molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الدعاء في الأزمات خاصة - صالح بن عبد الله الهذلول الثلاثاء 15 نوفمبر - 6:27:50 | |
|
الدعاء في الأزمات خاصة
صالح بن عبد الله الهذلول
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الأجدر بالمسلم أن يعوِّد نفسه عبادةً عظيمة جليلة، ألا وهي كثرة دعاءِ ربه ومولاه، والتضرع إليه في الرخاء، حتى إذا نزلت به بلوى كان أولُ ما يتبادر إلى ذهنه الفزع إلى من بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير. وليحذر المسلم وليشفق ويخفْ من أن تكون حاله في الضراء حالَ مَن وَصفهم الله تعالى ممن لا يؤمنون بالآخرة في قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [المؤمنون: 74-77]، أي: آيسون من كل خير، قد حضرهم الشر وأسبابه.
كما أنه ليس أمرًا محمودًا أن لا يعمد العبد المسلم إلى الدعاء إلا في حال الضرِّ فقط، فهل نحن إلا لله؟! وهل نحن إلا إليه راجعون؟! قال الله تعالى في ذلك: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [فصلت: 51]، أي: كثير جدًا، نعم الدعاء مشروع، وأجرهُ عظيم، لكنه لا يقتصر على حال الضراء وكأنه تعبيرٌ عن عدم الصبر أكثرَ منه لجوءًا إلى الله تعالى. فالعلاقة بين لله عز وجل وعبده قائمةٌ على افتقار العبد واحتياجه إلى ربه غاية الاحتياج، بحيث لا يستغني عنه طرفة عين، فهو خالقه من العدم، ومُربِّيه بالنعم، بيده مقاليد الأمور، وهو الغني عن جميع خلقه، والقدير على كل شيء، والعليم بكل شيء، العزيزُ الذي لا يُغلب، والغالبُ الذي لا يُقهر، لا يخرج شيء عن ملكه في السماوات ولا في الأرض، الكريمُ الذي يحب أن يُسأل فيُعطي، وليس لعطائه نفاد، سبحانه وتعالى، وتبارك وتقدَّس، فكيف يستغني عنه العبد الفقير الضعيف المسكين العاجز الذي تخفى عليه كثير من منافعه ومصالحه، بل قد يسعى في هلاك نفسه؟!
أيها المؤمنون، من أجل ذلك يجب صرفُ الدعاء إلى الله تعالى وحده لا شريك له، فإن مَن دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فقد كفر وخرج من الملة، سواءً كان هذا الغير نبيًا أو وليًا أو ملكًا أو جنيًا أو غير ذلك من المخلوقات، قال جل وعلا: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 106، 107]، وقال جل ذكره: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5].
عباد الله، الدعاء عبادة عظيمة، قال الله تعالى في ذلك: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60]، وقال الرسول : ((الدعاء هو العبادة))، وقال : ((أفضل العبادة هو الدعاء))، وقال: ((ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء)). ومن أسباب إجابته أن يكثر المسلم الدعاء في الرخاء لقوله : ((من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء)) رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وبئس صنيع المرء أن يدعو حال الضر ويَذَر الدعاء بعد زوال ضره، فهذا حال المسرفين، قال الله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس: 12].
معاشر المسلمين، الدعاء على الظالم أمر مشروع، لا سيما إن كان الظلم واقعًا على المسلمين، وتزداد هذه المشروعية إذا كان الظالم كافرًا، بل ربما يقال بوجوب الدعاء على الظالم الذي يحارب الإسلام وأهله إذا لم يكن ثمة سبيلٌ لإيقاف عدوانه على الإسلام وكفّ شره عن المسلمين إلا سبيل الدعاء، وكفُّ عدوان الظلمة والمتجرئين على الإسلام واجب، كما أن كف شرهم عن المسلمين واجب أيضًا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولقد قنت رسول الله شهرًا يدعو على أحياء من العرب، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلاً وذكوان وعُصيّة وبني لحيان استمدوا رسول الله على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحت+ بالنهار ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان. وفي غزوة الخندق لما حاصر الأحزابُ المسلمين في المدينة واشتغل النبي وبعض أصحابه في مدافعة المشركين قال بعد ذلك: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ـ أو أجوافهم ـ نارًا)) رواه الجماعة. والشواهد في هذه المسألة كثيرة في كتب السنة.
