molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تارك الصلاة - سعيد بن سالم السناني السبت 12 نوفمبر - 6:13:45 | |
|
تارك الصلاة
سعيد بن سالم السناني
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، أوصيكم أولا بتقوى الله وطاعته ومخافته في السر والعلن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.
أيها المسلمون، لقد افترض الله على عبادة فريضة عظيمة وعبادة جليلة، ومن عظمة قدرها ورفعة شأنها أن الله لما أراد أن يفرضها على عباده رفع خاتم الأنبياء إلى أعلى السماء ثم خاطبه بفرضها، ووعد بعظيم أجرها. إنها الصَّلاةُ قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين ولذَّةُ أرواح المحبين، الصلاة بستان العابدين وثمرة الخاشعين، فهيَ بستَانُ قلوبهم ولذَّةُ نفوسهم ورياضُ جوارحهم، فيها يتقلبون في النعيم ويتقربون إلى الحليم الكريم. إنها هي مفتاحُ الجنان وطريقُ دارِ السلام ومجاورةِ الملك العلام، عبادة عظَّم الله أمرها وشرَّف أهلها، وهي آخر ما أوصى به النبي عليه السلام وآخر ما يذهب من الإسلام. الصلاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، بل والله تبكي الأرض والسموات وتنهدّ الجبال الراسيات إذا غاب الصالحون والصالحات، تبكي إذا فقدت صلاة المصلين وخشوع الخاشعين وبكاء الباكين، تبكي لفقد عمّارها بالأذكار وتعظيم الواحد القهار، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ.
إنّ الصَّلاةَ صلةٌ ولقاءٌ وتعبّد ووفاء بين العبد في الأرض والرب في السماء، هي المعين الذي لا ينضب والزاد الذي لا ينفد، ولقد كان إذا ح+ه أمر فزع إلى الصلاة، بل إنّ كشف الكربات وإجابة الدعوات يكون أعظم ما يكون في الصلوات، فهي عند الصالحين الطريقُ لرفع البلاء وإجابةِ الدعاء.
إن الصلاة هي عمود الدين وأساسه المتين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة؛ فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فلا تكاد تجد أحدًا حريصًا على عبادته مقبلاً على صلاته إلا وجدته قريبًا من الخيرات بعيدًا عن المنكرات، قال الله: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ. وكذلك الشفاعة في الخروج من النار لا تكون إلا للمصلين، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم من النار وإن أدخلوا فيها، كما ثبت ذلك في الصحيحين.
إن الجريمة الكبرى والداهية العظمى أن يترك المرء الصلاة، فتاركو الصلاة هم أنصار الشيطان وأعداء الرحمن وخصوم المؤمنين وإخوان الكافرين الذين يحشرون مع فرعون وهامان ويتقلبون معهم في النيران، قال عليه السلام: ((من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)) أخرجه أحمد وابن حبان، وقال فيما رواه مسلم: ((بين الرجل وبين الكفر ـ أو: الشرك ـ ترك الصلاة))، وصح عند الترمذي والحاكم عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
وبناء على هذه الأحاديث الصريحة الصحيحة حكم كثير من العلماء أن ترك الصلاة كفر مخرج من دين الإسلام، قال كثير من أهل العلم: "إن ترك الصلاة كفر مخرج عن الإسلام، فالذي لا يصلي كافر خارج عن الملة، وإن كان له زوجة انفسخ نكاحه منها، ولا تحلّ ذبيحته، ولا يقبل منه صوم ولا صدقة، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين". وسئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عمن ترك الصلاة متعمدًا؟ فقال: "لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدًا".
والشفاعة العظمى والنجاة الكبرى يوم القيامة لا تكون إلا للمصلين، أما غير المصلين فلا ولا كرامة، قال تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. ما العهد؟ قال : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) رواه أحمد وغيره. وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ما قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. فانظر ـ يا رعاك الله ـ كيف جعل الله أول الأسباب لدخول النار هو ترك الصلاة.
ومن عقوبات تارك الصلاة يوم القيامة أنه يمنع من السجود عندما يدعَى الناس إلى السجود لله سبحانه، يقول تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، يسجد الصالحون الذين صلوا لله في هذه الحياة الدنيا، فيحاول تارك الصلاة أن يسجد معهم لعله بهذه السجدة يغطّي على جرائمه ومعاصيه ومخازيه في الدنيا، ولكن هيهات، فإن ظهره يصبح قطعة واحدة كاللوح، يرى الناس سجودا وهو لا يستطيع، فالجزاء من جنس العمل، كما رفض السجود بين يدي الله في الدنيا يمنع من السجود بين يديه سبحانه يوم القيامة.
ومن عظم الصلاة أن الرسول عليه السلام أمر الوالدين بأن يأمرا أولادهم بالقيام بها، ففي الحديث الحسن الذي رواه الإمام أحمد وغيره قال رسول الله : ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)).
