molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المسلم أخو المسلم - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 22 ديسمبر - 6:03:53 | |
|
المسلم أخو المسلم
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، من نِعم الله على العبدِ أن يجعلَ قلبَه طاهرًا من الغلِّ والحِقد، سليمًا مِن هذا المرضِ الخطير، فمن رزقَه الله طهارةَ القلب وسلامتَه من الغلّ والحقد فليعلم أنّها نعمة عظيمةٌ من الله عليه، فليشكرِ اللهَ عليها.
وقد أثنى الله على عبادِه المؤمنين في دعائهم حيث قال الله عنهم أنّهم قالوا: رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10]. فأثنى الله عليهم بدعائهم لمَن سبقهم بالإيمان وسؤالِهم اللهَ أن لا يجعلَ في قلوبهم غلاّ على أهلِ الإيمان.
وقال الله جلّ وعلا في معرض دعاء إبراهيم لمّا قال: يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89]. فالقلب السليمُ هو الذي سلِم من الشّبهات التي تعارِض شرعَ الله، ومِن الشهواتِ التي تخالف ما نَهى الله عنه، فيكونُ طاهرًا من الشّرك، طاهرًا من الغلِّ والحِقد، طاهرًا من أمراض الشّهوات التي تؤدِّي به إلى الرذائل.
أيّها المسلم، في طهارةِ القلبِ مِن الغلّ والحِقد طمأنينةٌ للقلب وسكينة في النّفس وانشراح صدرٍ وراحة بال، ونبيّنا قد حذَّرنا مِن أشياء تسبِّب بُعد بعضِنا عن بعض وبغضَ بعضِنا لبعض، فروى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: ((لا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تناجَشوا، ولا تدابَروا، ولا يبِع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا. المسلمُ أخو المسلِم؛ لا يظلِمه، ولا يخذِله، ولا يكذِبه، ولا يحقِره. التّقوى ها هنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات، ((بِحَسب امرئٍ من الشرّ أن يحقرَ أخاه المسلم. كلُّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضه))[1].
أيّها المسلم، سمعتَ كلامَ محمّد ، وهو ينهاك عن هذِه الأمور، ويوجِّهكُ التوجيهَ السليم الذي يحصل به تآلفُ القلوب ووحدة الصّفّ واجتماع الكلمة.
فأوّلا ينهى عن الحَسَد بقوله: ((لا تحاسَدوا)). وحقيقةُ الحَسَد المذموم تمنِّي الإنسان زوالَ نعمةِ الله عَن غيره، فهو يتمنَّى ويسعَى ويبذل جهدَه أن يسلبَ الله عن عبده نعمةً تفضّل بها عليه. لماذا؟ لأنَّ قلبَه ملِيءٌ بالغلّ والحقد على المسلم، فهو يسعى بالقول والفِعل أن ينتزِع تلك النعمةَ من يدِ العبد، إمّا أن تعودَ إليه، وإمّا أن يتمنّى زوالَها ولو لم يحصل عليها، المهمّ أن لا تبقى النّعمة بيدِ أخيه، يحسده على علمِه، يحسده على مالِه، يحسده على منصبِه، يحسده على كفافِه وعفّته، يحسده على طمأنينة نفسِه وانبساطِ حاله، النّاس لا يسلمون من شرِّ ذلك الحاسد.
هذا الحسدُ ظهَر أثره في لسانِه، فلسانُه دائمًا بالغيبة والبهتان وإلصاقِ التّهم بالمسلم، والسّعي في ذلك. كلّما اتَّسع به المجلِس سعَى في ثلب أخيه ونشرِ عيوبه إن كان له عيب، وإفشاءِ أسراره، والحطِّ من قيمتِه لدى الناس، حتى يكرهوه ويسيؤوا به الظّنّ. وقد يَرتكِب الكذب والبهتَان في ذلك، فلا مُبالاة إذِ الدين قد ضعف، فهو لا يمنعه دينٌ ولا يردعه حياء.
وهذا خلقٌ ذميم، هو أصلُ ذنب إبليس الذي حسَد أبانا آدَم على تفضيلِ الله له، فقال معترِضًا على أمر الله بالسجود لآدم: أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [ص:76].
وهو خُلُق أعداء الله، فقد ذكر الله في كتابِه، أنَّ مِن أخلاق اليهود حسدَ المسلمين على نعمة الله عليهم بهذا الدين، وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ [البقرة:109]، وقال: أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54].
