molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الجهاد- صالح بن عبد الله الهذلول الثلاثاء 15 نوفمبر - 5:42:53 | |
|
الجهاد
صالح بن عبد الله الهذلول
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، فإن الله سبحانه وتعالى علم مدى كراهية النفس واستثقالها للقتال ولو كان في سبيل الله؛ نظرًا لما فيه من مشقة وآلام وتضحيات جسام وأهوال، لكنه سبحانه قد علم أيضًا ـ وهو ما لا يعلمه كثير من الناس ـ أن الخير الكثير مرتبط به ومتحقّق فيه، ولذا فقد فرضه فرضًا مؤكّدًا وأوجبه إيجابًا قاطعًا، فقال: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216].
نعم، إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة، ولكنها فريضة واجبة الأداء؛ لأن فيها خيرًا كثيرًا للفرد المسلم وللأمة الإسلامية بل للبشرية جمعاء، فالقرآن الذي يحسب حساب الفطرة لا ينكر مشقة هذه الفريضة وإحساس الناس بثقلها وكراهيتها، ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر؛ فيقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير ولكن وراءه حكمة تهوِّن مشقته وتسيغ مرارته وتحقق به خيرًا مخبوءًا قد لا يراه النظر الإنساني القصير.
إن صلاح الأرض وإقامة العدل فيها ورفع الظلم عنها منوط بالجهاد، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 251].
إن من أشد أنواع الفساد أن تتعرض أماكن العبادة ـ رغم قداستها وتخصيصها لذكر الله تعالى ـ للهدم والخراب، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [الحج: 40]. فهذه الأماكن المقدسة لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها، ولا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض، أي: دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها ويعتدون على أهلها، فالباطل متبجح لا يكفّ عن العدوان إلا أن يدفع بقوة مثله، ولا يكفي للحق أنه الحق ليقف عدوانُ الباطل عليه، بل لا بد من قوة تحميه وتدفع عنه.
ومن هنا شرع القتال في سبيل الله، شرع لتحقيق غايات كبرى وأهداف عليا، تسمو بالنفوس الكريمة، وتتطلع إليها الفطر القويمة، شرع لتقرير وحدانية الله تعالى في الأرض، وتمكين الإنسان أن يعبد الله وحده بحرية، وتحقيق الكرامة الإنسانية بإقامة شرع الله وحكمه، وعمارة الأرض وفقًا لذلك. ولهذه الأغراض جاء التأكيد على شرع الجهاد وفرضه ووجوبه ولزومه: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29]، وقوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة: 193].
عباد الله، شاء الله جل وعلا أيضًا أن يفرض الجهاد على المسلمين لحكمة أخرى غير ما ذكر؛ وهي ابتلاؤه لعباده بعضهم ببعض، وتربية أتباعه على الإخلاص والثبات ومواجهة الموت والصعاب، وتيسير الأسباب لدخول الجنة بغير حساب، ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد: 4-6].
إن المجاهد في قتاله الكفار يكتسب حياة الأبد؛ لأنه إن قَتل فقد أعلى دين الله تعالى، وإن قُتل فقد أحيا نفسه، قال الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 169-171].
أيها المسلمون، لتلكُم الأسباب شرع الله الجهاد، وندب المسلمين أن يخرجوا له خفافًا وثقالاً، أي: شبابًا وشيوخًا، أو أن المعنى نشاطًا أو راغبين عنه لكثرة العدو وقوته وقلة المال وكثرة العيال أو غير ذلك.
فالجهاد حياة، وهو مع ما وعد الله المجاهدين من الخير اللامحدود في الآخرة فهو أفضل طريق لل+ب والمعيشة، قال : ((وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري)).
عباد الله، لقد حفلت نصوص الوحيين الكتاب والسنة في الترغيب بالجهاد وتعداد فضائله، وما يناله المجاهدون من المنزلة عند الله يوم القيامة، وما تعقبه حركة الجهاد من ظلال العزة والهيبة للمسلمين في قلوب أعدائهم، وما تفجر من طاقات شبابها وتسابقهم إلى ميادين المجد والانشغال بما يثبت شرفهم في الدنيا ويقربهم من مولاهم في الآخرة ويزهدهم في متاع الدنيا الفانية، قال : ((لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)) متفق عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصف: 10-12].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن مما جاء في السنة مما يرغب في الجهاد ما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها)) متفق عليه، وعن سلمان قال: سمعت رسول الله يقول: ((رباط يوم وليلة خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان)) رواه مسلم. ومعنى الحديث: أن ثواب عمل المرابط لا ينقطع بالموت، وأن رزقه لا ينقطع أيضًا؛ لأن الله سيرزقه من الجنة كما يرزق الشهداء، فهم عند ربهم يرزقون رزقًا الله أعلم به. واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أن المرابط في سبيل الله لا يسأل في قبره. وإنما كان رباط يوم خيرًا من صيام شهر وقيامه لأن نفع الرباط متعدٍ؛ إذ فيه حفظ الأديان والأوطان، بينما نفع الصوم قاصر على صاحبه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((لا تستطيعونه))، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: ((لا تستطيعونه))، ثم قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)) متفق عليه.
عباد الله، إنما جاء الحديث عن الجهاد والترغيب فيه لما تعلمون من حال الأمة حين تخلّت عنه واستبدلت به متعَ الدنيا، فخسرت الدنيا وعرضت نفسها لعقوبة الله في الآخرة. كما جاء الحديث عن الجهاد ـ وإن كان مختصرًا ـ لِمَا ألقاه الترفُ في مجتمعاتنا من ظلال سيّئة على حال الناس، فركنوا إلى ملذات الدنيا، وظنوا أن الانشغال بها والتفنّن في صناعتها غاية الحكمة وقمة المعرفة وأفضل متعة، ونسوا تلكم المعاني والملذات التي وردت فيما سبق مما أعده الله للمجاهدين.
عباد الله، في هذه الأثناء وتحديدًا صباح هذا اليوم سمعت من إحدى الإذاعات العالمية أن دخول الروس لعاصمة الشيشان وبعض القرى المجاورة لها صاحبه إرهاب عظيم؛ وذلك أنهم أعطوا بعض الأهالي وسكان القرى مهلة ساعة ونصف فقط لمغادرة البلدات حتى يحرقوا بيوتهم. أليست هذه إشارة بسيطة جدًا لأهمية شرع الجهاد في الإسلام؟! وما تعلمون وتسمعون من تخريب الكفار عمومًا وألوان تعذيبهم وإيذائهم ومضارتهم للمسلمين غني عن الذكر.
اللهم ارفع علم الجهاد...
| |
|