molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: محق البركة - عبد الله بن ناصر الزاحم / القصب الإثنين 6 أغسطس - 11:18:28 | |
|
محق البركة
عبد الله بن ناصر الزاحم / القصب
الخطبة الأولى أما بعد: عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله لعباده الأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا. أيها المسلمون، يقول الحق تبارك وتعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، وقال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فالله جل وعلا مالك الملك، ومدبر الأمر، ورازق الخلق، قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. واعلموا -عباد الله- أن البركة ما نزلت في قليل إلا كثرته، ولا نُزعت من شيء إلا محقه الله وإن كان كثيرا. فالبركة هي كثرة الخير ودوامه ولو بدا للناس قليلا، والمحق قلةُ الشيء وزواله ولو كان في أعين الناس كثيرا، ولا يعرف ذلك إلا أهل الإيمان؛ الذين آمنوا بالله وبكتابه وآمنوا برسوله وصدقوا سنته واستمسكوا بعرى الدين؛ أما من سواهم فإنهم لا يؤمنون إلا بالمحسوسات والمعدودات؛ لذا فإن نظرة المؤمنين في الحياة تفاؤلية؛ لحسن ظنهم بالله، وأما من سواهم فنظرتهم تشاؤمية؛ وما ذاك إلا لسوء ظنهم بالله والعياذ بالله. عباد الله، إن الله جل وعلا غني جواد كريم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، وفي آية أخرى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وقال رسول الله : ((إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ)) رواه الشيخان. ومن جوده وكرمه جل وعلا أنه بارك في أرزاق عباده، حتى كفى قليلُها كثيرَهم، وخلق الأرض وبسط فيها الرزق، وسخرها للناس، وجعلها مساكن لهم؛ مهما بلغت أعدادهم، قال تعالى: وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ، وهذه البركة واضحة بالحس لمن كان له قلب؛ أليس المزارِع يقتطع جزءا يسيرا من الأرض فيزرعه فينتج من الطعام ما يعيش عليه عدد كثير من البشر، وأكثر المزارعين في مشارق الأرض ومغاربها يعيشون وأسرُهم طوال حياتهم على ما تنتجه أراضيهم من خيرات، وأكثر البلاد الفقيرة يعيش أفرادها على الزراعة، ولو حرموها لهلكوا. أما رأيتم أن الله إذا حبس المطر عن ديار أصابها الجفاف فهلك سكانها وحيواناتهم من الجوع؟! معاشر المؤمنين، إن الله تبارك وتعالى لما أنزل البركة في الأرض جعل للاستفادة من هذه البركة أسبابا، إذا أخذ الناس بها بارك الله لهم في أرزاقهم فكفتهم وفاضت عنهم، ولو كانت في أعينهم قليلة، وإن عارضوها جرت فيهم سنة الله تعالى فمحقت أرزاقهم، وذهبت بركة إنتاجهم مهما كانت كثيرة، وهذه سنة الله في الأرزاق والأموال والمعاملات. وإن من أكثر ما يمحق البركة التعامل بالربا، قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وقال تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ. فظاهر الربا أنه يزيد المال ويرفع الأرصدة؛ لذلك تهفو النفوس إليه؛ إذا فُقد الإيمان، وظاهر الزكاة أنها تُنقص المال فيحجم ضعاف الإيمان عن إخراجها، ولكن سنة الله تعالى تقضي بأن هذه الزيادة في الربا تعود على المال وصاحبه بالمحق، كما أن ال+اة والصدقة تعودان على المال وصاحبه بالبركة والنماء. وهذه السنة الربانية لا يعرفها إلا المؤمنون الذين يؤمنون بالغيب. ومن سنة الله تعالى أنه يبارك في التجارة الحلال، ويبارك لمن صدق في بيعه وشرائه، ويمحق التجارة والبيوع المحرمة، والمعاملات المبنية على الكذب والغش والضرر والاحتكار، فيلحق المحق أصحابها وأموالهم، عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ قال: قال رسول الله : ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)) رواه الشيخان. وعن أبي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله يقول: ((إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ)) رواه مسلم. فالمال يتبارك بال+اة وبالصدق والنصح في العقود