molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الطلاق في الإسلام - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الأحد 8 يناير - 4:15:45 | |
|
الطلاق في الإسلام
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، عقدُ النكاح من العقود التي يجب احترامُها، ويجب الوفاءُ بما التُزم فيها، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ [المائدة:1].
وهذا العقدُ عظّم الله شأنَه، فوصفه بأنّه ميثاق، وأن هذا الميثاق غليظ: وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَـٰقًا غَلِيظًا [النساء:21].
وجاء في السنة تعظيمُ هذا العقد، وأنَّ الشروطَ المشروطة فيه يجبُ الوفاءُ بها، ففي الصحيح عنه أنه قال: ((إنَّ أحقَّ الشروط أن توفُّوا به ما استحللتم به الفروج))[1]، وفيه أيضًا عنه مبيِّنًا أنَّ هذا العقد يُستحَلّ بكلمة الله، يقول في حقِّ النساء: ((فإنّكم أخذتموهنَّ بأمانِ الله، واستحللتُم فروجهن بكلمة الله))[2].
أيها المسلم، هذا عقدٌ له شأنُه، وله قيمته في الإسلام، عقدٌ ينبني عليه أمورٌ كثيرة، فله حقّ الاحترام والالتزام بما التُزم فيه بما يوافق شرع الله.
هذا العقدُ ليس أمرُه بالسهل، ولا يجوز حلُّه بأيسر الأمور، ولهذا أبغضُ الحلال عند الله الطلاق؛ لأن هذا الطلاق يهدِم هذا النكاح، ويسبِّب من المشاكل ما الله به عليم. إذًا فالطلاق أبغضُ الحلال إلى الله؛ لأنَّ الطلاقَ يهدم هذا النكاح، ويُسبِّب من المشاكل ما الله به عليم. إذًا فالطلاق أبغضُ الحلال إلى الله؛ لأن الطلاق يهدم هذا العقد، ويقضي على هذا العقد العظيم. ولأجل هذا كان الطلاق آخرَ الحلول في الشريعة، ولم يكن الطلاق الحلَّ لأول للمشاكل.
أيها المسلم، إنَّ الواجبَ على الرجل وعلى المرأة جميعًا تقوى الله، ورعايةُ هذا العقد، والاهتمام به، وهذا العقد سببُ استمراره ودوامه التعاملُ بالمعروف، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، فمتى قامَ الزوجُ بواجبه، وقامت المرأة بواجبها، فعند ذلك سعادةُ البيت والولد، وإنما يتعكّر صفوُ هذه الأمور عندما يعطِّل الرجل شيئًا من الواجب عليه، وعندما تضعف المرأة عن القيام بما يجب عليها، فإذا حصل من أحد الزوجين تقصيرٌ في الواجب وعدمُ قيام به، فذاك مشكلةٌ قد تسبِّب اللجوءَ إلى الطلاق.
أيها المسلم، والمطلوب من الرجل أن يكونَ ذا صبرٍ وذا تحمّل لكلّ الأمور، وأن لا يكونَ ذا عجلة في هذا الشأن، بل التروِّي والتأنّي في هذا الأمر هو المطلوب، ونبينا يقول لنا: ((استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوجَ ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه +رتَه، فاستوصوا بالنساء خيرًا))[3]، وقال: ((لا يفرُك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خلقًا رضـيَ منها آخر))[4]، حثًّا للرجل على الصبر والتحمّل وعدم التعجّل في هذا الشأن، فإن المطلوبَ من الرجل أن يكون ذا صبر وحلمٍ وأناءة، والله يقول: فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، فعسى خلقٌ تكرهه لكن عواقبه حميدةٌ وأخلاق غير ذلك، فشيء كرهته عِوَضُه أشياء تحبُّها، ويجعل الله العاقبة الحميدة.
أيها المسلم، إن من علامة توفيق الله للعبد أن يكون ذا صبرٍ على المرأة وحلم وأناءة، فهو المطلوب منه التحمّل والصبر، وعدم الضجر، وعدم العجلة في هذه الأمور.
ثم كذلك المرأة مطلوبٌ منها أيضًا الصبرُ والتحمل، ومن لم يكن صابرًا ضاعت أمورُه كلها.
والله جل وعلا بحكمته أرشد الزوجين قبلَ الإقدام على الطلاق بأمور، فإذا خاف الزوج من امرأته نشوزًا أرشده الله إلى الموعظة: فَعِظُوهُنَّ، والهجران: وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ، والتأديب الذي يمكن أن يحصلَ حتى لا تكون الفرقة. وأمر ببعث حكمين بينهما ينظران في أمر اجتماعهما أو افتراقهما، كلّ ذلك حتى لا يُلجأ إلى الطلاق، حتى لا يُضطر إلى الطلاق ويلجأ إليه.
