آه من ليلة صباحها القبر
الشيخ عاطف شمس
بسم الله الرحمن الرحيم
-بعد المقدمة:
صعد عمر بن عبد العزيز المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وإن لكم ميعادا يحكم الله بينكم فيه فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التى وسعت كل شئ وحرم الجنة التى عرضها السماوات والأرض واعلموا أن الأمان غدا لمن خاف الله اليوم وباع قليلا بكثير وفائتا بباق إنكم كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله ثم تغيبونه فى صدع الأرض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وباشر التراب.
والله إنى لأكثركم ذنوبا لكنها التذكرة واستغفر الله لى ولكم ولم يصعد المنبر بعدها فقد كانت أخر خطبه له رحمه الله.
نعم أخواتى فى الله كل يوم نشيع ميتا وندعه فى القبر ثم نرجع إلى بيوتنا وأهلنا
السؤال هو .. هل فكرت فى أول ليلة تبيتها فى القبر؟ لكننا غافلون عن التذكر – عن التفكر فى تلك الليلة.
يا غافلا عن نفسه أمرك عجيب
يا قتيل الهــوى داؤك غريب
يا طويل الأمــل ستدعى فتجيب
وهذا عن قريـب وكل آت قريب
هلا تذكرت لحدك كيف تبيت وحدك
ويباشر الثرى خدك وتقتسم الديدان جلدك
ويضحك المحب بعدك ناسيا عنه بعدك
أول ليلة فى القبر بكى منها العلماء وشكى منها الحكماء وصنفت فيها المصنفات
المسافر يجهز لسفره وأنت عليك أن تجهز لسفرك. البعض يضع فى حقيبة سفره نظرات – خطرات – سيئات – ذنوب – معاصى، البعض يضع تكبيرات – تسبيحات – صلوات – صيام - +اة. ماذا فى حقيبة سفرك؟
الأولى (كلا إذا بلغت التراقى وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق) بلغت الروح إلى التراقى وقيل من الذى يرقى بروحه إلى أعلى أو من ذا الذى يستطيع أن يرقيه ويشفيه لا أحد اطلبوا له الأطباء والمعالجين والتفت الساق بالساق آخر يوم فى الدنيا دخل مع أول يوم فى الآخرة. ساعتها يحاسب نفسه يتمنى انه كان يكثر من الخيرات يقلل من السيئات تعرض عليه فجراته – سوءاته
(فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون - ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون - فلولا إن كنتم غير مدينين – ترجعونها إن كنتم صادقين). وأنتم حينئذ تنظرون خطاب لكل الحاضرين ساعة الموت. الموت أشد من ضربة بالسيف - المضروب يصيح بكل جوارحه لكنه لا يستطيع حتى أن يتكلم يتوجع ينقطع صوته من شدة الألم - ضعفت كل جوارحه الملائكة تجذب الروح من جميع العروق - يموت كل عضو تدريجيا - تبرد قدماه - تبرد ساقاه - ثم فخذاه حتى تبلغ الحلقوم هنا يغلق باب التوبة. هذه هى الساعة التى يوقن فيها الفاجر يؤمن فيه الكافر.
فآه من ليلة صباحها القبر
يا شيخا كبيرا أحدودب ظهره - دنا أجله - هل أعددت لأول ليلة فى القبر؟
يا شابا غره شبابه وطول أمله – هل أعددت لليلة القبر ؟
يقول تعالى (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب إرجعون لعلى أعمل صالحا فيها تركت - كلا إنها كلمه هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) المؤمنون 99-100.
قال رب الآن تذكر أن له ربا. لا يعلم أيصير إلى جنة وروضة من رياض الجنة أم إلى حفرة من حفر النار. يتذكر الأغانى التى كان يحفظها – المسلسلات التى كان يتابعها ولا يتركها أبدا. المباريات ومن ذا الذى سيفوز بالدورى والكأس. يتذكر عقوق والديه - يتذكر أكله للربا.
يقف الإنسان على آخر أعتاب الدنيا فينظر إلى الأصحاب والأحباب وينظر إلى الأبناء والأخوات والإخوة - كانت الدنيا كلها طيف من خيال.
آه ثم آه من ليلة صباحها القبر
ساعة الموت ينظر إلى أولاده الصغار من سيعولهم من يرحم ضعفهم من يجبر +رهم فيحزن. ينظر إلى عظيم ذنوبه تفريطه فى جنب الله يتذكر الساعات والليالى التى قضاها فى فساد وذنوب هل سيغفر الله له أم سيفضح بين الخلائق؟
يهرع أولاده وأحبابه إليه – يحضرونه الكفن – التجهيز ربما يرى ويسمع أولاده يسبونه فقد كان بخيلا ربما يرى زوجته تفتح دولابه لتخرج المال الذى قضى عمره يجمعه - يأتونه بالكفن يضعونه على الخشبة للغسل - يجردونه من ملابسه - يقلبونه يمينا وشمالا لا يستطيع أن ينطق يضعون عليه الأربطة بعد الكفن - يحملونه - يخرج من داره يغادرها بلا عوده.
ويحملونه على أكتافهم - تبكى زوجته يبكى أولاده – أقرباؤه - يسمع صوتهم واالحسرة أنه لا يستطيع أن يرد عليهم أو حتى يوصيهم ماذا يفعلون فى المال والأرض والعقارات -
جاءه الموت بغتة فلم يترك له فرصة لو خلى بينه وبين الكلام لقال إياكم وس وسوف أكثر صياح أهل النار من س وسوف
فآه ثم آه من ليلة صباحها القبر
يسيرون به إلى المقابر لو كان صالحا لقال قدمونى قدمونى وإن كان غير صالحا لقال يا ويلها أين تذهبون. هاهم يصلون إلى المقابر ينزلونه القبر يضعون تحت رأسه التراب يفكون الأربطة يخرجون - المكان ضيق خانق – مظلم - يغلقون الباب وراءهم يبقى وحده يسمع قرع نعالهم وهم ينصرفون - القبر له ضمة.
يأتياه الملكان فيقعدانه ويجلسانه ويسألانه من ربك ما دينك من الرجل الذى جاء فيكم فيقول الله ربى - ومحمد نبى - الإسلام دينى، إن كان رجلا صالحا. وإن كان فاسقا كافرا يقول هاه لا أدرى فيضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين) البخارى.
آه ثم آه من ليلة صباحها القبر
الخطبة الثانية
أين من عاشرناه كثيرا وألفنـــا
أين من ملنا إليه بالوداد وانعطفنــا
أين من ذكرناه بالمحاسن ووصفنا
ما نعرفهم لــو عنهم كشفنـــا
ما ينطقون ولو سألناهم والحفنا
وسنصير كما صاروا فليتنا انصفنـا
كم أغمضنا أحبابنا على كره جفنا
كم ذكرتنا مصارع من فنى بمن يفنى
كم من عزيز أحببناه دفناه وانصرفنا
كم من مؤانس اضجعناه فى اللحد وما وقفنا
ما لنا نتحقق الحق فإذا أيقنا صدفنا
أما التراب مصيرنا فلماذا منه أنفنا
الام تغرنا السلامة وكأنه قد سلمنا
أين حبيبنا الذى كان وانتقل أما غمسة التلف فى بحره ومقل
أين الكثير المال الطويل الأمد أما خلا فى قبره وحده والعمل
أين من تنعم فى داره أما فى قبره قد نزل
فكأنه فى الدار ما كان وفى اللحد لم يزل
فآه ثم آه من ليلة صباحها القبر