المحافظة على الصلاة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده رحمةً بهم وإحسانا وجعلها صلة بينه وبينهم ليزدادوا بذلك إيماناً وكررها كل يوم حتى لا يحصل الجفاء ويسرها عليهم حتى لا يحصل لهم التعب والعنى وعدل لهم ثوابها فكانت بالفعل خمساً وبالثواب خمسين وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له إلهنا وخالقنا ومولانا وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخشى الناس لله سراً وإعلانا جعل الله تعالى غرة عينه في الصلاة فنعم الصلاة عملاً لمن أراد به من ربه فضلاً ورضوانا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلم تسليماً..
أما بعد
أيها الناس أتقوا الله تعالى وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن الصلاة عمود دينكم وقوامه فلا دين لمن صلاة له لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة إقامة الصلاة إيمانٌ وتركها كفر من حافظ عليها كانت له نوراً في قلبه ونوراً في وجهه ونوراً في قبره ونوراً في حشره وكانت له يوم القيامة نجاة وحشر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا نجاةٌ يوم القيامة وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف أيها المسلمون كيف تضيعون الصلاة وهي الصلة بينكم وبين ربكم إذا لم يكن بينكم وبين ربكم صلةٌ فأين العبودية لله أين المحبة لله أين الخضوع لله في قوم لا يحافظون على صلاتهم؟ لقد خاب وخسر قومٌ إذا سمعوا داعي الدنيا وزهرتها لبوا له سراعاً وإذا سمعوا منادي الله يدعو حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح تثاقلوا عن ذلك وولوا دباراً أيها المسلمون اعلموا أن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله يا أمة محمد إنكم تؤمنون بأن الله فرض عليكم الصلاة وإنما من آمن بشيءٍ فلا بد أن يقيمه ليبرأ من عهدته وينال أجره ومثوبته فأقيموا صلاتكم ما دمتم في زمن المهلة تعرّفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة فإن من ينسي الله نسيه الله ومن أضاع أمر الله أضاعه الله يا أمة محمد إنكم ستموتون ثم تبعثون وتنبئون بما عملتم إنكم إذا متم سيتمنى كل واحدٍ منكم أن له زيادة في حسناته ونقصاً من سيئاته ولكن ذلك لا يمكن لأن الإنسان إذا مات أنقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له يا أمة محمد إن هذا لهو حق اليقين فمن منكم عنده أمانٌ من الموت حتى يتوب ويصلي؟ أليس كل واحد منكم يخشى الموت ولا يدري متى يأتيه؟ لا يدري أن يصبّحه أم يمسيه ألم يكن الموت يأخذ الناس بغتة وهم لا يشعرون أم هجم على أناسٍ وهم في ديناهم غافلون أما بغت أناساً خرجوا من بيوتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون فمن منكم أعطي أماناً أن لا تكون حاله كحال هؤلاء؟ إن الإنسان إذا لبس ثوبه إنه يزر إزرارة ولا يدري هل هو الذي يفكها هذا الأزرار أم الذي يفكه من يغسله على نعشه أيها المسلمون وماذا بعد الموت الذي لا تدرون متى يفجأكم إنه ليس بعده عملٌ ولا استعفاف ليس بعده سوى الجزاء على العمل فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره أيها المسلمون المؤمنون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه من ربه إن مما أوجب الله عليكم في صلاتكم أن تؤدوها في المساجد في جماعة المسلمين اسمعوا قول الله عز وجل )وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43) وأسمعوا قول الله عز وجل لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم يأمره وهو في حال الجهاد )وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ )(النساء: من الآية102) إلى أن قال ) فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ )(النساء: من الآية102) إذا كان الله أمر بالجماعة في حال الجهاد والقتال فما بالك في حال الأمن والرخاء إن الصلاة مع الجماعة واجبة لا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى به فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنة ورفعه بها درجة وحط عنه بها سيئة إنها صلاة القيام حسنة ورفع درجة وحط سيئة قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه في بقية كلامة ولقد رأيتنا لقد رأيتنا يعني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف يؤتى به يهادى بين الرجلين يعني يمشي به رجلان إما لمرضٍ أو كبرٍ أو غير ذلك يؤتى به يهادى بين الرجل حتى يقام في الصف هكذا حال الصحابة رضي الله عنه وإنا لنا فيهم أسوةٌ حسنة لأنهم خير القرون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني) أيها المسلمون إن الصلاة مع الجماعة في المساجد من واجبات صلاتكم ومن إقامتها والمحافظة عليها المصلي مع الجماعة قائمٌ بما فرض الله عليه والمتخلف عن الجماعة بلا عذر عاصٍ لربه مخاطرٌ بصلاته لأن من علماء المسلمين من يقول إن من ترك الصلاة مع الجماعة بلا عذرٍ فصلاته باطلة قال ذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله وقاله الإمام أحمد رحمه الله في روايةٍ عنه أن يصلي مع الجماعة كيسٌ حازمٌ حائزٌ للغنيمة فإن الصلاة مع الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة والمتخلف عن الجماعة بلا عذر كسولٌ مهملٌ محروم تشبه حاله حال المنافقين الذين قال الله فيهم ) وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى)(النساء: من الآية142) وقال فيهم نبيهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) قال النبي صلى الله عليه وسلم (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا والذي نفس محمدٍ بيده لو يجد أحدهم عرقاً ثميناً أو جرماتين حسنتين لشهد العشاء) فأقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو البار الصادق بلا قسم لأن الواحد من هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجماعة لو وجد شيئاً زهيداً من الدنيا لحضر الصلاة وإن كثيراً المتخلفين عن الجماعة اليوم لو كان لهم شغلٌ من الدنيا وقت طلوع الفجر مثلاً لوجدته حريصاً عليه حاضراً في وقته الصلاة مع الجماعة نشاطٌ وطمأنينة والتخلف عن الجماعة +لٌ وإسراعٌ بها غالباً بدون طمأنينة ينقرها المصلي نقر الغراب وربما أخرها عن وقتها صلاة الجماعة تجلب المودة والألفة وتنير المكاتب بذكر الله وتظهر بها شعائر الإسلام في المساجد في صلاة الجماعة تعليم الجاهل وتذكير الغافل ومصالح كثيرة أرأيتم لو لم تكن الجماعة مشروعة وحاشا لله أن يكون ذلك فماذا تكون حال المسلمين أمةٌ متفرقة مساجد مغلقة لا مظهر جماعي في دينهم ومن أجل ذلك كان من حكمة الله ورحمته أن أوجبها على المسلمين فاشكروا أيها المسلمون على هذه النعمة وقوموا بهذا الواجب واستحيوا من ربكم أن يفقدكم حيث أمركم واحذروا عقابه ونغمته أن يجدكم حيث نهاكم أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته وجمعنا في هذه الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته وهدانا صراطه المستقيم وجنبنا أصحاب الجحيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلم تسليما.
