molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الزواج- سلطان بن عبد الرحمن العيد الأحد 13 نوفمبر - 6:17:40 | |
|
الزواج
سلطان بن عبد الرحمن العيد
الخطبة الأولى
أما بعد: فلقد سنَّ الله الزواج لعمارة الكون، وجعله من آياته الباهرة، فقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًَا لِّتَسْكُنُواْ إِليْهَا وَجعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفكرُونَ. فمن وجد ما يتزوّج به فليفعل خشية الفتنة وطاعةً لرسول الله حيث قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لا فالصوم له وِجاء)) خرّجاه في الصحيحين.
وليعلم المؤمن أن تيسير أمر النكاح بيد الله، فليلجأ إلى ربه وليستعن به وليبشر؛ فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: ((ثلاثةٌ حق على الله عونهم: المُكَاتَبُ يريد الأداء، والناكح يبغي العفاف، والمجاهد في سبيل الله)) رواه النَّسائي والترمذي وقال: "حديث حسن".
فإذا عزم فليستخر الله في ذلك؛ يقدّر له الخير إن شاء عز وجل.
ومما جاءت به سنة رسول الله النظر إلى المخطوبة، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) أخرجه أبو داود، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: خطبتُ امرأةً فقال لي النبي : ((هل نظرت إليها؟)) قلت: لا، قال: ((فانظر إليها، فإنه أحرى أن يُؤدَمَ بينكما)) أخرجه النسائي.
وإذا أراد خطبة امرأةٍ فليراع أمورًا، منها أن تكون صالحة لقول رسول الله : ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إن الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) أخرجه مسلم وغيره.
وليحرص المسلم أن تكون ولودًا، ويُعرف ذلك بالنظر إلى أمها وأختها؛ وذلك لقول رسول الله : ((تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثرٌ بكم)) أخرجه أبو داود والنسائي.
ثم ليتقدم إلى خطبتها من وليها، ولا يصح النكاح بغير وليّ؛ لقوله : ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)) أخرجه أبو داود.
وعلى وليها أن يراعي أمورًا، منها أن يتخيّر لها من يتوسّم فيه الصلاح والتقوى، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يهنها؛ وذلك لقوله : ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض)) أخرجه الترمذي وابن ماجه.
ومنها أن لا يغالي الولي في المهر؛ لقول رسول الله : ((من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقلة صداقها)) أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان، قال عمر رضي الله عنه: (ألا لا تُغلوا صُدُقَ النساء؛ فإنه لو كان مَكْرُمةً في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم به النبي ، ما أصدَق النبي على امرأة من نسائه ولا أُصْدِقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقيّة، وإن الرجل ليُغلي بصَدُقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه) أخرجه الأربعة وقال الترمذي: "حسن صحيح".
ومنها أن يأخذ رأي ابنته في ذلك، ويأثم إن أرغمها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنه دخلت عليها فتاةٌ فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسِيسَته وأنا كارهة، فقالت عائشة: اجلسي حتى يأتي رسول الله ، فجاء النبي فأخبرته عائشة، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله، قد أجزتُ ما صنَع أبي، ولكن أردت أن أعلَم أللنّساء من الأمر شيء. خرجّه النسائي، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((لا تُنكح الثيِّب حتى تُستأذن، ولا تُنكح البكر حتى تُستأمر))، قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: ((إذنها أن تسكت)).
فإذا خطبها فلا يجوز له أن يخلوَ بها حتى يعقِد؛ لقوله : ((لا يخلُونَّ أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
فإذا جاء موعد البناء فليفعل ما يلي:
أولاً: يصنع وليمةً؛ عملاً بسنة رسول الله ، قال أنسٌ رضي عنه: ما أولم النبي على شيء من نسائه ما أولم على زينب؛ أولم بشاة. متفق عليه. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله قال له: ((أولِم ولو بشاة)) متفق عليه.
ثانيًا: أن يدعو إليها الفقراء والمساكين؛ فإن ذلك أجدر لقبولها إن شاء الله عز وجل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((شرّ الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليها الأغنياء، ويُترك المساكين)) متفق عليه.
ثالثًا: أن يتجنّب الإسراف والمفاخرة والتكلف، وليقصد العمل بالسنة، لا مراءاةَ الناس والترفع عليهم؛ قال الله جل وعلا: وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ.
