molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحث على المسارعة إلى الخيرات - صالح بن فوزان الفوزان الأربعاء 16 نوفمبر - 10:38:45 | |
|
الحث على المسارعة إلى الخيرات
صالح بن فوزان الفوزان
الخطبة الأولى
أما بعد:-
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وبادروا حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها بفعل الخيرات والاكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الانسان وبين العمل غير مامونة، وأنت أيها العبد بين زمان مضى لا تستطيع رده، وزمان مستقبل لا تدري: هل تدركه أو لا؟ وزمان حاضر إن استفدت منه، وإلا ذهب منك وأنت لا تشعر، فاستدرك ما مضى بالتوبة مما فرطت فيه، واستغل حاضرك بإغتنام أيامه ولياليه، واعزم على الاستمرار في الطاعة فيما تدرك من مستقبلك يكتب لك ثواب نيتك إن لم تدركه، وتوفق إن أدركته لعمل ما نويته فيه.
عباد الله: إن الله سبحانه قد أمرنا بالمسارعة والمسابقة إلى الخيرات قبل فواتها قال تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين ، قال تعالى: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم [الحديد:21].
والمسارعة والمسابقة تعنيان المبادرة إلى تحصيل شيء يفوت بالتاخير عن طلبه ويندم على فواته. لا سيما إذا كان ذلك الفائت شيئا عظيما تتعلق به النفوس، ولا شيء أعظم من الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض. ومن فاتته فليس له بديل عنها إلا النار، فما أعظم الحسرة، وما أفدح الخسارة، ويا هول المصيبة. لقد وصف الله رسله وصفوة خلقه ومن اتبعوهم بأنهم يسارعون في الخيرات. فقال تعالى: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين [الأنبياء:90]، وقال تعالى: أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون [المؤمنون:61].
وهؤلاء هم القدوة لأنهم اصحاب العقول النيرة، والبصائر التي تدرك العواقب، وتعرف المصالح والمضار، بما أعطاهم الله من نور الايمان، وفهم القران، وبما عرفوا قدر المطلوب وقيمته وهو الجنة وسرعة زوال الوقت وفواته، وبادروا بالطلب قبل فوات الأوان، ومدحهم الله واثنى عليهم في محكم القران، ليكونوا قدوة صالحة لبني الانسان.
إن الإنسان قد أعطي إمكانات يستطيع بها المسارعة إلى الخيرات إذا استغلها لذلك، أعطي صحة في جسمه، ووقتا للعمل، وفراغا له، وكل واحدة من هذه الامكانات لها مضاد يبطلها إن لم تستغل قبل حصوله، فالصحة يعرض لها المرض، والوقت ينقضي ويزول، والفراغ يشغل بأمور أخرى، فالواجب على الانسان استغلال هذه الطاقات بالخير، قبل أن تعطل بالعوارض.
عباد الله: إن الشيطان يحرص على تفويت الخير على ابن ادم ويحاول حبسه عنه مهما استطاع، فإن استطاع منع ابن آدم من فعل الخير بالكلية وشغله بالشر فإنه لا يالوا جهدا في ذلك، كما فعل بالكفار والمنافقين، وإن لم يستطع منع ابن ادم من الخير فإنه يكسله عنه ويشغله عنه حتى يفوته عليه، كما يكسل عن الصلاة وإخراج ال+اة، وكما يفعل مع كثير من الناس اليوم ممن يرتادون المساجد للجمعة والجماعة، فإنه في صلاة الجمعة ي+لهم عن التبكير بالحضور إليها، فبعضهم لا ياتي الا عند دخول الخطيب، وبعضهم لا ياتي إلا عند الاقامة، وبعضهم لا ياتي إلا في آخر الصلاة، فيفوت عليهم ثواب التبكير إلى الجمعة، وقد ورد في حديث ابي هريرة – - أن رسول الله قال : (( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكانما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ))، متفق عليه.
ومن الناس من يفوته هذا الاجر ويفوته استماع الخطبة ايضا فلا يحضر إلا عند الاقامة أو في آخر الصلاة.
وإستماع الخطبة أمر مطلوب من المسلم؛ لأن النبي – - حث على إستماعها، ونهى عن الكلام والامام يخطب؛ لأنه يشغل عن ذلك، عن علي بن ابي طالب – - قال : إذا كان يوم الجمعة خرجت الشياطين يرّيثون الناس إلى اسواقهم – أي: يؤخرونهم – وتقعد الملائكة على ابواب المساجد يكتبون الناس على قدر منازلهم، السابق والمصلي والذي يليه حتى يخرج الامام، فمن دنا من الامام فأنصت واستمع ولم يلغ كان له كِفْلان من الأجر، ومن نأى، أي : بعد عن الامام، فاستمع وانصت ولم يلغ كان له كِفْل من الاجر، ومن دنا من الامام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كِفْلان من الوزر … الحديث، قال علي بن ابي طالب – - : سمعته من نبيكم – - ورواه احمد وأبو داود بلفظ آخر.
