molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حبل الله- سعود بن إبراهيم الشريم الخميس 10 نوفمبر - 3:47:40 | |
|
حبل الله
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ؛ إذ بها المعتَصَم وإليها الملتزَم، فما خاب من عمِل بها، ولا حار من لامَست شغافَ قلبه، بها النّجاة وفيها الحياة، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54، 55].
أيّها المسلمون، إنّ مثَل شهرِ رمضان المبارك كمثَل حبلٍ متين وثيقِ الفَتل، من تمسّك به فكأنّما هو يُمدِد بسببٍ إلى السّماء من الإيمانِ والمسارعةِ إلى الخيرات، ثمّ إنّ الانسجام المتكاملَ مع رَوحانيةِ هذا الشّهر لا يكفله إلاّ الانسجامُ التامّ مع أُطُر الشريعةِ الغرّاء وثوابتِها المتينة والمفهوم الصحيح لمعنى شهرِ رمضان المبارك ومعنى حرمتِه وعظمته، وإلاّ فهيهاتَ هيهاتَ أن تستجلَب القشعريرة المصاحبةُ لهذا الشّهر وسطَ زوابع وهَت فيها حبالُ التمسّك الصريح بشِرعةِ الله ومنهاجه، وحاضرُ الأمّة ومستقبلها مرهونٌ بمقدارِ الفهمِ الصّحيح لحقيقةِ هذا الشهر وما يحمِله من المعاني المؤثّرة سلبًا وإيجابًا على واقعِها، وإذا ما تحقّقت في المجتمعاتِ المسلمة صورةُ الالتزام بصِبغة الله فإنّها حينذاك تُعَدّ مجتمعاتٍ حيّة بتلاؤمِ شرائحِها وانتظامِها كانتظام خَرَز قلادةٍ طوِّقت حول العُنق، في حالةٍ يسودها رضَا النّاس بربّهم ثمّ رضاهم بأنفسهم وولاتِهم وعلمائهم وذوي الإصلاحِ فيهم، والرّضا عن الآخرين مِن خلالِ ما يُشاهَد في هذا الشّهر المبارك من ممارساتٍ حياتيّة باديَة للعيان، تعدّ محكًّا ولا شكّ في الحكم على مثلِ هذه المجتمعاتِ قُربًا من الله أو بُعدًا.
أيّها المسلمون، إنّ شهرَكم هذا قد تقارب تمامُه وتصرَّمت لياليه الفاضلةُ وأيّامه، وآذن للمَلأ برحيله، وإذا لم يكن هذا الشهر هو شهرَ التّوبة فمتى تكون التّوبة إذًا؟! وإذا لم يكن هذا الشهرُ هو شهرَ التصحيح والتغيير على الأحسن فمتى يكون التصحيح إذًا؟! وسنظلّ نقول: متى إذًا؟ ومتى إذًا؟ ومتى إذًا؟!
إنّ المجتمعاتِ المسلمة مهما غفلت عن المحاسبةِ والتّصحيح تجاهَ التّقصير أو تناءت عن الوصولِ إليه أو تجاهَلت الإحساسَ الصادقَ بالذّنب والتفريط في جنب الله فستظلّ أسيرةَ الفوضى والعشوائيّة، منقادةً لا قرارَ لها، تتهاوى بها مضاربُ اللاعبين بها في كلّ اتجاهٍ ومسلك، فإذا هي تُصعِد ولا تَلوي على شيء، بل هي موثَقَة بكلكَلها وكأنّها وسطَ عُنقِ زجاجة لا تستطيع الحِراك من خلاله.
ألا إنّ العقولَ السويّة والفطرَ السّليمة لن تخرجَ عن إطارها المرجوِّ لها إذا اعتبرَت البحثَ عن الصّلاح هو البرنامجَ الوحيد لكلّ إصلاح، وإذا كانت صبوةُ المجتمعاتِ المتدنّية دائمةَ الإلحاح على ذويها تحاوِل العِوجَ بسلوكِهم بين الحين والآخر فلن يُكفكِفَ شرَّ هذه الصبوةِ علاجٌ مؤقّت أو خلق مسبَّباتٍ في غير موضعِها أو بردود أفعالٍ لا تلبَث أن تذهبَ أدراجَ الرّياح، بل إنّها تحتاج إلى عامِل لا يقلّ قوّةً عنها ليعيدَ التوازنَ على عجلٍ عند الاختلال، ألا وهو عاملُ المحاسبة والتّصحيح، إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11].