فيا أيها المؤمنون بالله ورسوله، لا تهولنكم قوة عدوكم، ولا كثرة عتاده، ولا تقدم تقنيته، ولا طول طغيانه، اجأروا إلى الله واستنصروه عليهم، فلن يغلب عسكر واحد عسكرين، ولن يُنصر في الأرض من حارب مَن في السماء، قال بعض البلغاء: "أقرب الأشياء صرعةُ الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم".
أتَهزأ بالدعـاء وتزدريـه ولا تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لَها أمد وللأمد انقضـاء
وقد شـاء الإله بمـا تراه فما للملك عندكمُ بقاء
قال بعض الكبراء: "دعوتان أرجو إحداهما بقدر ما أخاف الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته". وكان أحمد بن طولون أميرُ مصر في منتصف القرن الثالث الهجري بطلاً شجاعًا ومن دهاة الملوك، ومع أنه عدل متين معظم للشعائر إلا أنه جبار سفاك للدماء كما وصفه الذهبي، وَجَد مرة في جيبه رقعة لم يعرف من رفعها ولا من قالها، فإذا فيها مكتوب: "أما بعد، فإنكم ملكتم فأسرتم، وقدرتم فأشرتم، ووسع عليكم فضيقتم، وعلمتم عاقبة الدعاء فاحذروا سهام السَحَر، فإنها أنفذ من وخز الإبر، لا سيما وقد جرحتم قلوبًا أوجعتموها، وأكبادًا أجعتموها، وأحشاءً أنكيتموها، ومُقلاً أبكيتموها، ومن المحال أن يهلك المنتظِرون ويبقى المنتظَرون، فاعملوا إنا عاملون، وجوروا إنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلّمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" فبكى الأمير أحمد بن طولون بكاءً شديدًا حين قرأها، وجعل يتعهّد قراءتها في غالب أوقاته، ويستعين بها على إجراء عبراته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ.
اللهم وفقنا لدعائك، وألهمنا حسن الثناء عليك واختيار أحب الدعاء إليك، ومُنَّ علينا بالقبول.
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد...
الخطبة الثانية
الحمد لله، وارثِ الأرض ومن عليها، وباعثِ محمدًا رسوله بالهدى ودين الحق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون، فللدعاء على أعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين ومن سواهم فوائد جمةٌ، منها أن الدعاء في حد ذاته عبادة جليلة القدر، بل هو لبُّ العبادة وروحها، ولذا ثبت في الصحيح عن النبي قوله: ((الدعاء هو العبادة)). والدعاء سبب في استحضار العبيد صفات الله تعالى، وزيادة الإيمان بها، لأنه إقرارٌ بأن القوة لله جميعًا، وأن الناصر هو الله، إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران : 160]، والإحساس بهذه المعاني يقود المسلم إلى امتثال أوامر ربه. كما أن الدعاء على من ظلم المسلمين واعتدى عليهم علامةٌ على إيمان صاحبها لتضامنه مع إخوانه المسلمين، فالمؤمنون إخوة، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، يقول : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). ومنها أن الدعاء على من يحارب المسلمين إحياءٌ لمعاني الجهاد في النفس؛ لأن من لم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية، وهو استحضارٌ واستشعار للمعركة المتواصلة بين الحق والباطل، قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217].
معاشر المسلمين، يحسن الإشارة والتذكير إلى أنه حينما يرد الحديث عن الدعاء وأثره في الانتصار للمظلومين فلا يعني ذلك أن نكفَّ عن أي عمل آخر غيره، لكن الدعاءَ أولُ وآخر ما يلجأ إليه، ولا ينبغي أن يترك بحال من الأحوال، وحتى لا يتذرع متذرع بالعجز من الاستنصار لهذا الدين وأهله بأنه قد كُبل بالأغلال وأوثق بأشد الحبال، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) رواه الطبراني وابن حبان وغيرهم ورجاله رجال الصحيح، وهو في السلسلة الصحيحة (601).
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية...
| |
|