molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: إفلاس وسقوط القوميات العربية - صالح بن عبد الله الهذلول الثلاثاء 15 نوفمبر - 6:28:51 | |
|
إفلاس وسقوط القوميات العربية
صالح بن عبد الله الهذلول
الخطبة الأولى
أما بعد: سؤال مهم، كلّه آلام عند أناس؛ لكنه آمالٌ لدى الآخرين.
المتشائمون يقولون: ألم تكونوا تحدثونا أو تخبرونا أنْ ليس شيءٌ شرًا محضًا؟! فأين الخير في بلد مسلم كالعراق سقط في يد الصليبيين لتُغَيَّر هُويتهَ وتُستبدل ثقافته وتَبني فيه قواعدها أوكارًا تنطلق منها طائراتهم متى شاءت لتدمّر وتضرب موقعًا أو بلدًا مسلمًا يرونه هدفًا مناسبًا بحجة أنه منبع الأصولية أو بذريعة أن أسلحة الدمار الشامل هُرَّبت إليه؟!
أما المتفائلون ومن ينظرون إلى ما يجري نظرةً واعية متعقِّلة منطلقة من الشرع همُّها الأول والأخير أن لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كله لله، هذه النظرة حين تُقَيِّم الأوضاع بعد الحرب الأخيرة ترى فيها جوانب من الخير مهمة، لا يحسن بالمسلم إهمالها، ولا ينبغي نسيانها، ومن أبلغ ذلكم سقوط الشعارات العلمانية وتهاوي الأُطروحات القومية البعثية، كما أفلست قبلها الناصرية.
ولا تزال القوميات العربية تكشف يومًا بعد يوم عن مظاهرَ متجدّدة من الفشل، كتلكم التي تجري فصولها الآن في فلسطين، والذي يراقب ويرصد المسيرة منذ ثلاثين سنة مضت أو أكثر يلحظ ذلكم التساقط وتهاوي عروش جاهليات العصر الحديث؛ في الوقت الذي ترتفع فيه راياتٌ تنصر دين الله تعالى وتقوم حركاتٌ تدعو إلى الله.
هوت الناصرية، تحطمت بعد أن ذاق المصلحون منها المرّ والعلقم من سجنٍ وتعذيب ومصادرةِ حريات، وأعاقت نمو الصلاح وانتشار الدعوة، وضيقت على الناس في أرزاقهم، وضيعت مناطق شاسعة من أراضي المسلمين لتسقط في يد اليهود، وهم يصمُّون آذاننا صباح ومساء: سنُلقي إسرائيل في البحر! هوت الشيوعية وسقطت، وتمرغت بالتراب وولّت دولتها وحضارتها إلى غير رجعة بإذن الله.
وبسقوط الناصرية والشيوعية تراجعت أحزاب وتجمعات ودعوات هنا وهناك، وتمزّقت فلولها لتبحث عن قِناع جديد من أقنعة النفاق تلبسه، لتستأنف مسيرة الهدم من جديد.
واليوم نشهد سقوط البعثية وسحقها إلى غير رجعة أيضًا بإذن الله تعالى، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 45].
مرة ثانية معاشر المسلمين، نؤكد أنْ ليس هناك شرٌ محض، وعلى المسلم أن يتعقل في نظرته، فالحملة الصليبية التي تُشَن على المسلمين الآن كانت سببًا قويًا في الإجهاز على حزب البعث العربي في أقوى جناحيه، فسقط ح+ البعث، وبان الصبح لذي عينين.
وبهذه المناسبة إليكم مقتطفاتٍ سريعة مجملة من منجزات ح+ البعث التي قدمها للأمة:
إن فلسفة حزب البعث في أقوى معانيها وأهم أفكارها تقوم على النضال، والنضال في قاموس البعث معناه: إفشاء الخلافات وتفجيرها خاصة مع الدول المجاورة وإذكاءُ روحِ سوءِ الظن بين الناس حتى بين أعضاء الحزب نفسه، والتصفياتُ الجسدية، والقتلُ المروع عند ارتكاب أدنى خطأ، بل ربما تتم التصفية بناءً على مجرد ظُنون، ودون محاكمة لا عادلة ولا ظالمة، بل كل ذلك لا يُشبع دموية أعضاء حزب البعث ـ وخاصة زعيمهم ـ فيضطر إلى دخول حرب طاحنة مع الجيران بلا هدف، وأوقدوا حربًا مع إيران استمرت ثماني سنوات، ذهب ضحيتها عشراتُ الآلاف أو أكثر من المدنيين والعسكريين، وقل كذلك في الأسرى، وأرهقت ميزانية العراق وأثقلتها بالديون، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها تلمّض ح+ البعث شوقًا إلى الدم، فوقع اختياره على الكويت، فقرر غزْوَها واجتياحها، وهو الذي طالما كان يهتف قبيل غزو الكويت بأنه سيحرق نصف إسرائيل، كما هدّد رفاقه الناصريون من قبله بإلقاء إسرائيل في البحر.
ومن مظاهر فشل وإفلاس ح+ البعث عسكريًا بعد أن فشل في الإدارة المدنية أنه خلال الثلاثة عشر عامًا مضت قامت الطائرات الأمريكية بعشرات الآلاف من الطلعات الجوية، كثير منها يجري فيها قصفٌ لمواقع عراقية فيما يسمّى بمنطقتي الحظر، بل أحيانًا في العمق، ولم يُسقط البعثيون منها سوى طائرات لا تصل إلى عدد أصابع اليد.