رابعًا: لا يجوز له أن يتساهل في يوم زواجه؛ فيفعل أو يأذن ببعض المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء، والغناء المحرم والموسيقى والتصوير وجلوسه مع زوجه أمام النساء؛ فإن هذا من المنكرات، ولربما عوقب بفشل زواجه وعدم التوفيق، قال الله جل وعلا: وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. وهذا لم يتق ربه فكيف ييسّر أمره؟!
وعلى من دعي إلى الوليمة أن يراعي أمورًا، منها أن يُجيب إذا دعي؛ لقول رسول الله : ((إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)) أخرجه البخاري ومسلم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: من لم يأتِ الدعوة فقد عصى أبا القاسم . متفق عليه.
وإذا كان له عذر فلا بأس أن يتخلّف؛ لما روى عطاء أن ابن عباس رضي الله عنهما دعي إلى طعام وهو يعالج أمر السِقاية فقال للقوم: أجيبوا أخاكم، واقرؤوا عليه السلام، وأخبروه أني مشغول. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وقال الحافظ: "إسناده صحيح".
ومنها أنه إذا رأى منكرًا فليرجع؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: اشتريت نُمرُقة فيها تصاوير، فلما رآها النبي قام على الباب فلم يدخل، فعرفتُ في وجهه الكراهية. متفق عليه.
ومنها أن يدعو للعروسين بالبركة؛ وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان النبي إذا رفَّأ الإنسان إذا تزوج قال: ((بارك الله فيك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: "حسن صحيح".
وإذا كان يوم الزفاف فلهم أن يضربوا بالدّف؛ وفيه فائدتان: إعلان النكاح، وتطييب خاطر العروس؛ لقوله : ((فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح)) أخرجه النسائي والترمذي وحسنه، وعن عائشة رضي الله عنها أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال النبي : ((يا عائشة، ما كان معكن له؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو)) خرجه البخاري. ولا يجوز استعمال غير الدفّ من المزامير وآلات الموسيقى؛ لأن الحديث ورد في الإذن بالضرب بالدف لا غير.
فإن دخل بها فيستحب له أمور منها:
أولاً: أن يلاطفها؛ كأن يقدم لها شيئًا من الشراب ونحوه؛ لحديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها في دخوله بعائشة؛ قالت: فجاء فجلس إلى جنبها، فأُتي بعُسٍ فيه لبن فشرب، ثم ناولها فخفَضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يدي رسول الله ، فأخذت فشربت شيئا. الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
ثانيًا: أن يضع يده على رأسها ويدعو؛ لقول رسول الله : ((إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا فليأخذ بناصيتها وليسمّ الله وليدعُ بالبركة، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)) أخرجه أبو داود وحسنه العلامة الألباني.
ثالثًا: أن يصلّيا ركعتين معًا، قال العلامة الألباني: "لأنه منقولٌ عن السلف، وفيه أثران: الأول عن أبي سعيدٍ مولى أبي أُسَيدٍ قال: تزوجتُ وأنا مملوكٌ، فدعوت نفرًا من أصحاب النبي فيهم ابن مسعود وأبو ذرٍ وحذيفة رضي الله عنهم، فعلموني وقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم اسأل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك. والثاني عن شقيقٍ أنه قال: جاء رجل يقال له: أبو حريفٍ فقال: إني تزوجت جارية شابّة بكرًا، وإني أخاف أن تفركني أي: تُبغضني، فقال له عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن الإلف من الله، والفرك أي: البغض من الشيطان؛ يريد أن يُكرِّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين. زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود: وقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم في، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير، وفرِّق بيننا إذا فرَّقت إلى خير. أخرجه ابن أبي شيبة وسنده صحيح".
