molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المعاصي - عبد الحميد التر+تاني الجمعة 25 نوفمبر - 4:17:37 | |
|
المعاصي
عبد الحميد التر+تاني
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون: ما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟.
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه؟ بدّل بالقرب بعدا و بالرحمة لعنة وبالجمال قبحا، وبالجنة نارا تلظى وبالإيمان كفرا وما الذي غرّق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟
وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم، وصارت بيوتهم عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمع الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعا ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ولإخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله الأرض؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟
تساؤلات كثيرة تحتاج إلى جواب إنها ولا ريب الذنوب والمعاصي، روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال (لما فتحت قبرص فرق أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك، يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى).
وروى أيضا من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله يقول: ((إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان))، وفي سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله فقال: ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتلتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا +اة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم)) حديث حسن.
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى تهلكنه)).
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه قال: ((إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنعدها على عهد رسول الله من الموبقات)).
وقال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من تعصي. وقال وهب بن الورد: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.
وعن أبي الدرداء أنه قال: (ليحذر امرؤا أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر) ثم بين قائلا: (إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقي الله بغضه في قلوب الخلق وهو لا يشعر).
وكان الإمام أحمد دائما يتمثل قول أبي العتاهية:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة و لا أن مـا يخفـى عليه يغيب
وقال آخر:
يا مدمن الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكا
غرك مـن ربك إمـهاله وستره طول مساويكا
وقال ذو النون: من خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية.
ومن أعجب ما روي عن أبي جعفر السائح قال: كان حبيب التاجر يكري الدراهم بالربا، فمر ذات يوم بصبيان فإذا هم يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا فن+ رأسه وقال: يا رب أفشيت سري إلى الصبيان فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب إني أسير وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فأعتقني فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة ثم مر ذات يوم بأولئك الصبيان فقال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد فبكى وقال: اللهم أنت تذم مرة وتحمد مرة وهذا كله من عندك.
فولوج الناس باب المعاصي هو من أعظم أسباب البلاء التي تحل بالأمة وسبب لزوال النعم، وذلك لأن الله يغار وغيرته أن يعمل بمعاصيه وفي الصحيح أن رسول الله قال: ((لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن)).
فالعصاة عندما حاربوا الله بأنواع المعاصي سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد .
فالمعاصي أيها الأحبة: تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا حتى يصعب على العبد مفارقتها، والخروج منها حتى تصير المعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة، فلو عطل العاصي المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه حتى يعاودها، حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها إلا لما يجد من الألم بمفارقتها.
والناظر للواقع الذي نعيشه يجد كثيرا من المعاصي التي عمت بها البلوى وأصبح الكثير يظنها حلالا وذلك لانتشارها بين الناس فسأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
فمن أعظم الذنوب والمعاصي التي يقع فيها بعض الناس هو معصية الربا، وهو كبير من كبائر الذنوب وسبب مؤذنٌ لحرب الله، وأدناه كأن ينكح الرجل أمه، ولقمة منه تعدل ستة وثلاثين زنية وهو أعظم من كبيرة الزنا الذي فيه فساد الأنساب.
ومن المعاصي أيضا الزنا الظاهر وذلك بتبرج النساء وتعطرهن وإلقاء الحشمة جانبا وقد قال : ((أيما امرأة خرجت من بيتها متعطرة فهي زانية وكل عين تنظر إليها زانية)). وركوبها مع السائق وخروجها معه بدون محرم هذا من الخلوة المحرمة وهو من المعاصي التي لا ترضي الله.
أيها الإخوة: لقد كثر في مجتمعنا تضييع الصلوات وترك الجمع والجماعات لقد كثر أكل الحرام من الربا والغش في المعاملات والرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل بأنواع الحيل وشهادة الزور والأيمان والفاجرة في الخصومات لقد ارتفعت أصوات المعازف والمزامير والمغنيات في البيوت، والدكاكين والسيارات وما علم هؤلاء أن سبب فساد القلوب هو الغناء كما قال عبد الله بن مسعود: (الغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء العشب).
لقد تبرجت النساء في الأسواق وزاحمت الرجال كاسيات عاريات مائلات مميلات وتمرد هؤلاء النسوة على القيم وعلى المبادئ الشريفة فأصبحت الواحدة منهن لا تبالي بما تفعل وترتكب المعاصي وما خفي أعظم، كثرت على الأسطح قنوات البث المباشر، لكي يشاهد أصحابها ما يبث عبر القنوات الخارجية من أغاني وتفسخ وعري ومجون ألا يتقي الله هؤلاء.
