molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: واجبنا تجاه الفتن (1) - عبد الله بن عبد العزيز التميمي / الرياض الأحد 29 يوليو - 5:40:36 | |
|
واجبنا تجاه الفتن (1)
عبد الله بن عبد العزيز التميمي / الرياض
الخطبة الأولى لقد أمر الله عباده أن يستقيموا على شرعه القويم، ويلتزموا صراطه المستقيم الذي لا يضل سالكه؛ لأنه طريقٌ واضح لا لبس فيه، ومستقيمٌ لا التواء فيه، وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]. فصراط الله المستقيم هو كتابه الكريم وهدي رسوله الأمين الذي سار عليه، وربّى عليه أصحابه، ووجّه أمتَه إلى السير عليه والعمل وِفقَه في الاعتقاد والعمل، دون غلو ولا جفاء، ومن غير إفراط ولا تفريط، وإنما وسطٌ واعتدال، وتلك فضيلةٌ عظمى امتازت بها شريعة الإسلام الحنيفية السمحة، وهو الحق والعدل الذي يجب أن يُسلك ويُنهج، كما قال سبحانه: فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112]. وإن من صدق الإيمان ودلائل التوفيق أن يستقيم المرء على دين الله وشرعه أيام حياته وعلى كل حالاته، في حال السراء والضراء، وفي حال الشدة والرخاء، فيكون عابدًا شاكرًا لله في حال السراء، وصابرًا محتسبًا في حال الضراء، ملتزمًا نهج رسول الهدى الذي سار عليه، ووجَّه أمته إليه، إذ ما من خير إلا دل الأمة عليه، ولا شرٍّ إلا حذرها منه، ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى أكمل الله تعالى به الدين وأتمّ به النعمة على الخلق أجمعين، حتى ترك أمته على المحَجَّة البيضاء الواضحة. لقد أخبر عليه الصلاة والسلام بما يكون في الأمّة بعده إلى قيام الساعة من تفرّق واختلاف ونزاع وشقاق، ينشأ عنه فتنٌ عظمى ومحنٌ كبرى، يوقد نارَها ويُذكي جذوتَها أعداءٌ متربّصون وكفرةٌ حاقدون أو جهلةٌ قاصرون منحرفون عن منهج الحق والعدل، فتتأجّج نار الفتن في الأمة، وتشتدّ ضراوتها، ويستشري ضررها، ويتفاقم خطرها، ويَجلّ خطبها، وتلتبس عندئذ كثير من الحقائق، وتختلط كثير من المفاهيم، وتختلّ الموازين، ويهلك بسببها خلق كثير، ويحتار جرّاءها ذوو العقول والبصائر. وهكذا شأن الفتن إذا عظمت في الأمة؛ كما وصفها بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: (تبدأ في مدارج خفية، وتؤول إلى فظاعة جلية، فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضلّ رجال بعد سلامة، وتختلف الأهواء عند هجومها، وتلتبس الآراء عند نجومها، من أشرف له قَصَمَته، ومن سعى فيها حطمته، تغِيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظلمة، وتُثْلِم منارَ الدين، وتنقض عقد اليقين، تهرب منها الأكياس، وتدبّرها الأرجاس، مِرْعادٌ مِبْراق، كاشفة عن ساق، تقطَّع فيها الأرحام، ويفارَق عليها الإسلام). ثم يوجّه رضي الله عنه بعد ذلك إلى اجتناب الفتن فيقول: (فلا تكونوا أنصاب الفتن وأعلام البدع، والزموا ما عُقد عليه حبل الجماعة، وبُنيت عليه أركان الطاعة، وأقدموا على الله مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين، واتقوا مدارج الشيطان ومهابط العدوان) اهـ. فما أعظمه من وصف بليغ وبيان دقيق لحقيقة الفتن وواقعها، وما أجلّّها من نصائح صدرت من قلبٍ امتلأ إيمانًا ويقينًا وبصيرةً وعلمًا، ابتُلي بالفتن فخبرها، واصطلى بنارها فصبر عليها، وأبلى بلاء عظيمًا في القضاء عليها، وسنّ فيها للأمة سننًا باقيات إلى أن تقوم الساعة. عباد الله، وما تزال الفتن في الأمة تظهر عبر عصور الإسلام بين الحين والآخر، حتى ابتليت أمة الإسلام بما يحدث الآن على الساحة العالمية من أحداث وتداعيات، وما أبرزته من فتن تلاطمت أمواجها ومحنٍ هاجت أعاصيرها، وطال بلاد الإسلام وأهلَ الإسلام منها عظيم الأضرار وبالغ الأخطار، حتى تحيَّر جراء ذلك ذوو الرأي والنُّهى والعارفون بمجريات الأحداث، وعسُر عليهم التنبُّؤ بما تؤول إليه الأحوال في مستقبل الأيام، واشتغل عامة الناس بالمتابعة والتحليل لما يسمعون