أحكام الز كاة وأنواعها وما يجب فيها - مفطرات الصوم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي أنعم علينا بالأموال، وأباح لنا الت+ب بها عن طريق حلال، وشرع لنا تصريفها فيما يرضى الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الإنعام والأفضال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أزهد الناس في الدنيا وأكرمهم في بذلها على الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس، اذكروا حينما خرجتم من بطون أمهاتكم لا مال ولا +وة و لا قوة ولا حيلة، ولكن الله - تعالى - مَنَّ عليكم بالأموال وخولكم إياها، فأدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم، لقد أخرجكم الله عز وجل من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً، ولا تملكون لأنفسكم نفعاً ولا ضراً، فقوموا - عباد الله تعالى - بشكر نعمة الله عز وجل عليكم، أدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم؛ لتبرئوا ذممكم، وتطهروا أموالكم، واحذروا الشح والبخل بما أوجب الله عليكم فإن ذلك هلاككم ونزعة بركة أموالكم.
أيها الإخوة، فكروا قليلاً، هل المال يدخل معكم القبور؟ إن المال سوف تخلفونه لغيركم وليس لكم من أموالكم إلا ما قدمتم في حياتكم أو أورثتموه في أعمال البر بعد مماتكم.
أيها الإخوة، إن أعظم ما أوجب الله عليكم في الأموال الزكاة؛ التي هي ثالث أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران، قال الله - عز وجل -: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [آل عمران: 180]، وقال الله - عز وجل -: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34-35]، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الآية الأولى: "من أتاه الله مالا فلم يؤدِّ زكاته مثل له شجاع أقرع"، قال العلماء: الشجاع الأقرع هي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها "له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك"(1) أخرجه البخاري في صحيحه، وال+يبتان: غدتان مملوءتان من السم، أعاذنا الله وإياكم من ذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في تفسير الآية الثانية: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها وفي رواية +اتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفايح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوي بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد"(2) أخرجه مسلم في صحيحه.
أيها المسلمون، إنه والله لا يحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا، إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها فضلت عليها بتسع وستين جزءاً.
أيها المسلمون، وإنه إذا أحمي عليها في هذا النار العظيمة لا يكوى بها طرفاً من الجسم متطرف، وإنما يكوي بها الجسم من كل ناحية؛ يكوى بها الجسم من كل ناحية الجباه من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف.
أيها المسلمون، وانه إذا كوي بها الجسم من هذه النواحي كلها لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها، ولكنها كل ما بردت أعيدت فأحميت، فاتقوا الله عباد الله، إن هذا العذاب ليس في يوم ولا شهر ولا سنة ولكنه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، اللهم أنجنا من النار، اللهم أنجنا من النار، اللهم أنجنا من النار، وأعذنا من الشح يا ذا الجلال والإكرام، فيا عباد الله، يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدقوا بكتاب القرآن وصدقوا بسنته، ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها وما فائدتها؟ إنها تكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم، إنكم لا تطيقون الصبر على وهج نار الدنيا فكيف تصبرون على نار جهنم؟ فاتقوا الله عباد الله، لا تتهاونوا بالزكاة، أدوها طيبة بها نفوسكم، لئن سألتم ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة فلنبين لكم شيئاً منها، فالزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي حال كانت، سواء كانت جنيهات أو ريالات، أم قطع من الذهب والفضة، أم حلي من الذهب والفضة، وسواء كان الحلي للبس، أو للبيع، أو للتأجير، فالذهب والفضة معدنان نفيسان ثمينان تجب الزكاة في أعينهما؛ كما جاءت بذلك نصوص الكتاب والسنة بوجوب زكاة الذهب والفضة عموما دون تفصيل، وجاءت نصوص من السنة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي، فقد سمعتم قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "ما من صاحب ذهب وفضة"(3)، ومن المعلوم أن المرأة التي تملك الحلي هي صاحبة ذهب وفضة، واسمعوا إلى الأدلة الخاصة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب المسكتان هما السواران فقال النبي صلي الله عليه وعلى اله وسلم أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهم يوم القيامة سوارين من نار – يعني: إن لم تؤدِ ال+اة - فخلعتهما فالقتهما إلي النبي صلي الله عليه وعلى اله وسلم وقالت هما لله ورسوله"(4)، قال الحافظ بن حجر - رحمه الله تعالى - في (بلوغ المرام): أخرجه الثلاثة وإسناده قوي، وقال محدث الجزيرة ومفتي الجزيرة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله إن إسناده صحيح.
