molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حياة القلوب وأنواعها - عبد الله بن ناصر الزاحم / القصب الإثنين 6 أغسطس - 11:17:55 | |
|
حياة القلوب وأنواعها
عبد الله بن ناصر الزاحم / القصب
الخطبة الأولى أما بعد: عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. أيها المسلمون، الأيام تتعاقب وتطوي الصحائف، والليالي تمضي وتقلِّب الصفحات، والمنايا تقضي على الأماني، والأنفاس معدودة، وساعات العمر محدودة، والخسارة في إضاعة ساعات العمر والتفريط في استغلال الفرص. أحبتي في الله، من سرَّه أن تدوم عافيته فليتق ربَّه، فمن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن رأى في عيشه تكديرًا وفي شؤونه اضطرابًا فليتذكر نعمةً ما شكرها، أو زلة ارتكبها، فالبر لا يبلى، والإثم لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان. وليس للمرء إلا ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب. عباد الله، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: من عرف أنه عبدٌ لله وراجعٌ إليه فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول فليُعدَّ لكل سؤال جوابًا، قيل: يرحمك الله فما الحيلة؟ قال: الأمر يسير؛ تحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي. عباد الله، أعز ما على المرء قلبه، لأن صلاح المرء منوط بصلاحه، وبفساده تفسد حاله، ويخسر في مآله، يقول المصطفى : ((أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ))، ويروى بسند ضعيف: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه)). أيها المؤمنون، القلب هو مسكن المحبة وموطنها، ولن يحب اللهَ صادقًا من قلبه إلا من أحب طاعتَه، يقول عبد الله بن مسعود : (هلك من لم يكن له قلبٌ يعرف المعروف وينكر المنكر)، فالله عز وجل لم يبعث النبي إلا ليعلم الناس الكتاب والحكمة وي+يهم، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وكان من دعاء الخليل عليه السلام: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. أيها الأحباب، إن في القلوب فاقةً وحاجةً لا يسدها إلا الإقبال على الله ومحبتُه والإنابةُ إليه، ولا يلم شَعَثَها إلا حفظُ الجوارح واجتنابُ المحرمات واتِّقاءُ الشبهات. عباد الله، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وهو مقلب القلوب والأبصار، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: ((إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)). كما أنه لا ينفع عند الله إلا القلب السليم: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وكان من دعاء رسول الله: ((وأسألك قلبًا سليمًا)). معاشر المؤمنين، اعلموا أن القلوب أربعة: قلب تقي نقي فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف مظلم فذلك قلب الكافر: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمي، فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً، وقلبٌ تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، فهو لِما غلب عليه منهما، وقد قال الله في أقوام: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ. والقلب تتملكه قوتان: قوة العلم التي بها يدرك الحق ويميزه به عن الباطل، وقوة إرادة الحق وطلبه ثم محبته وإيثاره؛ فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره فهو مغضوب عليه، ومن عرفه واتبعه فهو من الذين أنعم الله عليهم؛ الذين سلكوا الصراط المستقيم. فالعبد الموفق من كان على حياة قلبه أحرص، والحريصون على حياة أجسادهم دون حياة قلوبهم هم أهل الدنيا وأربابها وهم أكثر الخلق. وصاحب القلب الحي دائم المحاسبة لنفسه في صباحه ومسائه، بل مع كل دقة من دقات قلبه، يحب الله، ويحب في الله، ويترقى في درجات الإيمان والإحسان حتى يمتلئ قلبه إيمانًا وخشية، ورجاء وطاعة، وخضوعًا وذلة؛ جاء في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)). أصحاب القلوب الحية صائمون قائمون، خاشعون قانتون، شاكرون