فضل الحج والعمرة (2 ـ 2)
الشيخ عادل المرزوقي
ها هي قوافلُ الحجيج ما زالت تفد إلى البيت العتيق، وسيأتي عليها حين ستسيل بجموع الحجيج، حتى تضيق بهم فِجاجُ مكَّةَ، وتمتلئ بهم جنباتُها، إنه بيتُ اللهِ الحرامُ، ملتقى الرسالات ومهبط الوحي، أول بيتٍ وُضِعَ للناس، إنَّه البيتُ الأوحد الذي تتأمله النواظرُ فلا يزيدُها النظر إلاّ شوقاً إليه ومهابةً وتعظيماً له.
فها هم حُجّاجُ الله لا يقضون منه وَطَراً إلاَّ ويثوبون إليه زماناً بعد زمان، في مشهدٍ عظيم يتكررُ كلَّ عامٍ، ومن لم يَثُبْ إليه فلا يلبثُ أنْ يعاوِدَهُ الشوقُ والحنين إليه، فسبحانَ مَنْ شَرَّفَهُ وأعظَمَ حُرمتَه، وقذف في قلوب عبادِه مهابتَه، وجعله مهوى للأفئدة، فيالله ما أعجبَ مشهدَ هذه القوافل المتزاحمة وهي تتقاطرُ من آفاقٍ شتَّى، بأجناسٍ شتى وألسنةٍ مختلفةٍ، تستقصِرُ بُعدَ الشُّقَّةِ، وتستعذب ما تلاقي في ذلك من مشقَّة.
ويشاء الله بحكمته البالغة أن يكون الحج إلى وادٍ غيرِ ذي زرعٍ حتى يكونَ القصدُ خالصاً للبيت العتيق، إنَّها دعوةُ أبينا إبراهيمَ الطيبةُ المباركةُ، (ربنا إني أسكنتُ مِنْ ذُريَّتي بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ عند بيتِك المحرَّمِ ربنا ليُقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)، فتستجاب الدعوة.
وتقر عين الداعي (وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، (وأذِّنْ في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق). إن الحج إلى بيت الله الحرام من أعظم الطاعات، ومن الواجبات والمحتمات على من استطاع الوصول إليه سبيلا، فمن فضائل الحج والعمرة أيضا:
1 ـ الحج يهدم ما كان قبله: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط، فقبضت يدي. فقال: (مالك يا عمرو؟) قلت: أشترط. قال: (تشترط ماذا؟) قلت: أن يغفر لي. قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟) رواه مسلم.
2 ـ الحج طهارة من الذنوب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) لفظ البخاري.
ولفظ مسلم: (من أتى هذا البيت)، وهو يشمل العمرة، وعند الدار قطني: (من حج واعتمر) والرفث: الجماع، أو التصريح بذكر الجماع أو الفحش من القول. والفسوق: المعاصي. ومعنى: «كيوم ولد ته أمه «أي بلا ذنب. قال ابن حجر: وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات.
3 ـ الحج أفضل الجهاد: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور) متفق عليه. والحج جهاد المرأة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله ! ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: (لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور) قالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة) رواه النسائي.
4 ـ دعوة الحاج مستجابة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله: دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه وابن حبان.
5 ـ الحاج في ذمة الله وحفظه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيا في سبيل الله، ورجل خرج حاجا). رواه أبو نعيم.
6 ـ فضل العمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة وهو يصادف موسم الحج: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله ـ عز وجل ـ من هذه الأيام) يعني العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري.
7 ـ الطواف بالكعبة كعتق رقبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من طاف بالبيت وصلى ركعتين، كان كعتق رقبة) رواه ابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما رفع رجل قدما ولا وضعها، إلا كتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات) رواه أحمد.
8ـ فضل رمي الجمار: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رميت الجمار، كان لك نورا يوم القيامة) رواه البزار.
9ـ فضل المحلقين في الحج والعمرة والتحليق أفضل من التقصير: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر للمحلقين) قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال: (اللهم اغفر للمحلقين) قالوا:يارسول الله والمقصرين، قال: (اللهم اغفر للمحلقين) قالوا يا رسول الله وللمقصرين، قال: (وللمقصرين) رواه البخاري ومسلم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (وأما حلاقة رأسك، فلك بكل شعرة حلقتها حسنة، وتمحى عنك بها خطيئة) حسنه الألباني في الترغيب
10ـ من أجمع الأحاديث في بيان فضل الحج والعمرة ما رواه الطبراني بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك، يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة.
وأما وقوفك بعرفة، إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج ـ أي متراكم ـ أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك. وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك. وأما حلقك رأسك، فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة. فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك). وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.