ولكن لا تجب الزكاة في الذهب والفضة حتى يبلغا نصاباً، فنصاب الذهب عشرون مثقالاً وهو خمسة وثمانون جراماً، فما دون ذلك لا زكاة فيه إلا أن يكون للتجارة، ونصاب الفضة وزن ستة وخمسين ريالاً سعودياً أو قيمة ذلك من النقود الورقية، وما دون ذلك فإنه لا زكاة فيه. أما مقدار الزكاة في الذهب والفضة فهي ربع العشر - أي: واحد من أربعين -، وعلى هذا فمن كان عنده مال وأراد أن يستخرج قدر الزكاة فليقسم ماله على أربعين فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، وتجب الزكاة - أيضاً - في الأوراق النقدية وإذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالاً من الفضة وفيها ربع العشر، وتجب الزكاة - أيضاً - في الديون التي في ذمم الناس إذا كانت من الذهب والفضة أو الأوراق النقدية وبلغت نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من جنسها سواء كانت حالة أم مؤجلة، فيزكيها كل سنة إذا كانت على غني ولكن إن شاء أدى زكاتها فبل قبضها مع ماله، وإن شاء انتظر حتى يقبضها فيزكيها لكل ما مضى، أما إذا كانت الديون على فقير فلا زكاة على من هي له حتى يقبضها ولو بقيت عشرين سنة، فيزكيها لسنة واحدة؛ لأنها قبل قبضها في حكم المعدوم، وتجب الزكاة في عروض التجارة: وهي المال الذي أعده الإنسان للبيع ت+باً وانتظاراً للربح من عقار أو أثاث ومواشي وسيارات ومكائن وطعمة وأقمشة وغيرها، فتجب الزكاة فيها وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب على صاحبها أن يقدر ثمنها ويخرج ربع عشر قيمتها، ولا عبرة بما اشتراها به بل العبرة في قيمتها عند وجوب الزكاة، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلاً وكانت تساوي عند تمام الحول ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإن كانت لا تساوي إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة، وإذا كان لا يعلم هل تربح أو تخسر إن طلبة ربحت وإن جلبت خسرت فإنه يزكي رأس المال؛ لأنه المتيقن والربح والخسران مشكوك فيهما، ولا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول ولو نفذ المال قبل تمام الحول أو نقص عن النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول فلا زكاة عليه وإنما تجب الزكاة على الورثة بعد تمام الحول من موت مورثهم، وتمام الحول يستثنى منه ربح التجارة، فإن ربح التجارة تابع لرأس المال، فإذا تم حول رأس المال وجبت الزكاة وإن لم يتم الحول على الربح، وعلى هذا فلو اشترى الإنسان أرضاً للتجارة وبقيت على قيمتها وقبل تمام حولها ربحت قيمتها مرتين فإنه يجب عليه أن يزكي القيمة التي بلغت وإن كان الربح لم يحصل إلا قبل تمام الحول بشهر أو أقل، ويستثنى من ذلك - أيضاً - عروض التجارة فإن حولها حول عوضها، فإذا كان عند الإنسان دراهم يتم حولها في رمضان فاشترى بها عرضاً للتجارة في شعبان فإنه يزكيه في رمضان ولا ينتظر حتى يأتي شعبان الثاني، ولا يجوز للإنسان أن يؤجل الزكاة عند تمام حولها، بل يجب عليه أن يبادر بها إلا إذا لم يكن بيده دراهم نقدية، فإنه يقدم قيمة العروض عند تمام الحول ويقيد زكاته، ومتى تيسر له أدى الزكاة مما يتيسر، وإذا كان يخشى أن تطول المدة فليبع ولو خسر، والرزق على الله عز وجل، وإذا كان الشخص يملك المال شيئاً فشيئاً كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق عليه ملاحظة ذلك فليزكِّ الجميع في شهر واحد من السنة كل عام، فما تم حوله فقد زكي في وقته وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة جائز، وهذه الطريقة أهون على الإنسان وأسلم من الاضطراب، وإذا كان للإنسان عقار يسكنه، أو سيارة يركبها، أو مكينة لفلاحته فلا زكاة عليه في ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"(5)، وإذا كان له عقار يؤجره أو سيارة يكدها في الأجرة أو معدات يؤجرها فلا زكاة عليه في ذلك، وإنما الزكاة فيما يحصل من الأجرة، وإذا كان للإنسان أرض يريد أن يبني عليها مسكناً له أو للإيجار فلا زكاة فيها، وكذلك إذا أبقاها للحاجة يقول: إن احتجت بعتها وإلا أبقيتها فلا زكاة فيها، وكذلك لو حصل من الدولة أرضاً وتردد هل يتاجر بها أو يبقيها فلا +اة عليه.