على النعماء، صابرون في البأساء، لا تنبعث جوارحهم إلا بموافقة ما في قلوبهم، اجتمع لهم حسن المعرفة مع صدق الأدب، وسخاء النفس مع رجاحة العقل، صدورهم طاهرة، متحابون بجلال الله، يغضبون لحرمات الله، أمناء إذا ائتمنوا، عادلون إذا حكموا، منجزون ما وعدوا، موفون إذا عاهدوا، جادون إذا عزموا، يهشون لمصالح الخلق، ويضيقون بآلامهم، في سلامةٍ من الغل، وحسن ظنٍ بالخلق، ويحملون الناس على أحسن المحامل. جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: ((يدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ))، فهي سليمة نقية، خالية من الذنب، سالمة من العيب، يحرصون على النصح والإخلاص، والمتابعة والإحسان، همتهم في تصحيح العمل أكبر منها في كثرته، بواطنهم كظواهرهم بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى، وهمتهم عند الثريا بل أعلى. إن عُرفوا تنكَّروا، تُحبهم بقاعُ الأرض، وتفرح بهم الملائكة. أما القلوب المريضة فلا تتأثر بمواعظ، ولا تستفزها النذر، ولا توقظها العبر. عرفت قلوبهم الله لكنها لم تؤد حقه، وقرأت كتاب الله ولم تعمل به، وزعمت حب رسول الله وتخلت عن سنته، يريدون الجنة ولم يعملوا لها، ويخافون من النار ولم يعملوا للفرار عنها. من أطلق بصره في حرام فإنه سيُحرم البصيرة، ومن أطلق لسانه في الغيبة سُلب النور من قلبه، ومن أكل الحرام أظلم فؤادُه، ومن كثرت معاصيه حُرم قيام الليل، ولم يتطعَّم بلذة مناجاة الكريم المنان. من مات قلبه فإمامه هواه، وشهوته قائدته، والغفلة مركبه، لا يستجيب لناصح، بل ويتَّبع كل شيطان مريد، فما أجساد هؤلاء إلا قبور لقلوبهم. قلوبهم خَرِبةٌ لا تؤلمها جراحاتُ المعاصي، ولا يُوجعها جهلُ الحق، تتشرب كلَّ فتنة حتى تسودَّ وتنت+، ومن ثم لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا. عباد الله، إن غفلةَ القلوب عقوبة، والمعصيةَ بعد المعصيةِ عقوبة، والغافلُ لا يحس بالعقوبات المتتالية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى. عباد الله، من خاف يوم الوعيد قصُر عليه البعيد، وسهل عليه كل صعيب، ومن طال أمله ضعف عمله، وانصبَّت إلى الدنيا حِيَلُه. والتوفيق هو خير قائد، والإيمان هو نور الدارين، والعقل الراجح هو خير الأصحاب، وبحسن الخلق ت+ب مودة الآخرين. يقول الحسن رحمه الله: "المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على أقوام حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وشق الحساب على أقوام يوم القيامة أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة، فحاسبوا أنفسكم -رحمكم الله- وفتشوا في قلوبكم". عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله: ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)). ويقول أحد الصالحين: "عجبًا من الناس يبكون على من مات جسده، ولا يبكون على من مات قلبه". شتان بين من طغى وآثر الحياة الدنيا، وبين من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. عباد الله، إن مما يُمرِض القلوب ويُميتها الانحراف عن الحق ومقارفة الحرام؛ قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وكذلك الافتتان بآلات اللهو والصور الخليعة؛ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ. فالذنوب تميت القلوب، وتورث الذلة، وتجلب ضيقة الصدر، علاوة على أنها محاربة لله ولرسوله. يقول الحسن رحمه الله: ابن آدم: هل لك بمحاربة الله من طاقةٍ؟! فإن من عصى الله فقد حاربه، وكلما كان الذنب أقبح كان في محاربة الله أشد؛ ولهذا سمى الله أكلة الربا وقطاع الطريق محاربين لله ورسوله لعظم ظلمهم وسعيهم بالفساد في أرض الله. قال: وكذلك معاداة أوليائه فإنه تعالى يتولى نصرة أوليائه ويحبهم ويؤيدهم، فمن عاداهم فقد عادى الله وحاربه. فاتقوا الله رحمكم الله، وتوبوا إلى ربكم، واسعوا قدر وسعكم لإصلاح قلوبكم، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. ثم صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله...
| |
|