أما بعد
أيها المسلمون إننا إذا نظرنا إلى صلاة الجماعة فلننظر إليها من زاوتين الزاوية الأولى في العقوبة على تاركها والزاوية الثانية في الأجر لمن قام بها أما الزاوية الاولى فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجالٍ معهم حزمٌ من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار) هم النبي عليه الصلاة والسلام وهو أرحم الخلق بالخلق هم أن يحرق على هؤلاء بيوتهم بالنار لأنهم تخلفوا عن الصلاة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الرجل الذي يؤم الناس ولا يمكن أن يهم النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه العقوبة على ترك أمرٍ يخيّر الإنسان فيه بين الفعل والترك لا يمكن أن يهم بهذه العقوبة إلا وقد ترك الإنسان أمراً واجباً عليه أستحق أن يعاقب بمثل هذه العقوبة بل أستحق أن يهم النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبته بهذه العقوبة أما الزاوية الثانية فالأجر الكثير لمن قام بصلاة الجماعة فإن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة الواحد يكون سبعاً وعشرين والعشرة مائتين وسبعين والمائة ألفين وسبعمائة لو أن الواحد منا وجد ربحاً يكون فيه العشرة خمسة عشرة فقط لتكبد الأسفار والمشاق لينال هذا الربح مع أن ربح الدنيا مهما كثر وعظم فإن الإنسان ذاهبٌ وتاركه وراءه إن بقي المال حتى يموت هذا الذي أكتسبه وربما يسلب المال منه في حياته فيصبح فقيراً بعد الغنى وذليلاً بعد العز وكل هذا أيها المسلمون نشاهده بأعيننا نرى الناس يموتون ويتركون المال الكثير خلفهم ليرثه من يرثه من غيرهم ونرى كثيراً من الناس يهوزون بعد الغنى فيصبحون فقراء تحل لهم الزكاة بعد أن كانوا أغنياء يؤدون ال+اة إذن فلا خير في مال نفضله على ثواب الآخرة وإننا نجد بعض الناس يتكاسل عن الصلاة مع الجماعة من أجل درهمٍ يحصله +باً في المائة درهمٌ واحدٌ في المائة ويضيع سبعةً وعشرين في الواحد وهذا لا شك من سفه الإنسان ومن غرور الشيطان له فاتقوا الله عباد الله وقوموا بصلاة الجماعة على الوجه الأكمل وإن من واجبات الجماعة أن يكون الإنسان متابعاً لإمامه لا سابقاً له ولا موافقاً له ولا متخلفاً عنه فإن للمأموم مع الإمام أربعة حالات إما أن يسبقه وإما أن يوافقه وإما أن يتأخر عنه وإما أن يتابعه فالمتابعة هي المشروعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليأتم به فلا تختلفوا عليه فإذ كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) تصور كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المتابعة التامة لا تقدم ولا تأخر ولا موافقة إذا كبر فكبروا إذا ركع فاركعوا إذا سجد فاسجدوا إذا صلى قائماً فصلوا قياما إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً حتى لو كان الإمام مريضاً لا يستطيع القيام فصلى قاعداً والذين خلفه أصحاء يستطيعون القيام فإننا نقول لهم صلوا قعودا ولو كنتم قادرين على القيام كل ذلك من أجل إتباع الإمام إذن فلنكن متبعين لإمامنا لا نتخلف عنهم ولا نسبقه ولا نوافقه امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمارٍ أو يجعل صورته صورة حمار) فيا أيها المسلمون لا تسابقوا إمامكم فإنكم لن تخرجوا من الصلاة قبل الإمام وحينئذ لا فائدة من المسابقة وإذا وجدتم الإمام راكعاً فامشوا إلى الصف في سكينة ووقار لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فمن أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) لا تفعلوا كما يفعل بعض الناس يسرعون ويركضون إذا رأوا الإمام راكعاً وربما يخبطون بأرجلهم وربما يقولون اصبروا إن الله مع الصابرين كل هذا لا أصل له بل الذي ينبغي لك أن تأتي بسكينة إلا أن بعض أهل العلم قالوا إذا خاف أن تفوته الركعة فلا بأس أن يسرع سرعةً غير قبيحة وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجعلنا ممن يستمعون القول فيتعبون أحسنه اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب العالمين وأعفوا عنا واغفر لنا وارحمنا عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..