أيها الإخوة المسلمون، إن الزكاة حق الله عز وجل، وإن الله تعالى بين أين تصرف هذه الزكاة، فلا يجوز للإنسان أن يصرفها في غير أهلها، ومن صرفها في غير أهلها لم تبرأ بذلك ذمته، وقد قال الله - عز وجل -: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، فالفقراء والمساكين هم الذين لا يجدون مؤونتهم ومؤونة من تلزمهم مؤونته لمدة عام، والغارمون هم الذين عليهم أطلاب لا يستطيعون وفاءها، وعلى هذا فلا تحل الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، وإذا أعطيتها شخصاً يغلب على ظنك أنه مستحق فتبين لك فيما بعد أنه غير مستحق أجزأت عنك والإثم عليه؛ حيث يأخذ ما لا يستحق، فإذا كان في الأقارب من تحل لهم الزكاة فإنهم أولى من غيرهم؛ لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة، وإذا كان هناك رجل محتاج للزواج وليس عنده ما يتزوج به فإنه يُعطى ما يتزوج به، ولو كان لا ضيق عليه في المأكل والمشرب والمسكن ولكن يعطل للزواج؛ لأن الزواج من ضروريات الحياة، ولا يقضى بالزكاة ديناً على ميت، يعني: لو علمت أن ميتاً عليه دين ولم يخلف تركة فإنه لا يجوز أن تقضي دينه من الزكاة؛ لأنه قد مات وواجه الحساب فإذا كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، وإذا كان أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، ولا يسقط بالزكاة دين على معسر يعني لو كان عليك زكاة تبلغ ألفاً وأنت تطلب فقيراً ألف ريال فلا يجزئك أن تسقط عن الفقير ألف ريال وتحتسبه من الزكاة؛ لأن الزكاة أخذ وإعطاء. فاتقوا الله عباد الله، وأدوا +اة أموالكم في محلها، ولا تبخلوا على أنفسكم، فإن ما تصرفونه في سبيل الله فإنه هو الذي ينفعكم يوم القيامة. اللهم وفقنا لأداء ما يجب علينا من مال وعمل على الوجه الذي ترضاه عنا بدون عجز ولا +ل، اللهم زدنا من فضلك كما نزداد به قربة إليك، ورفعة في درجاتنا إنك جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد الله، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ - يعني: النساء - ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]، ففي هذه الآية الكريمة ذكر ثلاثة أشياء مفطرات للصائم وهي: الأكل والشرب والجماع، فمن جامع زوجته في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم فإنه آثم وصومه فاسد، وعليه القضاء وعليه الكفارة المغلظة "وهي: عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا"(6)؛ كما جاء في الحديث المتفق عليه عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، هذا إذا كان ممن يجب عليه الصيام أما لو كان ممن لا يجب عليه كما لو كان مسافراً ومعه أهله وهما صائمان ثم بدا له أن يأتي أهله فلا حرج عليه، ليس عليه إلا قضاء اليوم الذي جامع فيه؛ لأنه لا يجب عليه الصوم في السفر، وأما الأكل والشرب فإن كل مأكول وكل مشروب سواء كان نافعاً أم ضاراً أم ليس نافعا أو ضار فإنه مفطر للصائم مفسدا لصومه، وأما ما ليس أكلا ولا شربا ولا بمعنى الأكل والشرب كالإبر المقوية أو الإبر التي للدواء فإنها لا تضر ولا تفسد الصوم، سواء تناولها عن طريق العضلات أو عن طريق العروق؛ لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب.
ومن المفطرات التي جاءت بها السنة الحجامة: فلقد "أفطر الحاجم والمحجوم"(7) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما خروج الدم بالرعاف فإنه لا يفسد الصوم، وأما خروج الدم بالجرح إذا انجرح العضو وخرج منه الدم فإنه لا يفسد الصوم ولو كان كثيراً، وأما خروج الدم بقلع السن أو الضرس فإنه لا يفسد الصوم ولكن لا يبتلع الدم وهو صائم.