أيها المسلم، مشكلةُ الطلاق في المجتمع المسلم مشكلة عظيمة، تحتاج من المسلمين إلى السعي في حلِّها، مشكلةُ طلاق المرأة ومفارقة الرجل امرأتَه لأتفه الأسباب أحيانًا ولأمور لا تقوى لذلك، لكنها العجلة الزائدة، والطيش وعدم التروِّي فيما بعد الطلاق، فلو تأمَّل المسلم التأمّل الصحيح: ما نتائجُ هذا الطلاق على نفسه؟ ما نتائجه على الولد من بنين وبنات؟ ما هي آثاره؟ وكيف تداركُ ذلك؟ لأيقنَ أنّ هذه المشكلةَ لو تحمَّل الأمور لكان أيسرَ له من ذلك.
لا شكَّ أنَّ في النساء من لا تحسن المعاملة، أو من تقصِّر في الواجب أو نحو ذلك، ولكن ليس هذا بمجرَّده مبرّرًا لأن نتَّخذَ الطلاقَ حلاً لنا في مشاكلنا.
أيها المسلم، قد تواجه مشاكلَ مع امرأتك، مشاكلَ مع ولدك، مشاكلَ مع من تعاملُه، فاتق الله في نفسك، واعلم أن الطلاقَ من أبغض الحلال إلى الله، فما دام لك عن الطلاق معدلٌ فاعدل إليه، ولا تلجأ إليه إلا إذا تعذّرت الوسائل، وقلَّت الحيَل، واستعسرت الحياة، أما ما دُمت قادرًا على التحمل وإصلاح الوضع فإن الصبرَ نتائجه طيبة، صبرٌ قليل ترتاح به كثيرًا.
أيها المسلم، إن دينَ الإسلام لما شرع الطلاقَ لمصالح وحكمٍ اللهُ جل وعلا قدَّرها لم يشرعْ ذلك باختيار الرجل، ولم يجعلْ ذلك لتلاعب من يتلاعب واستخفاف من يستخفُّ به، ولكنه نظَّم أمرَ الطلاق نظامًا عادلاً، يناقض ذلك ما كان عليه أهلُ الجاهلية قبلَ الإسلام، فلقد كانوا قبلَ الإسلام يتلاعبون بأمر الطلاق، كان الرجلُ يطلِّق المرأةَ الطلقاتِ الكثيرة، وربما طلَّق ثمَّ راجع ثم طلَّق ثم راجع، وربما مضى مائة طلقة على المرأة، يتحكَّم فيها بهواه، فيطلِّقها فإذا قاربتْ انقضاءَ العدّة راجعها، وهكذا يستمرّ على ما يهوى ويريد، فجاء الإسلامُ فضيَّق ذلك، وجعلَ للطلاق عددًا محدودًا حرَّم على المسلم تجاوزَه، ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ [البقرة:229]، فإذا طلقها الثالثة حرمت عليه، فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230].
وجاءت تعاليمُ الشريعة لترشدَ المسلمَ إلى الطلاق المشروع الذي إذا سلك فيه السنةَ ارتاح وانشرح صدرُه وسلمت له الأمور، فربُّنا جل وعلا أمر المسلم إذا أرادَ أن يطلِّق أن يطلقَ امرأتَه طلقةً واحدةً في طهرٍ لم يسبقه جماع: يأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، ثم أمره إذا طلقها طلقة واحدة أن يبقيَها عنده في المنزل، فعسى أن تعودَ المياه إلى مجاريها، وعسى أن يزولَ ما في النفوس، وعسى أن تصلحَ الأحوال: لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ [الطلاق:1]، وحرَّم رسول الله على المسلم أن يطلقَ امرأتَه وهي حائض؛ لأنه إذا طلقها قد لا يأتيها وربَّما زالت الأمور، وحرَّم عليه أن يطلقها في طهر وطئها فيه، كلّ هذا حفاظًا على هذا العهد العظيم، وتضييقًا لأمر الطلاق حتى لا يتسرّع الناس في أمرٍ ينبغي لهم التأني فيه.
كما جاء في السنة تحريمُ جمع الثلاث في لفظ واحد، لمَّا طلق رجل امرأتَه ثلاثًا غضب النبي عليه وقال: ((أيُلعَب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!)) حتى قال رجل: ءأقتله يا رسول الله؟[5].
