى سمعة العائلة فأمس رأوها واقفة مع شاب تحدثه ساعة غروب الشمس فقرروا التخلص منها وهذه مهمة أخيها أن يمسح عار العائلة ليكون رجلا فلما حاولت التهرب من هذه الفعلة الشنيعة وأنه عليهم أن يسألوها أولا ساعتها اسمعوني كلاما سيئا وسبا وشتما وقال أبى لا كلية بعد اليوم ولا ميراث إن لم افعل بل على أن أخرج من القرية ولا أعود
لا ادري ماذا حدث لي ما أذكره قولي لهم متى تريدون قتلها قالوا ماعليك إلا أن تجهز سكينا ونحن علينا كل الباقي وحسب الخطة خرجت أتمشى مع اختى تكلمني وأكلمها تذكرت كم بكت من أجلى عندما كان أبى يضربني وكثيرا ما كان يفعل وتذكرت أنها كانت تقتسم مصروفها معى فتعطيني نصفه
وصلنا إلى المكان فأشاروا إلى فأخرجت السكين وطعنتها ثلاث طعنات فسقطت مدرجة بدمائها
بعد أيام قبضت الشرطة على واودعونى السجن والمفاجأة المذهلة أن اختى بعد الكشف الطبي عليها وجدوها عذراء لم تفقد عذريتها وكانت ساعة الندم - وكان ذلك الخبر قاضيا على والدي الذي اشتد عليه المرض وصار يهذى قائلا جعلوني اقتل بنتي ويدخل ولدى السجن إنهم إخوان الشياطين دمروا حياتي إلى أن توفاه الله و المرض الذي سنتكلم عنه اليوم إذن هو مرض سوء الظن وهو من أمراض القلوب
بعد أن ذكرنا بعضا من أمراض القلب مثل - الحسد – أفات اللسان - والثلاث مهلكات – وذكرنا علامات مرض القلب وأسباب مرض القلب –وقسوة القلب – واليوم مع سوء الظن
أتى رجل إلى النبي فقال يارسول الله ولد لي غلام اسود ( كان ابيض اللون وكذا عائلته ) فقال هل لك من إبل قال نعم فقال النبي ما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق ( بياض وسواد فقط ) قال نعم فقال النبي فأنى ذلك قال الرجل لعله نزعه عرق قال النبي فلعل ابنك هذا نزعه عرق ) البخاري
واليوم بعد أكثر من ألف سنة قال العلم الحديث ذلك إن الإنسان يحمل جينات وراثية ربما تمتد إلى الجد السابع فإذا التقى مع زوجته ربما جاء الولد يحمل صفات الجد السابع أو الخامس وهكذا
عندنا عائلة الولد الأول أشقر الثاني اسود ( وليس اسمر ) والثالث أشقر والرابع اسود
سوء الظن يبدأ غالبا بالظن السيئ ثم التجسس على الناس ليثبت ولو لنفسه أن سوء ظنه بالآخرين صحيح ثم يغتاب الناس بناءا على سوء ظنه بهم وهذا مافهمه الطبري من قوله تعالى (يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن أثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ) الحجرات
مريض القلب بسوء الظن إذا اشترى احد سيارة ساء ظنه يقول من أين وهو موظف صغير وإذا بني جاره بيتا أساء الظن وقال من أين إنه لايملك إلا دخلا قليلا لابد أنه مرتشي
وكذا المرأة سيئة الظن إذا رأت من تغير مظهرها أساءت الظن بها
وإذا رأت غيرها تتكلم مع رجل أو شاب أساءت الظن وربما هو ولدها أو ابن أخيها أو ابن أختها
هي تقدم سوء الظن بمجرد أن ترى شيئا
وسوء الظن نوعان سوء ظن بالناس والأدهى وأشد هو سوء الظن بالله
نعم بعض الناس إذا رأى الأمة الإسلامية في فتنة أو ابتلاء فإنه يسئ الظن بالله - ويتساءل لم لاننتصر أليس الله بقادر أن يدفع عنا وهكذا وهذا اشر أنواع سوء الظن فقد يوصل صاحبه إلى الكفر والعياذ بالله
يقول احد سيئ الظن عن عثمان بن عفان رضي الله عنه - - لم يخرج في بدر – وهرب في احد – ولم يحضر بيعة العقبة
انظر إلى سوء الظن إلى أين يصل بصاحبه - عثمان بن عفان ذو النورين - زوج بنتي رسول الله ولم يصل لتلك الرتبة احد والذي انفق يوم تبوك ماجعل النبي يدعو له ويقول ماضر عثمان مافعل بعد اليوم
رد بن عمر رضي الله عنهما وكان جالسا فقال ياهذا أما بدر فقد كانت تحته بنت رسول الله مريضة فجلس يعالجها بإذن النبي وأما فراره يوم احد فقد فر الكثيرون وعفي الله عنهم ولم يعاتبهم (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما +بوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم ) آل عمران 155
أما بيعة العقبة فقد وضع كل منا يده اليمنى تحت يد رسول الله ثم أتى النبي بيده الأخرى فبايع بها قائلا وهذه بيعة عثمان - أيد رسول الله أم يد عثمان فسكت سئ الظن ولم ينطق
وسوء الظن يختلف عن الغيرة فالغيرة خلق محمود طيب ومن لا يغار فهو مثل الخنزير لكن إذا زادت الغيرة عن حدها صارت سوء ظن واتهام بدون دليل
قال احد العلماء لو أن كل واحد اشترى سجلا وفتح صفحة لحسنات صاحب من أصحابه والصفحة الأخرى لسيئاته لما وجد احدنا صاحبا يصاحبه
لذا فإن التغافل عن بعض أخطاء الآخرين من أخلاق المسلم
وانظر إلى الغيرة المحمودة فقد كان على يحب فاطمة ويغار عليها ويوما دخل بيته فوجدها تستاك بسواكه فقال:
حظيت ياعود الأراك بثغرها أما خفت ياعود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك وليس لي ياعود الأراك سواك
فالغيرة البسيطة المحمودة كما يقال في مصر هي ( بهارات ) البيت فلاطعم لبيت لايغار الرجل على أهله ولاهي تغار على زوجها