ومما جاءت به السنة القيء: "فإن من تعمد القيء حتى خرج ما في معدته من طعام أو شراب فسد صومه ومن زرعه أي غلبه القيء فلا شيء عليه"(8)، وأما الطيب فإنه لا يفطر، سواء كان مشموما من الأدهان أو من البخور فإنه لا يفطر، ولكن لا يستنشق الصائم دخان البخور؛ لأن هذا الدخان له جرم حتى لا يصل إلى المعدة من حيث لا يشعر، أما إذا تطيب بدون أن يستنشق البخور فلا حرج عليه ولا يفسد صومه، ولقد ظن بعض الناس أن البخور لا يصلح للصائم وليس الأمر كما ظن فإنه جائز للصائم وغير الصائم، لكننا نقول: إن الصائم لا يستنشقه؛ لئلا يصعد إلى جوفه ويصل إلى معدته.
هذه المفطرات إنما تفطر إذا فعلها الإنسان عالماً ذاكراً مريداً، أما إذا كان جاهلاً أو ناسياً فإنه لا يفسد صومه؛ لعموم قول الله - تعالى -: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، "فقال الله قد فعلت"(9)، ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -: "أفطرنا على يوم غيم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى طلعت الشمس"(10)، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم صار شريعة والشريعة محفوظة - ولله الحمد -، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"(11)، وأما من لم يكن عامدا فقد قال الله - تعالى -: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 5]، وعلى هذا لو تمضمض الإنسان فنزل من الماء شيء إلى بطنه بدون قصد فإن صومه لا يفسد، وهذا من تيسير الله ورحمته بعباده، فله الحمد والشكر والمن علينا أولاً وآخراً.
أيها المسلمون، احفظوا صيامكم، احفظوه من المنقصات والناقضات؛ حتى تؤدوه على الوجه الذي يرضاه الله عنكم، أكثروا فيه من الصدقة والصلاة والذكر وقراءة القران، فإن ذلك خيراً لكم؛ لقوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، فبين الله تعالى الحكمة من الصيام وهي تقوى الله عز وجل، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجه أن يدع طعامه"(12)، أسأل الله - تعالى - أن يحفظ علينا جميعاً صيامنا وقيامنا وعباداتنا، وان يحفظنا بذلك إنه على كل شيء قدير، واعلموا أيها الإخوة "أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة يعني في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة اجتمعوا على دين الله لا تتفرقوا فيه، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار"، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم تلزموا أمر الله، وتؤدوا شيئاً من حقوق رسول الله، وتنالوا بذلك ثواب الله، قال الله - تعالى -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي مرة واحدة صلى الله بها عليه عشرة"(13)، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في ملته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا رب العالمين، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم ارزقهم الحكم بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم أصلح للولاة بطانتهم، اللهم أبعد عنهم كل بطانة سوء يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
عباد الله، أكثروا من الاستغفار والتوبة إلى الله، أخرجوا زكاة أموالكم "فإنه ما منع قوما زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"(14)، أدوا +اة أموالكم، اخرجوا من المظالم، استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا من الأبرار يا ذي الجلال والإكرام، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1315)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في كتاب ال+اة (1649) من حديث جابر رضي الله عنه.
(2) أخرجه مسلم رحمه الله في كتاب ال+اة (1647) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) سبق تخريجه في الحديث رقم (2).
(4) أخرجه الترمذي في كتاب الزكاة (576)، والنسائي في سننه في كتاب الزكاة (2424)، وأبو داود في سننه في كتاب ال+اة (1326)، من حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1371)، ومسلم في كتاب ال+اة (1631)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر (1800)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع (1870)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه ت ط ع.
(7) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار (21413)، وأبو داود في كتاب الصوم (2032) وابن ماجه في كتاب الصيام (1670)، والدارمي في كتاب الصوم (1668)، من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(8)
(9) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق (180) ت ط ع.
(10) أخرجه الإمام أحم دفي باقي مسند الأنصار (5690)، والبخاري في كتاب الصوم (1823)، وأبي داود في كتاب الصوم (2012)، وابن ماجه في كتاب الصوم (1664) من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ت ط ع.
(11) أخرجه البخاري في كتاب الصوم (1797)، ومسلم في كتاب الصوم (1952)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(12) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم (9463)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والبخاري، في كتاب الصوم (1770).
(13) أخرجه الإمام أحمد في باقي المكثرين من الصحابة (8527)، ومسلم في كتاب الصلاة (616)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ت ط ع.
(14) أخرجه ابن ماجه رحمه الله تعالى في سننه، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، في كتاب الفتن، باب العقوبات (4009) ت ط ع.