وإنك لتعجب والله من أناس يأكلون ويشربون ويتنعمون بنعم الله ويعيشون في أمن وأمان وصحة في الأبدان ولكنهم هجروا بيوت الله وتركوا أعظم فرائضه وهي الصلاة، فهم لا يصلون أبدا، أو يصلون أحيانا حسب المناسبات والأمزجة، أو من جمعة إلى جمعة، فهؤلاء بحاجة ماسة إلى تصحيح الإيمان في قلوبهم؛ لأنهم خارجون عن الإيمان متوعَّدون بالعذاب بالعظيم، فما أشد حسرتهم! وما أعظم تفريطهم! لأنهم بعيدون كل البعد عن رحمة الله، قال سبحانه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ أي: أنهم إن لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لكم في الدين. أيُّ إسلام بلا صلاة؟! أيُّ توحيد بلا صلاة؟! وأيّ دين بلا صلاة؟! الإسلام ليس بالأسماء والصور، وليس بالدعاوى والأماني، ولكنه قول واعتقاد وعمل، وأما الدعاوى فستذهب أدراج الرياح هباءً منثورًا، لا تزيد صاحبها إلا حسرةً وثبورًا.
يوم تركنا الصلاة ضعنا والله، وأصبحنا على موائد الشعوب، وأصبحنا في فشل ومذلة وخزي. إن ترك الصلاةِ والاستخفاف بها خطأ فادح بكلّ المقاييس، وجناية مخزية بكل المعايير، لا ينفع معها ندم ولا اعتذار عند الوقوف بين يدي الواحد القهار.
كيف بك ـ يا تارك الصلاة ـ إذا جاءك هادم اللذات ومفرق الجماعات ومنغص الشهوات وميتّم الأولاد والبنات، فأخذك على غرة، فأبكم منك اللسان، وهدَّ منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران.
ليعلم تاركو الصلاة أنهم لن ينفعهم شيء يوم يقفون أمام الجبار سبحانه حافين الإقدام عارين الأجسام شاخصة أبصارهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فينظرون يمينا وشمالا فلا يرون إلا ما قدموا من الإعمال الصالحات، ولا يرون إلا النار تلقاء وجوههم، يود تارك الصلاة يومئذ أن يفتدي بأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه، ويندمون يوم لا ينفع الندم. إن تاركي الصلاة محرومون من كل خير، محرومون من الثواب والأمن يوم القيامة. وتارك الصلاة له الويل وهو واد في جهنم، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ. وتارك الصلاة برئت منه ذمة الله ورسوله لقوله عليه السلام: ((لا تترك الصلاة متعمدا؛ فإن من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله)) أخرجه أحمد والطبراني.
ليتذكر تاركو الصلاة أنهم صائرون إلى قبور موحشة وحفر مظلمة، لن ينفعهم ساعتها الأموال والتجارات التي ضيّعوا بسببها الصلاة، مع ما يعيشون فيه في الدنيا من همّ وقلق واضطراب نفسيّ وضيق في الصدور وتشتّت في الفكر وظلمة في القلب وسواد في الوجه ووحشة في قلوب الخلق، مع كثرة الاكتئاب النفسي وتكالب الديون وإهمال الأهل والأولاد، ولا غرابة في ذلك؛ لأنهم تركوا ما خلِقوا من أجله وهو عبادة الله وطاعته، فقد توعدهم بقوله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.
الخطبة الثانية
الحمد لله يعطي ويمنع، ويخفِضُ ويرفع، ويضرُ وينفع، ألا إلى الله تصيرُ الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وحال تاركي الصلاة عند الموت أدهى وأفظع، ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن أحد المحتضرين كان صاحب معاص وتفريط وترك للصلوات، فلم يلبث أن نزل به الموت، ففزع الناس من حوله وانطرحوا بين يديه وأخذوا يذكرونه بالله ويلقنونه: لا إله إلا الله، وهو يدافع عبراته، فلما اشتد به النزع صاح بأعلى صوته وقال: أقول: لا إله إلا الله؟! وما تنفعني لا إله إلا الله؟! وما أعلم أني صليت لله صلاة! ثمّ أخذ يشهق حتى مات.
فانظروا ـ رعاكم الله ـ كيف ختم الله له بالسوء لما ضيع الصلاة واستهان بها. أما المؤمنون المصلون فقد قال الله عنهم: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ.
وتارك الصلاة ليس له حظ في الإسلام، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة). إن ترك الصلاة دليل على ضعف الإيمان وخواء القلب من تعظيم الله وتوقيره واحترامه، وإلا فكيف يليق بمسلم صحيح آمِن يسمع منادي الله كل يوم خمس مرات وهو يناديه: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ثم لا يجيبه، ثم يكون اللعب عنده أكبر ومشاهدة الأفلام والمباريات أكبر والبيع والشراء أكبر ومشاغل الدنيا الفانية أكبر؟! ويسمعه وهو يقول: (الصلاة خير من النوم) ثم يكون النوم عنده خير من الصلاة؟!
وأما النائمون عن صلاة الفجر والعصر خاصة فعند البخاري من حديث سمرة قال عليه السلام في حديث الرؤية الطويل: ((أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، فانطلقت معهما، وإنَّا أتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلغ رأسه، ثم يتبع الحجر فيأخُذه فلا يرجع إليه، حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعودُ عليه فيفعل به مثل ما فعل المرةِ الأولى)). أرأيت يا من تنام عن الفجر، ويا من تنام عن العصر؟! أرأيت ماذا ينتظرك من العذاب وأنت غافلٌ لاه لا تدري ماذا يرادُ بك وماذا يهيّأ لك؟! فاتقِ الله، وألقِ عن نفسك ال+ل والخمول، فالمسألة ليست أحاديث صبيان ولا ألاعيب مراهقين، ولكنها جدٌ وربِ الكعبة، وإن غدًا لناظرهِ لقريب.
| |
|