molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: واجبنا تجاه الفتن (2) - عبد الله بن عبد العزيز التميمي / الرياض الأحد 29 يوليو - 5:39:43 | |
|
واجبنا تجاه الفتن (2)
عبد الله بن عبد العزيز التميمي / الرياض
الخطبة الأولى لما كانت الفتن تورث الفرقة والاختلاف بين الناس بسبب التباس الآراء حولها واضطراب الأفهام تجاهها ونظرًا لحيرة كثير من أولي الألباب في أمرها ـ فضلاً عن عامة الناس ـ كان الواجب على عامة المسلمين أن يكفوا عنها ألسنتهم وأيديهم، وأن يعلموا أن ما أصابهم بسبب ذنوبهم، فيرجعوا إلى ربهم ويتوبوا ويستغفروا لعلهم يرحمون. وأما شأن الفتن من المنظور الشرعي فهو موكول إلى العلماء الراسخين في العلم، ويجب على الناس رد ذلك إليهم وعدم التقدم بين أيديهم، فهم مرجع الأمة في كل حال ومفزعها حين يح+ها أمر ذو بال، يقول الله تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:83]. يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله: "هذا تأديب من الله تعالى لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يَتَثَبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها..."، ثم يقول: "وفي هذا دليل لقاعدة مهمة، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يوكل إلى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب للصواب وأحرى للسلامة من الخطأ" اهـ. ولا غَرْوَ في ذلك، فالعلماء هم العارفون بشرع الله، المتفقهون في دينه، العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، الذين وهبهم الله الحكمة، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]. إنك لتعجب أشد العجب من جرأة كثير من الناس على إصدار الفتاوى الشرعية وبصورة سريعة قطعية، وما عرِفوا بالعلم ولا مجالسةِ أهله، بل ويزيدون المصيبة ضررًا وإثمًا؛ فتجدهم يُخَطِّئون العلماء الراسخين، ويرفعون من منازلهم ويخفضون. والأعجب أن جرأتهم هذه لم تدفعهم إلى الخوض في الأمور الطبية والمعمارية، تراهم لا يقبلون وصفة ولا دواء إلا من طبيب حاذق؛ ولا يشرع أحدهم في مشروع معماري إلا بعد رأي مهندس عارف؛ بل ويزجرون من تكلم في أمر الطب والبناء، وهو جاهل بذلك، فما كل هذا التناقض؟! أيحتاطون لأمر دنياهم ولا يحتاطون لأمر دينهم؟؟ إن هذا لشيء عجاب!!. قال ابن رجب رحمه الله: "لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا؛ ولم يعرفه الناس بها، ولا شاهدوا عنده آلاتها، لكذّبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم، ولم يمكّنوه أن يعمل فيها ما يدّعيه من تلك الصناعة، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول ، وما شوهد قط يكتب علم الرسول ، ولا يجالس أهله ولا يدارسهم؟ فيا لله العجب! كيف يقبل أهل العقل دعواه ويحكّمونه في أديانهم، يفسدها بدعواه الكاذبة" اهـ. ولك أن تتأمل ـ يا عبد الله ـ حال هؤلاء المتجرئين على الله تعالى القائلين عليه بغير علم؛ وتتأمل حال سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ فإنهم مع علمهم وفقههم كانوا يتدافعون الفتوى ويتورعون عن أن يفتوا في المسائل؛ وإن أُلزم أحدهم بذلك عَلَته الرُحَضاء ـ أي العرق الكثير ـ خوفًا من الله تعالى؛ وجلس ينظر في المسألة وربما جمع إخوانه حتى تكون فتواه على علم وبصيرة. عن نافع أن رجلاً سأل ابن عمر عن مسألة، فطأطأ رأسه ولم يجبه، حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته، فقال له: يرحمك الله، أما سمعت مسألتي؟ قال: بلى، ولكنكم كأنكم ترون أن الله تعالى ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهم مسألتك، فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به. إن العلماء الراسخين هم أبصر الناس بالشر ومداخل الشر، يقول الله سبحانه في قصة قارون: وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ [القصص:80]، فأهل العلم كانوا متميزين عن غيرهم؛ فهم بصراء بالخير وعلماء بالخير، لما رأوا الناس يتمنون مثل ما أوتي قارون؛ حذروهم من الشر وبينوا لهم الخير؛ وأن ثواب الله خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا [القصص:80]. ولم يعرف أولئك الذين يريدون الحياة الدنيا أن العلماء على الحق، إلا حينما حلت عقوبة الله بقارون: وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلاْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ[القصص:82]. عباد الله، إن من الناس من يطالب العلماء بعمل من الأعمال هم عنه ممتنعون، وما امتناعهم عنه إلا لنظرهم في مآلات الأمور وعواقبها، إذ بعض الصالح قد يمتنع عنه العالم لما يؤدي إليه في المآل من المفاسد العظمى، والدين الإسلامي دين المصلحة، فلا يقر اعتبار مصلحة دنيا على حساب وقوع مفسدة عظمى. وانظر ـ يا رعاك الله ـ إلى رأس النفاق عبدالله بن أبي، الذي ثبت نفاقه وعُرف باستهزائه بالله وبرسوله وبالمؤمنين، لقد كان قتله مشروعًا؛ بل واجبًا لردته، ومع ذلك امتنع النبي عن ذلك لما يفضي إليه قتله من المفاسد.. فحين قال المنافق: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز ـ يعني نفسه ـ منها الأذل ـ يعني رسول الله والمؤمنين ـ). فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله : ((دعه، لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)) رواه الشيخان. فظهر من هذا أن النبي امتنع عن قتل رأس النفاق، خشية أن يُتحدث عنه أنه يقتل أصحابه، مما قد ينفّر الناس عن الإيمان به، في وقت كانت الدعوة فيه في طور انتشارها، وهذا المحذور أعظم فسادًا من المصلحة المتحققة من قتل ذلك المنافق الخبيث. ومما يجب على الناس أيضًا حين وقوع الفتن، الكف عن إذاعة الأكاذيب واختلاق الأباطيل، وإشاعة الشائعات التي ترجف بالأمة وتزيدها اضطرابًا، وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا [النور:16]. إن هناك فئات وأصنافًا من الناس في كل مجتمع، قلوبها مريضة، وأرواحها ميتة، وذِمَمُها مهدرة، لا تخاف من الله، ولا تستحي من عباد الله، مهنتهم ووظيفتهم وهوايتهم نشر الشائعات في أوساط الناس، تتغذى على لحوم البشر، وترتقي على أكتاف وحساب غيرها. وإن الموقف الصحيح من تلك الشائعات والأخبار، التي تنقل، هو التثبت والتحقق قبل قبول الخبر وقبل نشره، يقول الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ [الحجرات:6]. كم أقلقت الشائعات من الأبرياء؟ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ [آل عمران:173]، وكم آذت من عباد الله الأولياء؟ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوٰهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]. هل أوذي رسول الله بالقول، أشد من الأذى الذي ناله بسبب شائعة ذلك المنافق، الذي اتهم عرضه الشريف؟! وهل كان تولي بعض المسلمين يوم أحد، وإلقاؤهم السلاح، إلا بسبب شائعة مقتل الرسول ؟! وهل قُتل عثمان رضي الله عنه إلا بشائعة المنافقين التي افتروها عليه؟! ولو قرأت التاريخ لوجدت صفحاته مليئة بشائعات غيرت حياة كثير من الناس، وربما ألغتها ودفنتهم تحت التراب. عن سَمُرَة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق…)) ثم ذكر الحديث، وكان مما قال : ((فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكَلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشَرْشِر شِدْقَه إلى قفاه، ومَنْخِرَه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرُغ من ذلك الجانب، حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى)) ثم جاء خبره في آخر الحديث؛ حيث قال له الرجلان: ((فأن الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق)) رواه البخاري.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|