وعن أبي هريرة – - قال: قال رسول الله – - : ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام ))، رواه مسلم وغيره، ومعنى : غُفر له، أي : غُفرت ذنوبه الصغائر وذلك بشرط اجتناب الكبائر.
وفي هذين الحديثين أن استماع الخطبة أمر مقصود ومطلوب من المسلم يؤجر عليه إذا فعله. ويأثم إذا تركه. ويفوته الانتفاع بما يرد في الخطبة من الوعظ والتذكير والارشاد إلى ما فيه الخير والتنبيه على الأخطاء التي قد يكون مرتكبا له وهو لا يدري.
وبعض الناس يستهين بشأن الخطبة ولا يلقي لها بالا، بل يعتبرها أمرا عاديا، فلذلك يحرمون من فوائدها وأجر الاستماع لها، والله سبحانه قد أمر بالسعي إليها وحضورها في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ، وذكر الله: هو الخطبة في قول كثير من المفسرين. مما يدل على أهمية الخطبة وتأكد حضورها واستماعها. ومما يفوت على الذي يتأخر في حضوره لصلاة الجمعة: حصوله على مكان في الأول والتنفل بالصلاة وقراءة القرآن قبل الخطبة وذلك نقص عظيم لما روي عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله – - يقول : ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سَنة أجر صيامها وقيامها )). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما.
فاتقوا الله – عباد الله – ولا تفوتوا على أنفسكم هذه الخيرات، والذي يطلب منكم إنما هو زمن يسير تتقدمون فيه إلى الجمعة وتحصلون فيه على هذه الخيرات العظيمة. والوعود الكريمة، ولو ذكر لأحدكم طمع دنيوي - ولو كان يسيرا - لبادر إلى طلبه وصبر على ما يعترضه من المشاق ولم يتأخر عنه. فهل أنتم ممن يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة، وهل ترضون لأنفسكم بالصفقة الخاسرة ؟.
فاتقوا الله – عباد الله – وامتثلوا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إلى آخر السورة [الجمعة:9-11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، شهد لِعُمَّار بيوته بالايمان، فقال : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر وأقام الصلاة وآتى ال+اة ولم يخش الا الله ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله واصحابه ومن اهتدى بهداه، وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واستبقوا الخيرات قبل فواتها، وحاسبوا أنفسكم على زلتها وهفواتها، وكفوها عن الإغراق في شهواتها، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني.
عباد الله : من الناس من يتأخر عن حضوره صلاة الجماعة، فلا يأتي الا عند الإقامة، أو بعد ما يفوت بعض الصلاة أو كلها، فهو يقوم إلى الصلاة ويأتي إليها، ولكنه كقيام واتيان الذين قال الله فيهم: واذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى [النساء:142]، وقال فيهم: ولا ياتون الصلاة إلا وهم +الى [التوبة:54].
والبعض الاخر يتأخر نهائيا عن الحضور ويصلي في بيته منفردا، وبعدما يخرج وقت الصلاة، فيكون من المضيعين للجماعة والمضيعين للوقت، وذلك في الحقيقة تضييع للصلاة. كما قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً [مريم:59]. وقال فيهم: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [طاعون:4-5]. وذلك بسبب تلاعب الشيطان بهم وشغله إياهم بأنواع من الملهيات عن ذكر الله وعن الصلاة، بعضهم يشغله بلهو الحديث الذي هو استماع الملاهي والأغاني ومشاهدة الأفلام والمسلسلات حتى يضيع عليه الجماعة أو وقت الصلاة وقد يسهر على ذلك وينام عن صلاة الفجر، فيكون من الذين قال الله تعالى فيهم: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين ، ولهو الحديث هو الأغاني وما يصحبها من الات اللهو كالمعازف والمزامير. وما جد في هذا الزمان من الافلام والمسلسلات،فإنه يدخل في لهو الحديث، ومن الناس من يصده الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة بشرب المسكرات، وتناول المخدرات ولعب القمار، وقد قال الله تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذلك الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [المائدة:91]، فيجمعون بين ترك الصلاة وفعل المحرمات.
ومن الناس من يصده الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة بطلب الدنيا والبيع والشراء، ومزاولة الاعمال الدنيوية وقت الصلاة، وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون .
وقد مدح الله الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة، ووعدهم بالثواب الجزيل فقال تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء ال+اة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب [النور:36-38].
ومن الناس من يحضر الصلاة في الجمعة والجماعة، ولكنه يترك في بيته رجالا لا يحضرون الصلاة من أبنائه أو إخوانه، أو من يسكنون معه لا يأمرهم ويلزمهم بالحضور معه، وهذا يعتبر قد أدى واجبا بحضوره، لكنه ترك واجبا بترك من خلفه ممن مكلف بأمرهم وإلزامهم والقيام عليهم.
فاتقوا الله – عباد الله – بأداء ما أوجب الله عليكم في خاصة انفسكم، وما أوجب الله عليكم نحوا أولادكم ومن تحت ولايتكم (( كلكم راع ومسؤول عن رعيته )).
واعلموا ان خير الحديث كتاب الله …
| |
|