أيّها المسلمون، كتابُ الله جلّ وعلا هو إعلامُ المسلمين الصادِق ومنبَع التوجيه والتربيّة الصافية، الذي لا تشوبه مطامِع ولا تكدّره حظوظ، فهو ليس إعلامًا يُذكِي الخنَا أو يُضرم الجريمةَ أو يحلق الأخلاقَ الفاضلة والمُثُل السامية، كلا، إنّه إعلامٌ من ربّ العالمين، لا تطفَأ مصابيحه، ولا يهزَم أنصاره، هو الحقّ ليس بالهزل، بالحقّ أنزله الله، وبالحقّ نزل، مَن عمل به أُجِر، ومن حكَم به عدَل، ومن ابتغى الهدى من غيرِه أضلّه الله، به يرفَع الله أقوامًا ويضَع آخرين.
إنّ جموعَ المسلمين عن اليمينِ وعن الشّمال عِزين شَرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا قد أمضَوا خمسةً وعشرين يومًا مع كتابِ ربّهم، ينهلون من منابعِه ويرَون عجائبَه وأمثالَه وأقسامَه وإعجازَه، ولقد أخذَت بألبابهم قصصُ القرآن كلَّ مأخذ، حيث تنوّعت في قصصِ الأنبياء والمرسلين وفي قصصٍ قرآنيّ يتعلّق بحوادثَ غابرة، كقصّة الذين خرَجوا من ديارِهم وهم ألوفٌ حذرَ الموت فقال لهم الله: موتوا، ثمّ أحياهم، وقصّةِ طالوت وجالوت وابنَي آدم وأهل الكهف وذي القرنين وقارونَ وفرعون وهامان وأصحابِ السّبت وأصحاب الأخدود وغيرهم. ومحصَّلةُ هذه القصصِ كلّها العاقبة الحسنى للمؤمنين والخسرانُ والبوار للمعاندين المستكبرين أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:49].
كلُّ هذا القصصِ ـ عبادَ الله ـ ليثبّت الله به أفئدةَ العباد ويذكي روحَ الإيمان في قلوبهم وليبيّن لهم أنّه إنّما خلقَ الجنَّ والإنس ليعبَد وحدَه في الأرض، لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111].
عبادَ الله، من خلالِ عرضِ المسلمين للكتابِ المباركِ في هذا الشّهر فإنّهم يدركون جيّدًا أنّ الله فضّل هذه الأمّة من بين الأمم الغابرة برسالةِ محمّد ، وشعارُها هو الوسطية، فهي الأمّة الوسَط التي تكون شهيدةً على الناس ويكون الرّسول عليها شهيدًا، والوَسَط كما قاله المفسرون هو العَدل الخِيار، لا كما يفهمه البعضُ من أنّ الوسطَ هو الشيء الذي يكون بين طرفين، كلاّ، بل هو الحقّ ولو تعدّدت الأطراف، وهو الحقّ ولو لم يكن ثمَّة إلاّ طرفان، فالوَسط هو ما وافق أمرَ الله وأمرَ رسوله وإن كنتَ وحدَك، ومِن هذا نعلم يقينًا غلطَ فِئتين من الناس، إحداهما فئةٌ مغالية متنطّعة سالكة مسالكَ يعلوها الشططُ والعريّ عن الأثارة العلمية، فهي تجتهِد دونَ علم وتعمل دون رويّة، فتفسُد وتُفسِد، ومن ثمّ تقع فيما عاب الله به أهلَ الكتاب بقوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:77]. والفئةُ الأخرى فئةٌ منحرِفة تشَنشِن حولَ الفئةِ الأولى، فتدعو بسببِ ذلك إلى وسطيّةٍ ابتدعوها ما كتبَها الله عليهم، بل هي متطرِّفة أيضًا عن الحقّ؛ لأنّها ترى الوسطيّة في التخلّي عن الثوابتِ الشرعيّة والتّشكيكِ في مسلَّمات الدين والدّعوة إلى تهميشِ الأسُس والركائز التي قامت عليها أمَم الإسلام ودوَل الإسلام رَدحًا من الزمن، ليُجهَز عليها إبّانَ ممارساتٍ شاذّة من الفئةِ الأولى ليست هي من أصولِ الإصلاح ولا هي من بابتِه، وإنّما علّق عليها الهادِمون المعاولَ ليشوِّشوا بها على بني الملّة ويهوِّشوا، ولتكونَ للحاسدين تكأةً للقضاء على البقيّة الباقية من صورِ التديّن الذي لا تحيَى المجتمعاتُ إلاّ به، ومن ثمّ تقع هذه الفئةُ فيما عابَ الله به اليهودَ بقوله: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85].
