الرسول يبكى
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
أحزان قلبي لاتزول حتى أبشر بالقبول
واخذ كتابي باليمين وتسر عيني بالرسول
يقول العلماء إذا احسست برغبة في البكاء فلا تحبس دموعك فإن كثيرا من الآلام والأحزان والغضب تسيل مع الدموع فالدموع تزيل المواد الضارة بالجسم ويقوم المخ بفرز مواد كيمائية للدموع مسكنة للألم
ويزيد عدد ضربات القلب عند البكاء فهو تمرين مفيد للقلب والحجاب الحاجز وعضلات الصدر لذا يحس الذي يبكى بعد الانتهاء من البكاء براحة نفسية وجسدية ومن لا يبكى يحس بالتوتر والضغط ويؤدى إلى الإصابة بالصداع والقرحة فكتم البكاء يعرض الإنسان للأزمات القلبية والبكاء اخوتى دليل على صدق الإحساس ويقظة القلب وليس دليلا على الضعف كما يظن البعض
وليقظة قلبه وصدق إحساسه صلى الله عليه وسلم كاد يهلك نفسه حزنا على من لم يؤمن يقول رب العزة فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6
وقال عز وجل ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) الشعراء 3
وقال عز وجل ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) فاطر 8
يامحمد هل ستقتل نفسك حزنا وغما عليهم - لانحزن فما عليك إلا البلاغ - الحسرة هي شدة الحزن
باخع نفسك يعنى مهلكها – فقد كان صلى الله عليه وسلم يحزن كلما مات إنسان على الكفر وقصة وفاة أبى طالب خير شاهد على ذلك
الناظر إلى بكاء النبي يجد انه بكى لأمته وبكى لفراق حبيب أو قريب
فال النبي لابن مسعود إقرأ القران فقال اقرأه عليك وعليك انزل فقال أحب أن اسمعه من غيري فقرأ بن مسعود من النساء حتى بلغ ( فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) النساء
فقال النبي حسبك فرفعت عيني فوجدت النبي يبكى ) متفق عليه
يوم بدر يقول على بن أبى طالب ماكان فينا فارس إلا رسول الله تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح ) احمد بسند صحيح
يقول اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم اتنى ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) مسلم
وسقط رداؤه من منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يانبى الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك
وبكى خوفا على أمته يوم قرأ قول إبراهيم ( رب إنهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) إبراهيم 36
وقول عيسى عن قومه (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) المائدة 118
فرفع الرسول يديه قائلا اللهم أمتي أمتي فنزل جبريل يقول يا محمد يقول ربك ما يبكيك وهو أعلم قال ياجبريل امتى امتى فقال الله ياجبريل اذهب إلى محمد وقل له سنرضيك فى أمتك ولا نسوؤك ) مسلم
معركة مؤتة عجيبة بكل المقاييس ثلاثة ألاف ضد مائتي ألف - فقد أرسل الرسول إلى ملك الروم لكن السفير قتلوه في الطريق وهذا إعلان للحرب فهيأ الرسول الجيش والأمير هو زيد بن حارثة وقال إن أصيب فجعفر وان أصيب فعبد الله بن رواحه ) البخاري
فوجئ الجيش بمائتي ألف من مشركى العرب ومن الروم فجلسوا يتشاورون هل ننسحب ام نخبر رسول الله ام نقاتل فقال بن رواحه إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون - الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا عدة لكن بهذا الدين الذى أكرمنا الله به إما النصر وإما الشهادة وبدأت معركة بكل المقاييس خاسرة ونعود إلى المدينة المنورة نجد النبي جالسا بين أصحابه يقول لهم ( وهذا من أعلام النبوة ) بين المدينة ومؤتة مئات الكيلو مترات يقول النبي حمل الراية زيد فأصيب ثم أخذ الراية جعفر فأصيب ثم أخذ الراية بن رواحه فأصيب ثم اخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم ) البخاري
وأرسل لعينيه الدموع فأول الشهداء زيد حب رسول الله الذي كان يعامله كولده تماما ثم جعفر بن أبى طالب الذي كان يشبه النبي خلقا وخلقا حتى أن جعفر رجع بعد فتح خيبر من الهجرة فقال النبي ( لا أدرى بأيهما افرح بنصر خيبر أم بقدوم جعفر ) ثم قام عليه الصلاة والسلام إلى بيت جعفر وقال أين أولاد جعفر فلما رآهم قبلهم وذرفت عيناه فقالت بابى أنت وامى هل بلغك عن جعفر شئ فقال نعم أصيبوا فقامت تصرخ وخرج النبي ودخل عند أمهات المؤمنين قائلا اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم - ليتنا نعمل بهذه الوصية النبوية ألا نترك أهل الميت مع ما هم فيه من الحزن نتركهم يعدون الطعام بل نعده نحن لأهل المتوفى فكفى ما هم فيه