ويقرؤون، واستغلَّ المُرْجِفُون هذه الأحداث ببثِّ الأكاذيب واختلاق الأباطيل وإشاعة الأراجيف، بالتوقعات والتكهنات التي لم تُبنَ على حقائق ثابتة، ولا تستند إلى معلومات موثقة، وإنما هي تخرّصات وأوهام، تُشيع في المجتمعات البلبلة، وتشغل العامة بما لا طائل تحته، وما هكذا يكون حال الأمة عند تأجج الفتن، ولا هكذا يكون شأن المسلم عند حلول المحن. لقد حذر الله الأمة المسلمة إن هي خالفت ربها ونبيها وبعدت عن شريعتها أن يفتنها، قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فتنة عامة تشمل مختلف أنواع العقوبات، كانتشار القتل فيما بينهم أو الزلازل والبراكين أو تسلط السلطان الجائر عليهم أو ظهور أنواع من الأمراض أو الفقر أو الشدة في الحياة إلى غير ذلك. وهذه الفتنة إذا نزلت فإنها تعم الجميع، فلا يستثنى منها أحد لقوله تعالى: وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، يقول المفسرون في معناه: "واحذروا فتنة إذا نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة، بل تتعدى إليكم جميعًا، وتصل إلى الصالح والطالح، أما الطالح فهي عقوبة لذنبه، وأما الصالح فلأنه سكت ولم ينكر على الظالم ظلمه". إن الواجب على أمة الإسلام في مثل هذه الأحوال أن تراجع دينها، وتصحِّح مسيرتها، وأن تحكّم شرع الله على عباد الله في جميع الشؤون وعلى كل المستويات، وأن تعود إلى ربها، وتقبل على طاعته والإنابة إليه، وأن تكثر من الاستغفار والتوبة والتضرع إلى الله جل وعلا بأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يحفظ الإسلام وأهله من كيد الكائدين وشر الأعداء المتربصين، فإن ذلك من أسباب تنزل الرحمات الإلهية والألطاف الربانية وزوال الخطوب المدلهمَّة وارتفاع البلاء عن الأمة، كما قال عز وجل: لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]. إن من الواجب على المسلمين زمن الفتن أن يكفوا عن الخوض فيها، وأن يُقبل كل فرد منهم على ما يعنيه أمرُه ويهمه شأنُه في خاصة نفسه من عبادات دينية وواجبات دنيوية، وأن يحفظ لسانه وسائر جوارحه عن الدخول في شيء من أمر الفتنة؛ إذ بهذا وجَّه رسول الهدى أمتَه، مبينًا عليه الصلاة والسلام أن العمل بذلك دليل سعادة المرء وتوفيقه، ومن أسباب نجاته وسلامته، فقد روى أبو داود بسند صحيح عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: وايم الله، لقد سمعت رسول الله يقول: ((إن السعيد لمن جُنّب الفتن، إن السعيد لمن جنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواهًا))، وروى أيضًا بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة، فقال: ((إذا رأيتم الناس قد مَرِجَت عهودهم وخفّت أماناتهم وكانوا هكذا)) وشبّك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: ((الزم بيتك، واملِك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة))، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن بين أيديكم فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي))، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ((كونوا أَحْلاَس بيوتكم)) أي: لازموا بيتكم. رواه أبو داود وسنده صحيح. ووفق هذه التوجيهات النبوية سار أعلام الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام البصيرين، وأرشدوا الأمة إلى ذلك، فقد قال حذيفة بن اليَمَان رضي الله عنه وهو أعلم الأمة بأمر الفتن: (إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدِّمَن، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، وكسِّروا سيوفكم، واقطعوا أوتاركم، وغطوا وجوهكم)، وكذلك فعل عدد من خيار الصحابة +عد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما وغيرهما من أفاضل الصحابة الذين اجتنبوا الفتن، واعتزلوها في زمانهم، وحمدت الأمة صنيعهم، وعُدَّ ذلك من أعظم مناقبهم، كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|