ولِذا ـ عبادَ الله ـ فإنّ أيَّ هَبوبٍ لرياح التّغيير التي تتلو الزّوابع والمدلهمّات ينبغي أن يكونَ مبعثَها كتابُ الله وسنّة رسوله ، عملاً بوصيّة النبيّ لأمّته في حجّة الوداع: ((وإنّي قد تركتُ فيكم ما لن تضلّوا بعدي إن اعتصمتم به: كتاب الله)) رواه أبو داود وابن ماجه[1].
إنّه بمثل هذا علّمنا القرآن، وبهذا يشهَد كلّ من كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد مِن خلالِ عرضِ هذا القرآن في هذا الشهر المبارك، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].
إنّ القرآنَ هو الحياةُ وهو النّجاة في زمنٍ أفلسَت فيه النُظم ووهنَت فيه العولمةُ الحرّة المزعومة في السّياسة تارةً وفي العلومِ الدنيويّة أخرى وثالثةً في القهرِ والجبروت ورابعة في الغزوِ الأخلاقيّ والثقافيّ المترجَم عبرَ وسائل تتلقّفها أقطار المسلمين يمنةً ويسرة إلاّ من رحِم الله. ويا ليت شِعري هل تدرِك أفئدةُ الكثيرين قولَ النبيّ لعائشة رضي الله عنها في ليلةٍ من اليالي: ((يا عائشة، ذرينِي أتعبَّد لربّي))، قالت: قلت: والله، إنّي لأحبُّ قربَك وأحبّ ما يسرّك، قالت: فقام فتطهّر، ثمّ قام يصلّي فقرأ القرآنَ، ثمّ بكى حتّى رأيتُ دموعَه قد بلغت حِقويه، ثمّ جلس فحمِد الله وأثنى عليه، ثمّ بكى حتّى رأيتُ دموعَه قد بلغت حجرَه، ثمّ اتّكأ على جنبه الأيمن ووضع يدَه تحت خدّه، ثمّ بكى حتّى رأيت دموعَه قد بلغت الأرض، فدخل عليه بلال فآذنه بصلاةِ الفجر وقال: ما يبكيك؟ قال: ((لقد نزلت عليَّ الليلة آيات، ويلٌ لمن يقرؤها ولم يتفكّر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:190-193])) رواه ابن حبّان بسندٍ جيّد[2].
اللهمَّ اجعل القرآنَ العظيم ربيعَ قلوبنا ونورَ صدورنا وجلاءَ أحزاننا وذهابَ همومنا وغمومِنا، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنّه كان غفّارًا.
[1] سنن أبي داود: كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه: كتاب المناسك (3074) من حديث جابر رضي الله عنه الطويل في صفة حجة النبي ، وهو عند مسلم في الحج (1218).
[2] صحيح ابن حبان (620)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1468).
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها المسلمون، واعلَموا أنّ عشرَكم هذه عناقِد تناقصت وخرَزُ عقدٍ لم يبقَ منها إلا القليل، فمن كان منكم محسنًا فيه فعليه بالإكمال، ومن كان مقصِّرًا فليختِمها بالإنابة والاستغفار، فهنيئًا لمن تفكّر في ذنوبه فبكى، وأسِف على ما كان منه فرفَع أكفَّ الضّراعة إلى ربّه وشكا.