إذا كاد النبي يهلك نفسه في الدعوة وبكى عليه الصلاة والسلام من أجل أمته وبكى على من مات قريبا له
أرسلت ابنة له أن ائتنا فولدها يجود بنفسه فأرسل إليها ( إن لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شئ عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب ) فأرسلت إليه تقسم عليه أن يحضر فلما ذهب إليها وضعوا الطفل في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عينا النبي فسألوه فقال إنما هي رحمة ثم قال إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) متفق عليه
تقعقع - تتحرك وتضطرب
والرجل اخوتى في الله تكون سعادته لا توصف عندما يرزق الولد على الكبر فيكاد قلبه يخرج عندما يحدث مكروه ولو صغير لطفله وهذا ما حدث مع رسول الله فهو أب نعم نبي لكن إحساس الأبوة داخله فلما رزق بإبراهيم سعد سعادة هائلة وبعد اقل من سنتين قيل له ولدك يحتضر فأسرع صلى الله عليه وسلم وخلفه بعض الصحابة حتى وصل إلى مكان ولده فالتقطه بين زراعيه وأدرك أن ولده يحتضر فتساقطت دموعه على وجنتيه ثم على جسد ولده وقال الرسول الكريم ( إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون غير أننا لا نقول إلا ما يرضى ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون )
إذا مات ولد العبد يقول الله لملك الموت قبضتم ولد عبدي ؟ وهو أعلم يقولون نعم يقول قبضتم ثمرة فؤاده فماذا قال عبدي قالوا حمدك واسترجع قال ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد
ولما اقبل من غزوة تبوك واعتمر هبط بثنية عسفان ثم ذهب فى طريق وحده فنزل على قبر أمه فناجاه طويلا وبكى واشتد بكاؤه فبكى الصحابة لبكائه وسألوه ما أبكاك يارسول الله لقد أبكيتنا فقال هذا قبر امى اخذنى ما يأخذ الابن مع أمه قال النبي ( من مات له ولد فصبر واحتسب الأجر قيل له ادخل الجنة بفضل ما أخذنا منك )
وقال الصادق المصدوق ( ما من مؤمنين يموت لهما ثلاثة إلا أدخلهم الله الجنة فيقول لهم ادخلوا الجنة فيقولون واباؤنا فيقال لهم في الثالثة وآباؤكم )
إخوتي في الله إذا كانت دموعك صعبه وعزيزة لا تدمع فتباكى - اصطنع البكاء - هل هذا مذموم لا فقط مذموم لو كان رياءا أما لو كان البكاء لاستحضار الخشية فلا شئ فيه www.attef.org
لما رأى عمر رسول الله يبكى وكذا أبو بكر في شأن أسرى بدر قال لهما اخبروني ماذا يبكيكما فإن وجدت بكاءا بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ) مسند احمد
الخطبة الثانية
ذكر النبي في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) متفق عليه
خاف من ذنوبه ومخالفاته وما اقترفه من معاصي وذنوب
النبي كان في صدره أزيز كأزيز المرجل ( مثل غليان القدر على النار )
وكان ابو بكر إذا قرأ القران يبكى فلا يسمعه من خلفه
وقرأ يوما عمر بن الخطاب قوله تعالى (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) يوسف
فظل يبكى حتى سمع كل المصلين بكاءه ونشيجه
يقول بن عمر لأن ادمع من خشية الله أحب إلى من أن أتصدق بألف دينار
أسباب قسوة القلب - كثرة الضحك - كثرة الذنوب – كثرة الأكل -
يقول بن القيم إذا رأيت نفسك تهرب من الأنس به إلى الأنس بالخلق ومن الخلوة به إلى الخلوة مع الأغيار فاعلم أنك لا تصله له
تميم الداري قرأ يوما ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات ) فظل يرددها حتى أصبح
وقرئ على أمنا عائشة قوله تعالى ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) فقالت اللهم من علينا وقنا عذاب السموم وهى تبكى وقالت للقارئ حسبك
آخى في الله تريد أن تبكى اخشع لله واذهب إلى القبور والى المستشفيات في قبر عائلتك وأنت واقف أمامه تذكر أن في القبر أباك وأمك وخالك وعمك وجدك وجدتك وولدك وغدا لا محالة أنت معهم
في أقسام المستشفى ترى من لا يقوم ومن لا يتحرك ومن لا يرفع رأسه ومن لا يتكلم ومريض بالبطن وغيره بالقلب وغيره بالكبد وهذا بالكلى
سيلين قلبك وتبكى واعلم أن الحجارة تخشع وتخضع ( لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله )
اللهم إنا نعوذ بك من فلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يستجاب له