ويُنهى عن نشر أسرار الاستمتاع وما يحدث بين الرجل وامرأته؛ لقوله : ((الحياء كله خير)) متفق عليه، وروى أبو سعيدٍ عن رسول الله أنه قال: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) أخرجه الإمام أحمد، وقالت أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: كنت عند رسول الله والرجال والنساء قعودٌ، فقال: ((لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها))، فسكت القوم، فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون، قال : ((فلا تفعلوا؛ فإنما ذلك مثل شيطانٍ لقي شيطانةً في طريق فغشيها والناس ينظرون)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
وعلى الرجل أن يحرص على أداء حقّ زوجه في هذه الناحية، ولا يشغله عن ذلك صلاة ولا صوم، فضلاً عن غيرهما، وإلا فهو مخالفٌ لهدي رسول الله ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليّ خُويلة بنت حكيم بن أمية، وكانت عند عثمان بن مظعون رضي الله عنه، قالت: فرأى النبي بذاذة هيئتها فقال لي: ((يا عائشة؛ ما أبذَّ هيئة خولة!)) قلت: يا رسول الله، امرأة لها زوج يصوم النهار ويقوم الليل، فهي كمن لا زوجَ لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال: ((يا عثمان، أرغبةٌ عن سنتي؟!)) فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال : ((فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفُطر، وأنكحُ النساء، فاتق الله يا عثمان؛ فإن لأهلك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، وصم وأفطر، وصلّ ونم)) أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان.
وإذا وجدت المرأة زوجها كذلك فالعاقلة هي التي تتزيّن وتتودَّد إليه، فعند النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأةً قالت للنبي : يا رسول الله، إن المرأة إذا لم تتزيّن لزوجها صلفت عنده أي: ثقلت، وكره النظر إليها. وصحَّ أن عائشة رضي الله عنها كانت تفعل ذلك؛ فقد دخل عليها النبي فرأى فتخاتٍ من ورِقٍ فقال: ((ما هذه يا عائشة؟)) قالت: صنعتهن أتزيّن لك يا رسول.
ويحرم عليها أن تمنع حقّ زوجها؛ لقوله : ((إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح)) متفق عليه.
هذا بعض ما ورد في سنته صلى الله عليه وآله وسلم في النكاح.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فمما حضّ عليه الشارع حسن العِشرة، فعلى الرجل أن يحسن عِشرة زوجه وأن يرفق بها، ولا سيما إن كانت صغيرة السن؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: والله، لقد رأيت رسول الله يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد ورسول الله يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي حتى أكونَ أنا الذي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو. متفق عليه.
وذات مرّة خرجت عائشة مع النبيّ في بعض أسفاره، قالت: وأنا جاريةٌ ولم أُبدِّن، فقال للناس: ((تقدموا))، فتقدموا، فقال لي: ((تعالي حتى أسابقك))، فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملتُ اللحم وبدَّنتُ ونسيت خرجتُ معه في بعض أسفاره فقال للناس: ((تقدموا))، فتقدموا، ثم قال: ((تعالي حتى أسابقك))، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك ويقول: ((هذه بتلك)) أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي يقول لي: ((إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليّ غضبى))، قلت: من أين تعرف ذلك؟! قال: ((أمّا إذا كنتِ عني راضيةً فإنك تقولين: لا وربّ محمد، وإذا كنتِ غضبى قلت: لا وربّ إبراهيم))، قالت: أجل يا رسول الله؛ ما أهجر إلا اسمك. متفق عليه.
ومن أخلاق العقلاء مداراة النساء والصبر عليهن، فإن المرأة كما قال رسول الله : ((خُلقت من ضلع، وإنَّ أعوج ما في الضلع أعلاه، فإذا ذهبتَ تقيمه +رته، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)) خرجه الشيخان في صحيحيهما.
والغيرة طبعٌ في المرأة جُبلت عليه، فعلى الرجل أن يراعيَ ذلك ولا يتعفّف في تقويمها، وقد كنَّ نساء النبي يغِرن، فكيف بغيرهنّ؟! فعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله ذات ليلة فظننت أنه ذهبَ إلى بعض نسائه، فتحسّسته فإذا هو راكعٌ أو ساجدٌ يقول: ((سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت))، فقلت: بأبي وأمي، إنك لفي شأن، وإني لفي شأنٍ آخر.
وعند مسلم أيضًا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: التمستُ رسول الله فأدخلتُ يدي في شعره يعني ظنّت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فأدخلتُ يدي في شعره، فقال: ((قد جاءَكِ شيطانك؟!)) فقلت: أما لَك شيطان؟! قال: ((بلى، ولكن الله أعانني عليه فأسلم)).