والتجارة، ويُمحق بالربا والكذب والغش. وما أصاب الناس من كوارث في أرزاقهم فبسبب دخول الربا على أموالهم، وتفشي المعاملات المحرمة بينهم، وبسبب منع ال+اة، وكثرة الكذب في العقود والمعاملات، وهذا سبب الأزمات المالية المتلاحقة، وهذا نذير خطر لمن ادّكر. نسأل الله جل وعلا أن يكفينا بحلاله عن حرامه، كما نسأله عز وجل الثبات على دينه إلى يوم نلقاه، إنه سميع مجيب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. عباد الله، ما من مولود يولد في هذه الدنيا إلا ورزقه قد كُتب، ولن تموت نفس حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. ومن العجب أن الناس في العصور المتأخرة بدؤوا يتنافسون على الأرزاق ويخافون قلة الغذاء، ويرعبهم +اد التجارة والأموال، وسبب ذلك ما أحدثوه من فساد في الأرض، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فنُزعت البركات وشعروا بالضيق والخوف. كل ذلك رغم أن الأرض في القرن الأخير قد فاضت بخيرات عظيمة، وظهرت ثورة تجارية هائلة، ثم اتسعت الأرزاق أكثر بعد الثورة الصناعية، وزادت أكثر وأكثر بعد ثورتي الاتصال والمواصلات، ولكن الفقر ازداد في الأرض، وكثر الجوع، وتبع ذلك اختلال الأمن واضطراب الأحوال. ورغم أن المصانع العملاقة كثرت وتنتج ما لا يحصيه إلا الله تعالى، والآلات الزراعة تستخرج المياه من أعماق الأرض، ويُزرع مساحات من الأرض لا تدركها الأبصار، وتنتج ملايين الأطنان من الغذاء، إلا أن ثلث البشر تقريبا يعيشون تحت خط الفقر. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين هذا الإنتاج العظيم من الطعام وال+اء عن أفواه الفقراء وأجسادهم؟! إن الفساد الرأسمالي في الفكر والتصور والإدارة والعمل قد تسبب في محقٍ عظيم أحاط بالبشر في كل بقاع الأرض؛ فالربا الذي هو الركن الأول للمحق لم يكتف الرأسماليون بالتعامل به فحسب، بل فرضوه نظاما ماليا عالميا كان سببا لمحق أموال الناس في كل مكان، والآن يجنون بعض ثماره الفاسدة، ويعانون من محقه الأكيد. وأما المعاملات المحرمة فأكثر من أن تُحصى، فقد أُطلق لكبار المرابين والمقامرين والمتوحشين أن يمتصوا دماء الناس، وينهبوا أموالهم، ويلعبوا بعقولهم ويغشوهم عبر دعايات كاذبة، هدفهم تسويق بضائعهم وخداع الناس بأي وسيلة، حتى حولوا الناس إلى مستهلكين دائمين لا ينفكون عن الاستهلاك والإسراف ولو استدانوا لذلك وافتقروا. فكان فعلهم هذا من أعظم الغش والكذب والغرر في التجارة وتسويق المنتجات، فمحق الله أموالهم بسبب كذبهم وغشهم وسوء تعاملهم. ومن ذلك أيضا منع الزكاة، فمعلوم أن الرأسماليين لا يؤمنون بالزكاة ولا بأي إحسان ليس له عائد محسوس، لذا منع كثير من المتعاملين بالربا من المسلمين +اة أموالهم، وربما تحايلوا على الأنظمة لإسقاطها. يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا. فالنظام المالي المهيمن على العالم في هذا العصر قد شرع أسباب المحق ونشرها وفرضها، وحارب أسباب البركة وحال بينها وبين أكثر الناس. وعندما هيمن هذا النظام المالي الفاسد عمَّ المحق أموال البشر، ونُزعت البركة من أرزاقهم. ومن جرائمهم أيضا: ادعاؤهم أن الأرض لا تسع البشر، وأن مواردها لا تكفيهم، فاحتكروا موارد الأرض لدولهم وشعوبهم، وحبسوها عن بقية الدول والشعوب، فحاصروها ونهبوا خيراتها وأفقروها وجوعوها؛ حتى بلغ بهم الظلم أن 15 بالمائة من البشر يستحوذون على 85 بالمائة من ثروات الأرض، و85 بالمائة من البشر يقتسمون 15 بالمائة من موارد الأرض؛ وهذا من أعظم الظلم والجور. ودول كثيرة تُستنزف خيراتها وثرواتها، وشعوبها يموتون جوعا، وتعاني دولهم من الفقر والإفلاس، بسبب الهيمنة النصرانية الظالمة. نسأل الله تعالى أن يجبر مصاب المسلمين، وأن يخفف عنهم، وأن يكفينا شرور الحاقدين والمفسدين، وأن يرد المسلمين إلى الحق ردا جميلا، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. هذا، وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله...
| |
|