إذًا فماذا واجب المسلم؟ واجبه أن يرضى بقَسم الله، وأن يعلمَ أنّ الله حكيم عليم في عطائه ومنعه، فلا يعترض على الله، ولا يحقِد على أخيه، يسأل الله من فضله، ففضلُ الله واسع، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [القصص:68].
ثمّ نهانا نبيّنا عن التباغُض بقوله: ((ولا تباغَضوا)). أجل، أنتم مؤمنون، إخوة في إيمانكم، بعضُكم وليّ لبعض، وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:71]. إذًا فليس للبَغضاء مَجال، وإنّما المحبّة في ذات الله والموالاة لأهل الإيمان، أمّا البغض الذي منشؤه الأهواء فإنّ ذلك ممنوعٌ منه المسلم، إنّما البغض في الله من أحبّ في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله، فإنّما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجِد أحد طعمَ الإيمان ولو كثُرت صلاته وصومُه حتى يكونَ كذلك، أمّا البغض الذي يمليه الهوى والحسد والحقد فالمؤمن مأمورٌ بالبعد عنه، وفي الحديث: ((دبّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، حالقة الدين ولا أقول تحلق الشعر))[2].
ثمّ إنّه نهانا عن خُلُق آخر، هو سببٌ أيضًا لبُعد بعضنا عن بعض فقال: ((ولا تناجشوا)). نهانا عن النّجَش، والعلماء يقولون: إن النّاجش هو الذي يزيد في السّلع المعروضة للبيع لا يريد شراءَها، ولكن يرفع السّعر لينفعَ به البائع أو يضرَّ به المشتريَ فقط، فالنّاجش خائنٌ آكل للربا، النّاجش يضرّ أخاه المسلم، سلعةٌ يُسام عليها مثلا بألف، ويأتي ويسومها بألفين، يظنّ السامعُ حقيقةَ ما قال، والواقع أنّه كاذب لينفعَ البائعَ أو ليضرَّ بالمشتري، وقد يكون شريكًا في السلعة، يزيد فيها ليظنّ السامعون حقيقةَ الأمر، والواقع أن المصلحةَ تعود عليه ذاتِه، وعلى شركائه، فيكون في ذلك تغريرًا بالمسلم، ويسبِّب ذلك البغضاءَ والعداوة بين المسلمين.
ثمّ ينهانا عن خُلُق آخر فيقول: ((ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض)). فنهانا أن يبيعَ بعضنا على بيع بعض، بمعنى أنّ أخاك المسلمَ لو اشترى سلعةً يساوم على سلعةٍ ليشتريَها فإيّاك أن تبيعَ على بيعة، بمعنى أن تغريَ المشتريَ فتقول: أعطيك سلعةً مثل هذه بأقلَّ من ذلك الثمن، أو تقول للبائع: اجعل البيعَ لي وأنا أزيدُ في الثمن، وهو قد توجّه للبيع على أخيك المسلم، فهذا يعتَبَر منك إلحاقَ ضرر بأخيك، ويحدِث بينكما عداوة.
ثمّ نهانا بقوله: ((ولا تدَابَروا)). نهانا أن يهجرَ بعضنا بعضا، وفي الحديث: ((لا يحلّ لمسلم أن يلقَى أخاه المسلم فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهم الذي يبدأ بالسلام))[3].
ثمّ أخبرنا نبيّنا بأمرٍ جامع بقوله: ((وكونوا عبادَ الله إخوانا))، ومن لازم هذه الأخوّة أن لا حسدَ ولا بغضاء ولا نجَش ولا بَيع بعضِنا على بيع بعض ولا تدَابر، لأنّ الأخوّة تقتضي المحبّة والمولاةَ والنّصرة والتّأييد.
ثمّ بيّن حقيقةَ الأمر بقوله: ((المسلمُ أخو المسلم))، أخوّة الإيمان هي الأخوّة الصادقة، الأخوّة الثابتة، إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. نتائجُ هذه الأخوة أنّ المسلم كونه أخًا للمسلم لا يظلمه، فلا ظلمَ بين المسلمين بعضِهم لبعض ولا ظلمَ منهم أيضًا حتّى لغير المسلم، فإنّ الظلم محرَّم في شريعة الله، والله قد تنزَّه عن الظّلم وترفّع عنه، ((يا عبادي، إنّي حرمة الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا))[4]. فلا تظلمه في مالِه، ولا تظلِمه في عِرضه، ولا تظلمه في دمه، وابتعِد عن ظلمه بأيّ وسيلة كانت.