ونصل إلى سوء ظن من نوع آخر ألا وهو سوء ظن النساء لو أن إحداهن رأت زوجها يتحدث إلى امرأة خاصة إن كانت مطلقة أو أرملة فتظن أنها ستسرقه أو تخطفه وهذا سوء ظن
سوء الظن يفسد العلاقة بين الأب وولده
سوء الظن يفسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم
سوء الظن يفسد العلاقة بين الرئيس والمرؤوس
آنت راع في بيتك وربما تتخذ قرارا يغضب بعض الأولاد فعليك أن تعلن لهم لماذا اتخذت القرار وهكذا الحاكم عليه أن يبين لشعبه أسباب اتخاذ القرار حتى لايساء الظن به وبقراراته
فى غزوة حنين غنم النبي ستة ألاف رأس وأربعة وعشرين ألف من الإبل وأربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة
فبدأ النبي بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم فأعطى أبا سفيان وحكيم بن حزام والنضر بن الحارث والعلاء بن حارثة - العباس بن مرداس ولم يعطى الأنصار فقالوا لقي أهله فأعطاهم ووجدوا في أنفسهم فدخل سعد بن عبادة على النبي فأخبره فقال له النبي وأين أنت فقال يارسول الله فقال ما أنا إلا من قومي فقال اجمع قومك في هذه الحظيرة فلما اجتمعوا دخل عليهم فحمد الله واثني عليه ثم قال يامعشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم الم أأتكم ضلالا فهداكم الله بى وعالة فأغناكم الله بى وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال الا تجيبوني يامعشر الأنصار قالوا بم نجيبك يارسول الله ولله ولرسوله المن والفضل أما والله لو شئتم لقلتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فأسيناك أعطيتهم لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم فوالذى نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وواديا لسلكت شعب الأنصار وواديها الأنصار شعار والناس دثار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى خضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا
وسوء الظن كاد يفسد أعظم بيت على وجه الأرض
أمنا عائشة خرج سهمها في غزوة فخرجت مع رسول الله وكانت لم تحمل اللحم ففقدت عقدها فخرجت تبحث عنه في مكان وقوعه وجاء الناس الذين يحملون الهودج فحملوه ووضعوه على الجمل فلما وجدت العقد رجعت مكانها فرأتهم قد غادروا فجلست مكانها على اعتقاد أنهم سيفتقدونها وسيرجعون وكان صفوان بن المعطل في الساقة فرآها فاسترجع ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وأناخ البعير فركبت وسار بها وهنا ظهر النفاق وسوء الظن كأعظم مايكون فأشاعوا الفتنة والبهتان بين الناس
أبو أيوب الأنصاري قالت له زوجته أسمعت ما يقال عن عائشة فقال هل تفعلين ما يقال عنها قال حاشا فقال إذن كيف تفعل هي وهى أشرف منكى قالت نعم يا أبا أيوب هي أفضل منى حاشا أن تفعل هذا
وبعد أيام علمت أمنا عائشة بما يقال لما خرجت مع أم مسطح للخلاء وقالت أم مسطح تعس مسطح فقالت عائشة بئس ما قلتى لقد شهد بدرا - انظر إلى حسن النية - والقصة معروفة
الخطبة الثانية
ما العلاج أولا معرفة الله عز وجل حق المعرفة - ساعتها سيتعلم ألا يأخذ الناس بالظن السيئ وليتأنى فيعلم كم هو حليم سبحانه
ثانيا ألا يتعجل في الحكم على الناس وليلتمس للناس الأعذار فالكريم يلتمس المعاذير والفاجر يلتمس السقطات
وليحسن الظن بالناس ليرتاح قلبه وإلا فهو في حياة هم وغم لاراحة فيها
إليكم هذا الحديث المختلف في تصحيحه وأرى أن يروى فالضعف ليس شديدا وليس فيه حكم شرعي وفوق كل ذلك هو في الترغيب
يقول انس كنا في المسجد عند رسول الله فقال النبي يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه وقد علق نعليه بيده فسلم على النبي وجلس ولما كان اليوم التالي قال النبي يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة فدخل ذلك الرجل تنطف لحيته معلقا نعليه في يده فسلم وجلس وفى اليوم الثالث مثل ذلك فقال عبد الله بن عمرو في نفسه والله لاختبرن عمل ذلك الإنسان فعسى أن أوفق لعمل مثل عمله فأنال هذا الفضل العظيم فأتاه وقال ياعم إني لاحيت أبى ( خاصمته ) فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك فأذن الرجل له فبات عنده بن عمرو يقول والله مارأيت كثير صلاة ولا قراءة ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله فإذا أذن الصبح قام فصلى فقلت له ياعم والله ما بيني وبين أبى من خصومة ولكن رسول الله ذكرك في أيام ثلاثة أنك من اصطحاب الجنة فما رأيت عليك مزيد عمل فقال هو ما رأيت يابن آخى فلما انصرفت دعاني وقال غير أنى أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا حسد لأحد من المسلمين على خير ساقه الله إليه فقال عبد الله بن عمرو هذه التي بلغت بك مابلغت وتلك التي نعجز عنها )
هذا هو اقصر طريق للعلاج آخى في الله يامن تعانى من سوء الظن
وا دعو الله قائلا ( اللهم اهدنى لأحسن الأخلاق لايهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت )