molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: نعمة المرض - عبد الله بن فهد السلوم / بريدة الأحد 5 أغسطس - 11:25:49 | |
|
نعمة المرض
عبد الله بن فهد السلوم / بريدة
الخطبة الأولى عباد الله: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل والإستعداد ليوم الرحيل والخوف من الجليل والعمل بالتنزيل.
أيها المسلمون: إن الإبتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للإمتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة قال تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون .
ومن جملة الإبتلاءات: الأمراض حيث يبتلي الله بها من شاء من عباده.
واعلم أيها المسلم أن الله سبحانه لايقضي شيئاً كوناً ولا شرعاً إلا وفيه الخير والرحمة لعباده، وللأمراض والأسقام فوائد عظيمة وحكم بالغة لو تأملها المسلم حق التأمل لأدرك بيقين أن المرض نعمة ومنحة من الله ساقه إليه، فمن ثمرات المرض وحكمه أن الله يستخرج من المريض عبودية الضراء وهي الصبر، وهذا لا يتم إلا بأن يقلب الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لله تعالى، قال : ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)) رواه مسلم، والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله قال تعالى: ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال قال بعضهم: لولا حوادث الأيام لم يعرف صبر الكرام ولا جزع اللئام، قال شيخ الإسلام: (فمن ابتلاه الله بالمر، بالباساء والضراء فليس ذلك إهانة له بل هو ابتلاء وإمتحان، فإن أطاع الله في ذلك كان سعيداً، وإن عصاه في ذلك كان شقياً).
عباد الله: ومن فوائد المرض تكفير الخطايا والسيئات التي يقترفها العبد بقلبه ولسانه وسمعه وبصره وسائر جوارحه، فإن المرض قد يكون عقوبة على ذنب وقع من العبد لقوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما +بت أيديكم ويعفو عن كثير وقال : ((ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر)) والاختلاج هو الحركة والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه، عن أنس قال: قال رسول الله : ((إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ((ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي ومسلم.
ومن فوائد المرض كتابة الحسنات ورفع الدرجات فعن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي : ((إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة)) وقد يكون للعبد المنزلة العظيمة عند الله ولم يكن له من العمل الذي يبلغه تلك المنزلة فيبتليه الله بما يكره حتى يكون أهلاًَ لتلك المنزلة فيصل إليها، لقول النبي : ((إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)).
والمرض يا عباد الله سبب في دخول الجنة لأن الجنة لا تنال إلا بما تكرهه النفس لقول النبي : ((حفّت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)) رواه مسلم والبخاري.
والمكاره تشمل مجاهدة النفس في القيام بالطاعات وإجتناب المحرمات والصبر على المصائب والتسليم لأمر الله فيها، لقوله يقول الله عز وجل: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) رواه البخاري، وقوله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) رواه البخاري، ومعنى احتسبه أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله.
وفي المرض سبب للنجاة من النار فلقد عاد الرسول مريضاً ومعه أبو هريرة في دعك كان به فقال له : ((أبشر فإن الله عز وجل يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة)) والدعك هي الحمى، ومن حكمة المرض أنه يرد العبد الشارد عن ربه إليه، ويذكره بمولاه بعد الغفلة، ويكفه عن معصية بعد الإنهماك فيها فإن الصحة والملذات والمال والشهوات قد تطغى العبد وتغره فينهمك في المعاصي والغفلة، فإذا ابتلاه الله بمرض أو غيره واستشعر ضعفه وذله وفقره إلى خالقه ومولاه وتذكر تقصيره في حقه عاد إلى ربه نادماً ذليلاً متضرعاً.
عاد سلمان رضي الله مريضاً فقال له: (أبشر فإن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستقيا،ً وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، فلا يدري لم عقل ولم أرسل) والمعنى أن الفاجر لم يؤثر عليه المرض فلم يرجع إلى ربه ولم يعرف أن المرض نزل به لإيقاظه من الغفلة وإرجاعه إلى الحق، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله) وقال سفيان: (ما يكره العبد خير له مما يحب لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه).
وفي المرض يتذكر العبد نعم الله السابقة والحاضرة، فكم منحك الله أيها المريض من نعمة وكم دفع عنك من مكروه وكم أنستنا النعم والصحة فضل الله، ولكن المرض يذكر أيام الصحة، فكم من أوقات كثيرة وسنوات عديدة والعبد فيها طليقاً من المرض فتذكر النعم الحاضرة فلقد بقي مسك العقل وسلامة الأعضاء، فاحمد الله واشكره على ما أنت فيه من نعم لا تستطيع لها عداً، اللهم ارزقنا شكر نعمتك واجعل ما أصبتنا فيه من علل سبباً لرجوعنا إليك ورضاك عنا أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية الحمد لله المتفضل بالنعم والدافع للنقم الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
قال ابن القيم رحمه الله: (لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً) فلولا الله سبحانه وتعالى يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا، والله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه أهله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، ورفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه، ولقد كان الصالحون يفرحون بالمرض والبلاء ويعدونه نعمة كما يفرح الواحد منا بالرخاء قال : ((وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)) قال بعض الحكماء: (رب محسود على رخاء، وهو شقاؤه، ومرحوم من سقم، هو شفاؤه، ومغبوط نعمة هي بلاؤه) وقال ابن القيم رحمه الله: (ولو رزق العبد من المعرفة حظاً وافراً لعد المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية، ولتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكراً من حال الكثرة).
وهذه كانت حال السلف، فالعاقل الراضي من يعد البلاء عافية، والمنع نعمة، والفقر غنى، فالراضي هو الذي يعد نعم الله عليه فيما يكرهه أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه، وقال سفيان الثوري رحمه الله: (منعه عطاء وذلك أنه لم يمنع عنه بخلاً ولا عدماً وإنما نظر في خير عبده المؤمن فمنعه اختياراً وحسن نظر).
أيها المسلمون: وكلما كان العبد أتقى لله كلما كان البلاء عليه أشد لقوله : ((إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي، ولما كان الأنبياء والصالحون هم أحب الخلق إلى الله تعالى كان بلاؤهم أشد من غيرهم فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: ((الأنبياء ثم الأقل فالأقل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي وهو صحيح.
وهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً حيث يشتد عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيت أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله)) رواه البخاري ومسلم. وقال أبو سعيد: دخلت على النبي وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك؟ قال: ((إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجرة، قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ،قلت: ثم من؟ قال: الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها (يجمعها)، وإن أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)).
ثم أبشر يا من أصيب بمرض فمنعك هذا المرض من الطاعات، وحبسك عما كنت تعمل من الصالحات، أبشر فإن أجرك جار وعملك مستمر قال : ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)) رواه البخاري.
وعليك أيها المريض بالصبر، فإن الصبر على المصائب واجب باتفاق الأئمة والصبر نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر. ويتحقق الصبر بثلاث أمور بحبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى للخلق، وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصبر من لطم الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور، ولأهمية الصبر ومنزلته من الدين وحاجة المؤمن إليه جاء ذكره في القرآن في تسعين موضعاً كما قال الإمام أحمد رحمه الله: (فإن الله مع الصابرين ويحبهم ويجزيهم أجرهم بغير حساب) قال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال إنما يغرف لهم غرفاً، نعم فلقد ذهب الصابرون بخير الدنيا والآخرة لأنهم نالوا من الله محبة الله.
وقيل لرسول الله : أي الإيمان أفضل؟ فقال: ((الصبر والسماحة)) ولكن الصبر يا عباد الله ليس كصبر البهائم الذي لا يصحبه احتساب الأجر عند الله، وليس الصبر المركوم في القلب الذي يصحبه السخط وعدم الرضى.
والصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد أن يتدبر فيه أموراً منها أن يعلم أن المرض مقدر من عند الله قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً لقوله : ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) رواه البخاري، وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر، قال علي بن أبي طالب: (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور) ثم تذكر الموت وسرعة الإنتقال عن هذه الدار قال : ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات، فما ذكره عبد قط في ضيق إلا وسعه عليه، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقها عليه))، وأن تعلم أن الدنيا دار الإبتلاءات والأسقام والأحزان، وأنها حقيرة عند الله، وأن تعلم أن وراء هذه الدار داراً أعظم منها وأجل قدراً، وأنك لابد مرتحل إليها إن كنت من أهلها، وهي الجنة التي أعدها الله لأوليائه التي تزول فيها الأكدار والأسقام والأحزان.
وعليك أن تتسلى بالنظر إلى من هو أشد منك بلاءً وأعظم منك مرضاً، وأن تنظر وتتذكر أن مصيبتك ليست في دينك، فكل مصيبة ليست في الدين فهي هينة لقوله : ((ولا تجعل مصيبتنا في ديننا)) رواه الترمذي.
ويحصل الصبر بالتصبر لقوله : ((ومن يتصبر يصبره الله)) ثم انتظر الفرج فإن فيه تهويناً، ومعونة على الصبر، وتصور انجلاء الشدائد وانكشاف الهموم قال ابن القيم رحمه الله: إنتظار روح الفرج معنى راحته ونسيمه ولذته، فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته ماهو من خفي الألطاف وما هو فرج معجل، ثم دع عنك (لو) فإنها تفتح عمل الشيطان، فإذا أصبت بمرض لسبب من الأسباب فلا تفتح على نفسك باباً للشيطان فتقول: لو فعلت كذا لكان كذا مما فيه اعتراض على قدر الله وقضائه، وإنما عليك بالتسليم والاطمئنان بأن ما أصابك لابد من حصوله، وأن ماشاء الله لابد أن يقع وفق مشيئة الله قال : ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله ما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) رواه مسلم.
وأخيراً اعلم أيها المريض أن الله هو الشافي وأنه سبحانه هو مسبب الأسباب، وأنه سبحانه بيده الدواء قال : ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء يبرأ بإذن الله عز وجل)) رواه مسلم.
واعلم بأن الدواء مجرد سبب للشفاء، والشافي حقيقة هو الله سبحانه، فلا تتداوى بمحرم، ولا تتمنى الموت، ولا تستعجل الإجابة، وألحَّ على ربك بكثرة الدعاء والإستغفار والصدقة، واعلم بأن الله لا يخيب رجاء من دعاه ولاذ بجانبه مخلصاً صادقاً، فإن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين، وكن على يقين بالإجابة لقوله : ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
وعليك بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة فإن أعظم ما يتداوى به العباد هو كلام الله الذي فيه الهدى والشفاء والتنفيس والتفريج قال تعالى: وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين .
| |
|