((لا يظلمه ولا يخذله))، لا تخذل أخاك المسلم، بل كن مؤيّدًا له وناصرًا له، رادعًا له عن الظّلم إن أراده، مانِعًا من وقوع الظّلم عليه، كما في الحديث: ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟! قال: ((تردعُه عن الظلم، فذاك نصرك إياه))[5].
خذلانُك المسلمَ بأن تمتنعَ عن نصره، تراه يهان ويذلّ وينتهَك عرضه ويلصَق به التّهم وأنت ساكت لا تحمي عرضَه ولا تدافع عنه، وفي الحديث: ((مَن خذل أخاه في موطنٍ وهو يقدر على نصرته خذله الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة))[6]، وفيه أيضًا: ((مَن خذل أخاه في موطنٍ ينتَقَص عرضه وتنتَهَك محارمه ـ أي: حرمتُه ـ إلاّ خذله الله في موضع يحبُّ نصرتَه فيه، وما مِن مسلم ينصر أخاه في موطنٍ تنتهك حرمتُه وينتَقَص من عِرضه إلا نصره الله في موطنٍ يحبّ نصرتَه فيه))[7].
فيا أخي عندما يضمّ مثلَك مجلس، ويتحدّث البعضُ عن أيّ مسلم كان، ويقولون فيه ما هو بريء منه، وينسبون له من التّهم ما الله عليم براءَته منه، وأنتَ على ثقةٍ بذلك، فاحمِ عرضَ أخيك المسلم، وأمُر أولئك الهمّازين اللّمازين، مُرهم بالسكوت، وقُل: دَعوا أعراضَ الناس، ودَعوا لحومَ الناس، وأشغِلوا أنفسكم بعيوبكم، فهو أولى من أن تكونَ المجالس في الطّعن في فلان ونقد فلان، هذه الرذائل إنما تقَع من قومٍ لا خيرَ فيهم، إيمانٌ ناقص، يريدون أن يكمِّلوا أنفسَهم بعيب غيرهم وانتقاص غيرهم والسّخرية بغيرهم، أي: يهمِزون ويلمزون ويطعَنون ويتّهمون ويقذِفون من غير مبالاة، فتكون المجالس مجالسَ سوءٍ وبهتان والعياذ بالله.
ثمّ ينهانا نبيّنا بقوله: ((ولا يكذِبه)). المسلمُ لا يكذِب أخاه، يخبِره بالصدق، ولا يخبرُه بكذب وباطل، فإنَّ الصدقَ خلُق المسلم، وهو يظنّ بأخبارك الصدق، فإيّاك أن تحدّثه حديث كذِب، هو يرى أنّك صادق وأنت كاذب لتنقلَ الكذب أو يُساء بك الظنّ، فاتَّق الله في حمايةِ عِرض المسلم.
ثمّ ينهانا عن خلُق آخر بقوله: ((ولا يحقره)). المسلمُ لا يحقِر أخاه، لا يحقره بمعنى أنّه يعزّه ويعلي شأنَه، وإن فضُلت عليه علمًا أو فضلت عليه مالا أو فضلت عليه جاهًا أو فضلتَ عليه منصبًا، فهو أخوك في الإسلام، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مّنْهُنَّ [الحجرات:11].
فإيّاك واحتقارَ أخيك المسلم، إياك أن تحتقره، والاحتقارُ إنّما ينشأ من كبرٍ في القلب وتعلٍّ على الناس، فيَرى غيرَه منزلتُه دنيئة، ويرَى غيره ليس أهلا له ولا كفؤًا له، ويرى نفسَه فوق الجميع، والكبرُ بطر الحقّ وغَمط النّاس. قال أبو ذرّ لرجل: يا ابن السوداء، قال له النّبيّ: ((إنّك امرؤ فيك جاهلية))[8].
كلُّ هذه الأمور نَنهى عنها محافظةً على رأب الصّدع ووحدة الصفّ واجتماع الكلمة وتآلف القلوب، والمسلم يسعَى في الإصلاح وجمعِ الكلمة ونصيحةِ المسلم وتوجيهِه دونَ أن يكونَ همّازًا لمّازا، وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم:10-12].
أسأل اللهَ لي ولكم التوفيقَ والهداية والعونَ على كلّ خير، وأن يصلحَ قلوبَنا وأعمالَنا، ويجمَعَ قلوبَنا على الخير والهدى، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في البر (2564).