ويجوز للرجل أن يكذب على امرأته إرضاءً لخاطرها وتعميقًا للمودّة بينهما؛ لحديث أمّ كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: ما سمعت رسول الله يرخّص في شيءٍ من الكذب إلا في ثلاث، كان يقول: ((لا أعده كاذبًا: الرجل يصلح بين الناس؛ يقول القول لا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدِّث امرأته والمرأة تحدث زوجها)). قال النووي في المراد بالكذب بينهما: "هو إظهار الودّ والوعد بما يلزم والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك. وأما المخادعة في منع حق عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين".
وأما حقوق الزوج على امرأته فكثيرةٌ جليلة؛ وذلك لعظم حقه عليها، كما قال النبي : ((لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان.
فمن حقوق الزوج على امرأته طاعته في غير معصية الله واستئذانه إن أرادت التطوع بالصوم وأن لا تُدخل بيت الرجل في غيابه من ليس من المحارم أو من يكره دخوله وإن كان من المحارم أو النساء.
ومن حقه أن لا تخرج من بيته إلا بأذنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغفر له: "لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزةً عاصيةً لله ورسوله ومستحقةً للعقوبة، وقد قال النبي : ((لا يحل لامرأة أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تخرج وهو كاره، ولا تطيع فيه أحدًا)) أخرجه البيهقي".
ويجوز لها أن تشهد الصلاة في المسجد ولا يمنعها، ولكن بيتها خيرٌ لها.
وعليها أن تحفظ مال زوجها ولا تسرف، فإنها راعية في بيت زوجها وماله، ومسؤولة عن ذلك يوم القيامة.
وعليها أن تخدمه في الدار، وتعينه على أموره، ولا سيما إن كان مشتغلاً بالعلم، وإذا عجزت عن شيء فلا يكلّفها فوق طاقتها وليعنها؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يخيط ثوبه ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله. أخرجه مسلم.
وعليها أن تشكر لزوجها حسن صنيعِه إليها، وأن لا تجحدَ فضله؛ فإن ذلك مدعاة لسخط الله جل وعلا، فقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله أنه قال: ((لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه)) أخرجه النسائي في الكبرى. ومشهورٌ أن أكثر أهل النار النساء؛ لكفرانهن العشير وكثرة اللعن.
ولتحذر المؤمنة من كثرة الشكوى وإيذاء الزوج؛ فإن رسول الله قال: ((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلكِ الله؛ فإنما هو عندكِ دخيلٌ يوشك أن يفارقك إلينا)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
وأما حقوق الزوجة فكثيرةٌ، منها أن يكون عونًا لها على طاعة الله؛ فيعلمها التوحيد والعبادات، ويكفها عن الشرك والبدع والمحرمات.
ومنها أن يغار عليها ويحفظها ويبعدها عن مواطن الرِيَب، وليس معنى الغيرة أن يسيء الظن بها ويتخوَّنها ليلاً ليطلب عثراتها؛ فإن ذلك منهيٌ عنه.
ومن حقها أن يحسن عشرتها ويلبي حاجتها بالمعروف، وأن يرفق بها وينفق عليها وعلى أولادها، ولا يبخل ولا يقتِّر عليهم. وعليها أيضًا أن لا ترهقه من أمره عسرًا؛ فقد روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد من حديث أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إنّ أول ما هلك بنو إسرائيل أنّ امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب والصيغ)) أو قال: ((من الصيغة ما تكلّف امرأة الغني)) والحديث في السلسلة الصحيحة للعلامة الألباني.
ومهما يكن من غضب الزوجة فلا تطلب الطلاق من زوجها؛ لقوله : ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)) أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان.
وعلى أولياء الزوجة أن يتقوا الله جل وعلا، وأن يرشدوا ابنتهم ويحثوها على طاعة الزوج ومعاشرته بالحسنى والصبر، وأن لا يتدخّلوا فيما لا يعنيهم؛ فقد قال عمر رضي الله عنه في وصيته ونصيحته لابنته حفصة زوج النبي : أي حفصة، أتغاضِب إحداكن النبي اليوم حتى الليل؟! قالت: نعم، فقال رضي الله عنه: قد خبتِ وخسرتِ؛ أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكي؟! لا تستكثري النبي ، ولا تراجعيه في شيء، وسليني ما بدا لكِ. متفق عليه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد...
| |
|