أيها المسلم، فكّر في الأمر قبل أن تقدِم عليه، وتروَّ في الأمر قبل أن تقدِم عليه، واستخِر الله واستشِر، وقارِن بين الأمور، ووازِن بين الحاضرِ والمستقبل، فإنَّك إن سلكتَ هذا الطريق فإنك ـ بتوفيق الله ـ ستُوقى شرورًا كثيرة، لكن الاستعجال في هذا الأمر والتسرّع في هذا الأمر وعدم المبالاة بهذا الأمر [هو] المصيبة.
أيها المسلم، للأسف الشديد أنَّ بعضَ الرجال يسيؤون التعاملَ مع المرأة، ويُلحقون الضرر والأذى بها، ويسعَون في جعل الطلاق ضررًا يُلحقه بالمرأة، والطلاقُ يجب أن يكون بإحسان، اللهُ يقول: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ [البقرة:229].
ثم فكِّر أيها الرجل، فكِّر التفكيرَ الجيّد في الطلاق، هل ما تُقدم عليه منفعةٌ لك؟ هل هو مصلحة محضة أم هو مضرة؟ ما هي النتائج؟ وماذا سيُعقب هذا الطلاق؟ وأين مصير الأبناء والبنات؟ وهل أنت قادرٌ على القيام بالرعاية أم يَضيع الولدُ والبنت [بين] الزوج والزوجة؟ لو فكَّر الرجلُ التفكيرَ الصحيح قبل أن يقدمَ على ما يقدم عليه، وأصلح الأخطاءَ إن كان منه خطأ، وعالج وضعَ الزوجة وأخطاءَها إن كان منها خطأ، واستشار واستخار اللهَ، وفكَّر في الموضوع التفكيرَ الصحيح الدَّال على التعقّل والتروِّي لكان الأمر يسيرًا، لكن المصيبة أن يجعل الطلاقََ أولاً وقبل كل شيء، ثم بعدما يطلِّق يندم ويتأسَّف ويبحث: هل له مخرج من هذه المضائق أم لا؟ إنه ندَمٌ لا ينفعه أحيانًا، فالواجبُ التأملُ والتروّي والتعقل في الأمور، والموازنة بين الحاضر والمستقبل، ودراسة الوضع دراسةً طيبة، دراسة متعقلة متأنية.
ثم على المرأة المسلمة أن تتقي الله، وأن لا تكون سببًا في طلاقها، وأن تصلح من أوضاعها وأخطائها.
ثم على أولياء الرجل وأولياءِ المرأة جميعًا أن يكونوا متحمِّلين لمسؤوليتهم؛ لأنَّ شيوعَ الطلاق في المجتمع ليس علامةَ خير، لا شكَّ أن الله أباحه لحكمة ومصلحة عندما تدعو الحاجة إليه، لكن إذا عُدل عنه ببقاء النكاح كان أفضلَ وأولى، فلو تعاونَ أولياء الزوجين فيما بينهم وكلٌّ أدّى واجبَه نصيحةً وتوجيهًا وإصلاحًا للأخطاء والأوضاع، لكان المجتمع سعيدًا بهذا.
فليتق المسلمون ربَّهم في طلاقهم، وليحرِصوا على أن يتأدَّبوا بآداب إسلامهم ليكون الطلاق واقعًا موقعَة، ولا يكون طلاقًا يمليه طيشٌ وهواء و تسرّع وعدم تعقّل وطاعةٌ لامرأة وخضوعٌ لرأي سفيه، لا بد من تأمّل وتعقّل في هذا الأمر حتى يكون المسلم على بصيرة، والله جل وعلا حذّرنا من أن نتّخذ آياتِ الله هزوًا: وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوًا وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ [البقرة:231].
فواجبنا تقوى الله في أنفسنا، وواجبُنا رعايةُ الحقوق الزوجية، وواجبنا أن نتحلى بالصبر والأناءة في الأمور، فعسى أن نوفّق لسلوك الطريق المستقيم.
لا شك أن المرأة المطلقة تعاني من آلام الطلاق، والرجل المطلِّق يعاني من آلام العزوبة، والولد الذي بينهما سيكون ضحيةً أحيانًا لسوء تصرّف كلٍّ من الزوج والزوجة، فليتق المسلمون ربهم، ولتكنْ أمورُهم على وفق شرع ربهم، لتستقيم الأحوال، وتستقيم الأسرة، ويزول النزاع والشر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الشروط (2721)، ومسلم في النكاح (1418) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
[2] جزء من خطبة النبي يوم عرفة، أخرجه مسلم في الحج (1218) من حديث جابر رضي الله عنهما.
[3] أخرجه البخاري في النكاح (5186)، ومسلم في الرضاع (1468) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[4] أخرجه مسلم في الرضاع، باب: الوصية بالنساء (1469) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] أخرجه النسائي في الطلاق، باب: الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ (3401) من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، وأعله ابن كثير في تفسيره (1/278) بالانقطاع، وقال الحافظ في الفتح (9/362): "رجاله ثقات, لكنّ محمود بن لبيد ولد في عهد النّبيّ ولم يثبت له منه سماع, وإن ذكره بعضهم في الصّحابة فلأجل الرّؤية, وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج له عدّة أحاديث ليس فيها شيء صرّح فيه بالسّماع. وقد قال النسائي بعد تخريجه: لا أعلم أحدا رواه غير مخرمة بن بكير ـ يعني ابن الأشج ـ عن أبيه اهـ. ورواية مخرمة عن أبيه عند مسلم في عدة أحاديث، وقد قيل: إنه لم يسمع من أبيه"، وصححه الألباني في غاية المرام (261).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن عدوَّ الله إبليس يستغلُّ غضبَ المسلم وطيشه، فيوقعه في المكروه، يزيِّن له الطلاقَ ليظنَّ أنَّ الطلاقَ هو الذي يخلِّص [من] المشاكل، وأن الطلاق هو الذي يُنهي النزاع، وأن الطلاق هو وهو...
لا يا أخي، الطلاق هدمٌ لهذا العقد، لا يُلجأ إليه إلا إذا تعذَّرت كلُّ وسيلة ممكنةٍ في التحام الزوجين وتعاونهما، ومتى أمكنك إبقاءُ هذا العقد وتحمل بعض الأمور فذاك خير لك.
أيها المسلم، إنَّ من يزيِّن لك طلاقَ امرأتك ويحسّنه لك اعلم أنه شيطانٌ ضدّك في أحوالك، و إلا فالمسلم يسعى في التوفيق والتأليف، لا في الفرقة والإبعاد.
أيها المسلم، جاء في الحديث عنه : ((إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ويبثُّ جنودَه في الخلق، فيأتيه آتٍ منهم فيقول: ماذا فعلت؟ قال: ما زلت بفلان حتى عقَّ أمَّه أو أباه، قال: ما فعلتَ شيئًا، يوشك أن يبرَّ أباه وأمه، ويأتيه الآخر ويقول: ما زلتُ بفلان حتى فرقتُ بينه وبين رحمه، قال: ما فعلت شيئًا، يوشك أن يعود إليهم، ويأتيه جندٌ آخر من جنده فيقول: ما فعلت؟ قال: ما زلتُ بفلان حتى طلق امرأته، قال: فيلتزمه ويقول: أنت وأنت وأنت))[1]، أعجبه فعلُه وتصرفه، هكذا شيطان الجن وشياطين الإنس الذين يعينون على هذه الأمور، ويسهِّلون هذه الأمور، والواجبُ على من سمع خلافًا أو شكا إليه شاكٍ من رجل أو امرأة أن يكونَ جوابه الحرصَ على التوفيق بين الزوجين، وجمعِ كلمتهما، وتحذيرهما من الطلاق ما لم تدعُ إليه حاجة قصوى، ومتى أمكن التحام الزوجين واستمرار حياتهما، وإزالة كل الأخطاء فذاك هو الأولى.
ثم أيها المسلم، طلِّق بالشروط الشرعية، فإنك إذا سلكتَ الأدب الشرعيَّ في طلاقك لم تندم، فإن الله جعله ثلاثًا، واحدة ثم الثانية ثم الثالثة، فلعل بعد الواحدة تندم المرأة وتتأسَّف من أخطائها، أو لعلك أنت المخطئ فتراجع نفسك، ثم الطلقة الثانية، ولعلك بعدها أن تتأمَّل، ثم يقال: لم يبقَ إلا واحدة، فإما أن تمسك بمعروف أو تُسرّح بإحسان، وإياك ـ يا أخي ـ وكثرةَ [الدعاوي] في هذا الأمر، وكثرة النزاع والخصام، إن المشاكلَ الزوجية لو تعاون الأهلون والزوجان فيما بين الجميع لأمكن علاجُ هذا من غير اضطرار وترافعٍ للمحاكم، لو تعاون الجميع في رأب الصدع والتوفيق والإصلاح لكان في ذلك خير كثير.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية لما يحبه ويرضاه، وأن يصلح شأن المسلمين عمومًا، ويجمع كلمتهم على الخير، ويعيذ الجميع من مكائد الشيطان.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة (2813) من حديث جابر رضي الله عنهما بنحوه.
| |
|