[2] أخرجه أحمد (1/164، 167)، والترمذي في صفة القيامة (2510)، والطيالسي (193)، وعبد بن حميد (97)، والبزار (2232)، وأبو يعلى (669)، والشاشي (54، 55)، والبيهقي في الكبرى (10/232) من حديث ال+ير بن العوام رضي الله عنه، وفي سنده اختلاف، قال المنذري في الترغيب (3/347) والهيثمي في المجمع (8/30): "إسناده جيد"، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب (2695، 2888).
[3] أخرجه البخاري في الأدب (6077)، ومسلم في البر (2560) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه بنحوه.
[4] أخرجه مسلم في البر (2577) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري في الإكراه (6952) من حديث أنس رضي الله عنه بنحوه.
[6] أخرجه أحمد (3/287)، والطبراني في الكبير (6/73) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه ولفظه: ((من أذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصرَه أذلّه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة))، قال الهيثمي في المجمع (7/267): "فيه ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات"، وهو مخرج في السلسلة الضعيفة (2402).
[7] أخرجه أحمد (4/30)، وأبو داود في الأدب (4884)، والطبراني في الكبير (5/105)، والبيهقي في الكبرى (8/167) من حديث جابر وأبي طلحة الأنصاريين رضي الله عنهما، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1353، 1700).
[8] أخرجه البخاري في الأدب (6050)، ومسلم في الأيمان (1661) من حديث أبي ذر رضي الله عنه بنحوه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، النبي قال في الحديث: ((التقوى ها هنا))، قال الراوي: وأشار إلى صدره ثلاثَ مرات، ((بحسبِ امرِئ من الشرّ أن يحقرَ أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)).
حقيقةُ التقوى ما استقرّ في القلب، فإذا استقرَّ في القلب ترك أثرا على الجوارح في السّلوك والتّصرفات، وفي الحديث: ((إنّ الله لا ينظر إلى صوَركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))[1]، ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ [الحج:32].
ثمّ يقول : ((بِحسبِ امرِئ من الشرّ أن يحقرَ أخاه المسلم))، كافيك إثمًا حقرانك للمسلمين، وسخريّتك بالمسلمين، واعتقاد أنّ لك منزلةً فوق منازلهم، وأنّ لك مكانا فوق مكانتهم. التفاضل عند الله إنّما هو بتقواه والعملِ الصالح، يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ [الحجرات:13]، وفي الحديث: ((ومَن بطّأ به عمله لم يُسرِع به نسبُه))[2].
ثمّ قال كلمةً جامعة: ((كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمه ومالُه وعرضه))، فحرّم دماءَ المسلمين، وحرّم أموال المسلمين، وحرّم أعراضَ المسلمين، فقال: ((كلّ المسلم على المسلم حرام))، حرامٌ عليك سفكُ دمِه بغير حقّ، حرام عليك محاولة قتلِه بغير حقّ، حرام عليك سعيُك في الأرض بالفساد، حرامٌ عليك التعاون على الإثم والعدوان، حرامٌ عليك أن تتستَّر على مجرم أو مفسدٍ يريد الإفسادَ في الأرض، حرام عليك أن تعينَ ظالمًا على ظلمه ومعتديًا على عدوانه، وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ [المائدة:2]. حرمة دماء المسلمين حرمةٌ عظيمة، لزوال الدّنيا بأسرها أهونُ على الله من سفكِ دمٍ بغير حقّ، وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].
أموالُ المسلمين محرّمٌ عليك أن تعتديَ عليها سرقة اغتصابًا غِشًّا تعدّيًا، ((ومن اقتطع شبرًا من الأرض طوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين)). أعراضُهم حرام عليك انتهاكُها، وواجب احترامُها.
هذا هو دين الإسلام، فصلوات الله وسلامه عليه، ما أعظمَ نصحه وتوجيهَه لأمّته، فقد نهى عن أسبابِ الشرّ، عن أسباب البغضاء والعداوة، وأرشدَ الأمّة إلى ما يجمَع قلوبَها ويوحِّد صفَّها ألا وهو تمسّكها بدينها وثباتها عليه، هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:62، 63]، وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103].
فنسأل الله الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ عليه، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على نبيّكم محمّد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمّد سيّد الأوّلين والآخرين، وارض اللهمَّ عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه مسلم في البر (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] جزء من حديث أخرجه مسلم في الذكر (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
| |
|