ولقد ضاع أيضا كثير من الشباب ونشأوا على الأخلاق الرذيلة والعادات السيئة والجهل بأمور دينهم وصار همّ الكثير منهم تقليد الكفار في شعره ولباسه وكلامه ومشيته، فحلقوا لحاهم وأرسلوا شواربهم وشعر رؤوسهم وأطالوا أظافرهم وأسبلوا ثيابهم وتختموا بخواتيم الذهب وضيعوا أوقاتهم وصرفوا كل طاقاتهم فيما لا يفيد لا في الدين ولا في الدنيا فأصبح الكثير منهم لا صلة له بالقرآن ولا صلة له بالمسجد ولا صلة له بأهل الخير، لا صلة له بوالديه، لا يعرف إلا النوادي الرياضية والمقاهي وقرناء السوء وغير ذلك من المنكرات. بل إن دائرة المنكرات دائرة واسعة تشمل هذه التي ذكرنا وتشمل غيرها من المبتدعات التي فرقت المسلمين وأضعفت صفوفهم وأذهبت ريحهم وجعلتهم طعمة لكل طامع، وضحكة لكل ساخر ولعبة لكل عابث كالنعرة القومية والقبلية والإقليمية والجنسية والمذهبية، والتعصب لهذه الأصنام التي لا تقل خطرا عن الأصنام التي حطمها أبو الحنيفية إبراهيم عليه السلام وحطمها بعده محمد حيث قال: ((ومن ادعى بدعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله)).
أيها الإخوة: إن المعاصي في مجتمعاتنا المعاصرة قد تكاثرت وتنوعت بشكل يخيف، بل لا نكون مبالغين إذا قلنا أنه قد حدث في مجتمعاتنا معاص لم تكن معروفة من قبل بسبب ما مكن الله لهذا الجيل من تسخير ما في الكون من أسرار وتفجير ما في الأرض من خيرات واختلاط العالم بعضه ببعض بسبب سهولة المواصلات، وأنه يا عباد الله يُخشى علينا من العقوبة المهلكة فعلينا أن نتبنه لأنفسنا ونرجع إلى ربنا لنتدارك أمرنا، وقد ينزل الله من العذاب والبأس والبلاء مثل الكوارث والجوائح والزلازل التي تجعل العصاة نكالاً لمن يأتي بعدهم كما عذب القرون الأولى وقد يكون غير ذلك من البلاء والفتن التي تسلبهم نعمة الأمن والاستقرار وتضربهم بالخوف والجوع والذلة والمسكنة كما قال تعالى: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
أيها الإخوة: اعلموا أن الإنسان الذي يقع في معاصي الله وينتهك حرماته يعاقبه الله بعقوبات كثيرة .
من هذه الآثار العقابية القدرية المضرة بالدين والقلب والبدن وغير ذلك مما يحيط بالمعاصي وتلمّ بها وهي متفاوتة بحسب تفاوت المعاصي في درجاتها ومفاسدها، فمنها سواد في الوجه وظلمة في القلب، وضيقه وهمه وغمه وحزنه وألمه وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه وتمزق شمله وضعفه في مقاومة عدوه وتعريه من زينته بالثوب الذي جعله الله زينة له وهو ثوب التقوى، ومنها زوال أمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، ومنها وقوعه في بئر الحسرات، فلا يزال في حسرة دائمة كلما نال لذة نازعته نفسه إلى نظيرها إن لم يقض منها وطرا أو إلى غيرها وكلما اشتد نزوعه وعرف عجزه اشتدت حسرته وحزنه، فيالها من نار قد عذب بها القلب في هذه الدار قبل نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة.
ومنها نقصان رزقه، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه أو يحرم بركته ومنها حصول البغضة والنفرة منه في قلوب الناس.
ومنها أن يحرم حلاوة الطاعة فإذا فعلها لم يجد أثرها في قلبه من الحلاوة والقوة وزيادة الإيمان والرغبة في الآخرة فإن الطاعة تثمر هذه الثمرات ولابد. ومنها قوة القلب واعلموا أيها الإخوة أنه ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب وإنما خلقت النار لإذابة القلوب القاسية وإذا قسى القلب قحطت العين وجفت من الدمع.
ومنها أن المعصية تورث الذل ولابد فإن العز كل العز في طاعة الله قال تعالى: من كان يريد العزة فإن العزة لله جميعا .
قال ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
و ترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وكلما اشتدت ملابسة الإنسان للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يتقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له ويسعى له في تحصيله ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله والجنة عليه حرام وهذا يدل على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له.
ومن عقوبات المعاصي: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه وفي الصحيح: ((الحياء خير كله)).
ومن أعظم العقوبات أن لا يشعر المعاقب بالعقوبة، وأشد منه أن يقع السرور بما هو بلاء وعقوبة فيفرح بالمال الحرام، ويبتهج بالتمكن من الذنب، ويسر بالاستكثار من المعصية ومن كان هذا حاله فمتى ترجى منه التوبة والطاعة؟ وهذا بالنسبة للفرد وأما إذا رضي المجتمع بها فسوف يضر بهم الله بأنواع البلاء كما ذكرنا حتى يعم الجميع.
أيها الإخوة: إن الذنب بعد الذنب يقطع طرق الطاعة ويصد عن سبل الخيرات ومن ثم يقسوا القلب وتستحجر النفس فيبتعد من التوبة النصوح، والدليل على هذا أن كثيرا من أرباب المعاصي تتحرك بالتوبة ألسنتهم، وتنطق بالاستغفار أفواههم، أما قلوبهم فمنكرة وعلى المعاصي مصرة وهذا من أعظم الأمراض، وهذه بعض العقوبات التي يعاقب بها العصاة في الدنيا قبل الآخرة ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
فاتقوا الله أيها المسلمون وابتعدوا عن المعاصي والآثام.
يبارك لكم في أموالكم وأوقاتكم وأولادكم وتنالوا رضا ربكم في الدنيا والآخرة.
| |
|