أيها المسلمون، وبينما العراق ينتج الملايين من براميل البترول يوميًا ويخترقه نهر من أنهار الجنة وهو نهر الفرات، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة)) رواه مسلم، كما تمتلك بُعدًا وعمقًا حضاريًا من آلاف السنين من شأنه أن يوجد كفاءاتٍ علمية وفنية مدرّبة في كافة الاحتياجات المدنية، وأرضه من أخصب الأماكن في الدنيا، وموقعه الجغرافي مِفْصليٌ في العالم، كل هذا ومع ذلك فإن المستوى المعيشي لأهله من أشد البلدان تدنيًا وهبوطًا، فأين انجازات ح+ البعث وتأميمه لشركات النفط وأنه يمتلك رابع أقوى جيش في العالم ونحو ذلك والملايين من شعبه خارج بلادهم بحثًا عن عيش هنيء وحياة آمنة مستقرة؟!
وأخيرًا أيها المؤمنون، لقد آن الأوان أن يفكّر فلول البعثيّين ممن نجا من الموت أن يفكر أولئك وأمثال أولئك ويعتبروا ويتأملوا سنن الله في المعاندين المكذبين المتجبرين. إن أحداث العراق دعوةٌ بالغة وبليغة لكل معاند أن يتوب إلى الله تعالى، ويعود إليه، وينبذ كل ما يسخط مولاه ويغضبه، وإن الفرصة أمامهم سانحة لينتهوا عما هم فيه من العناد والنفاق والصدِّ عن سبيل الله وإنفاق الأموال الطائلة لنشر الرذيلة، الفرصة سانحة، والطريق مفتوح ليتوبوا عن كل ذلك، وإلا فليعلموا أن سنن الله ماضية في المعاندين، فلينتظروا ما حل بغيرهم من المعاندين، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [الأنفال: 38].
بارك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات البينات والعظات الواضحات البليغات، أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
الحمد لله، لا خافض لما رفع، ولا رافع لما وضع، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا رادّ لما قضى، ولا نافع لمن ضرَّ، ولا ضار لمن نفع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون، فقد فشلت الحركات القوميّة العربية في كل طرحٍ طرحته؛ فشلت في إنماء الاقتصاد، فكل بلد عربي حكمته هبطت باقتصاده إلى الحضيض، بل أغرقتْه بالديون حتى لو كان ذلك البلَد متربعًا على موارد اقتصادية ضخمة، وتأملوا حال البلدان العربية التي ابتُليت بتلك الحركات. وفَشِلت الحركات القومية العربية أيضًا في المجال السياسي، فكم مرة حاولت أو تظاهرت بالسعي للوحدة العربية فما أن تُعلن الوحدة وتظل وقتًا يسيرًا وإلا ويُعلن تفككها وتراشقُ أصحابها بالاتهامات: عمالة وخيانة، يعقبها محاولاتُ اغتيالٍ أو انقلابات.
عباد الله، في حرب الخليج الثانية قبل ثلاثة عشر عامًا سُئل وزير خارجية بريطانيا حينذاك وكانت الحشود العسكرية الغربية تتدفّق على منطقة الخليج برًا وبحرًا وجوًا، سئل: هل ستقوم حربٌ فعلاً؟ أي: هل ستحاربون العراق فعلاً لإخراجها من الكويت؟ فأجاب قائلاً: "لم نأت هنا للنزهة" اهـ، وظن بعض الناس أن حشود أمريكا حول أفغانستان قبل سنة ونصف كانت لغرض التهديد وبثّ الرعب، فإذا بها تندلع لتدمّر كل شيء هناك. ثم عاودت الحشود العسكرية الغربية نشاطها في الخليج هذه السنة بصورة أفظع من سابقتها، ورجح البعض أنها تلويح بالحرب على العراق لا الحرب صراحةً، فإذا بها تقذف بحِمَمِها لتفعل ما رأيتم وما سمعتم، ولعلّ ما خفي كان أعظم. الآن فتحوا ملف سوريا كمرشّح يلي العراق، فيُطرح التساؤل السابق: هل هم عازمون على الحرب؟ ليرد التشكيك: من الصعوبة أن يقدموا على ذلك! ثم يتكلّف من يتكلّف بإيراد معوقات للحرب ليرضي بها نفسَه. لكن وزير الدفاع الأمريكي اختصر الاحتمالات، وقطع التوقعات، ليؤكّد في منتصف هذا الأسبوع وأثناء زيارته للمنطقة، يؤكد الأمر قائلاً: "سنستمر في شن حروبٍ وقائية على الإرهاب" اهـ.
إذًا علينا أن نعيد صياغةَ الأسئلة السابقة الماضية لتكون: متى تبدأ الضربة؟ أو متى تبدأ الضربة لنتفرج عليها؟! ردَّ الله كيد الكائدين في نحورهم، وجعل تدبيرهم في تدميرهم، وأرانا فيهم أعظم مما رأينا في الشيوعية والقوميات العربية، فهم كما حكى الله عنهم وعن أمثالهم: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة: 205]، وإذا تولوا أهلكوا ويهلكون الحرث المزروع والثمار بما يُسقطون من قنابل حارقة وصواريخ مدمرة، وما يحدثونه من تدمير لمرافق الحياة، وما يدفنون من نفاياتً نوويةً في باطن الأرض تظل إشعاعاتها سنين طويلة، تؤثر سلبًا على الزراعة والإنجاب وإحداث الأمراض الخطيرة والتشوهات الخَلْقية. وإهلاك الحياة على هذا النحو كنايةٌ وترجمة لما يعتمل في كيان الصليبيين من حقد وشر وغدر وفساد مما كانوا يسترونه بذلاقة ألسنتهم ودعاويهم في أنهم حماةٌ لحقوق الإنسان ويسعون لتحرير البلدان ونشر الحرية والسلام وإعادة الأمن والخير والصلاح.
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير رحمة رب العالمين، كما أمركم الله في كتابه المبين: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]...
| |
|