ألا فاتّق الله ـ أيها المسلم ـ فيما بقي، وأقبِل على ربّك إقبالَ التائبَ الآيِب، وانظر كيف سار المتّقون في هذا الشهرِ ورجعتَ، ووصَلوا إلى المقصِد وانقطعتَ، وأجابوا الداعيَ لكنّك قد امتنعتَ، لقد تفكّروا في تفريطِهم فأنّوا، وتلهّفوا إلى رحمةِ الباري فحنّوا.
ألا ترى ـ أيّها المسلم ـ أنّ منزلةَ شهر رمضان مع بقيّة الشهور كمنزلةِ يوسفَ عليه السلام مع إخوانِه الأحدَ عشر، وأنّ يعقوبَ عليه السّلام لم يرتدَّ بصره بشيءٍ من ثيابهم، وارتدّ بقميصِ يوسفَ عليه السلام بصيرًا، فكذلك المذنِب إذا شمّ روائحَ رمضان وجلسَ فيه مع الذّاكرين وقرأ القرآنَ فإنّه يرتدّ إليه قلبه وتحيَى فيه نفسُه المطمئنّة، ويا لله ما أسعدَ من وفّقه الله لقيام ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. فهل لك ـ أيّها المسلم ـ أن توافقَ هذه الليلةَ إن كانت فيما بقي، لتحظَى بثوابِ عبادةٍ تعادِل ثلاثةً وثمانين عامًا. ألا إنّ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
صعد رسول الله درجاتِ المنبر، فلمّا رقِي عتبةً قال: آمين، ثم رقِي عتبةً أخرى فقال: أمين، ثم رقِي عتبةً ثالثة فقال: آمين، ثم قال: ((أتاني جبريلُ فقال: يا محمّد، من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله، قلتُ: آمين)) الحديث رواه ابن حبان وغيره[1].
ثمّ اعلموا ـ أيّها المسلمون ـ أنّ الله قد فرَض عليكم صدقةَ الفطر على الحرّ والعبد والذكر والأنثى والصغيرِ والكبير، صاعًا من برٍّ أو أقِط أو تمر أو +يب أو شعير أو ممّا يقتاتُه أهلُ البلد، والصاع النبويّ يساوي بالوزن المتعارَف اثنين من الكيلو ومائتين غرامًا بالاحتياط.
ووقتُ وجوبِها يبدأ من ليلةِ العيد، والمستحبّ من صُبح العيدِ قبلَ الصلاة، ولا بأس في إخراجِها قبلَ العيد بيومٍ أو يومين.
كما يُسَنّ التكبير ليلةَ العيد إلى الصلاة واستحباب أكلِ ثلاثِ رُطَبات قبل أداء صلاة العيد اقتداءً بنبيّنا ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
تقبّل الله منّا ومنكم صالحَ الأعمال، وجعلنا وإيّاكم وإخوانَنا المسلمين مِن عتقائه من النّار، إنّه سميع مجيب.
هذا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خيرِ البريّة وأ+ى البشريّة محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب صاحبِ الحوض والشّفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبّحة بقدسِه وأيّهَ بكم أيّها المؤمنون، فقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد...
[1] صحيح ابن حبان (409) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، وأخرجه أيضا الطبراني (19/291)، قال الهيثمي في المجمع (10/166): "فيه عمران بن أبان، وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات". وله شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الأدب المفرد (646)، والبزار، وأبو يعلى (5922)، والطبراني في الأوسط (8131، 8994)، والبيهقي (4/304)، وصححه ابن خزيمة (1888)، وابن حبان (907)، وقال الهيثمي في المجمع (10/167): "فيه كثير بن زيد الأسلمي، وقد وثقه جماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات". وله شاهد آخر من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، أخرجه الطبراني (19/144)، والبيهقي في الشعب (1572)، وصححه الحاكم (7256)، قال الهيثمي في المجمع (10/166): "رجاله ثقات". وهذه الأحاديث الثلاثة صححها الألباني في صحيح الترغيب (995، 996، 997). وفي الباب أيضا عن عمار بن ياسر وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وابن عباس وابن مسعود وأنس وعبد الله بن الحارث رضي الله عنهم، انظر: مجمع الزوائد (10/164-166).
| |
|