molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإنفاق في سبيل الله- سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الأربعاء 9 نوفمبر - 5:02:27 | |
|
الإنفاق في سبيل الله
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الصدقات التي نبذلها على اختلاف صنوفها من +اة أو هبة أو نفقة أيًا كانت فهي جليلة في معاش الإنسان ومعاده، وعلى أساسها تضعف أو تقوى صلة المسلم وارتباطه بدينه، ولن يحرم المسلم كبخله في الحقوق وسوء ظنه بالله رب العالمين، ولن يسبق به كجوده وإنفاقه المال في سبيل الله وثقته بفضل الله وكرمه وأنه يخلفه له سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة: 272]، وقال عز وجل: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39]، وما من شيء أشقّ على الشيطان وأبطل لكيده وأقتل لوساوسه من إخراج الصدقات والإنفاق في سبيل الله؛ ولذلك فالشيطان يقذف الوهن في النفوس حتى يثبطها ويبعدها عن البذل والعطاء ويفتح لها أبوابًا ووساوس ليعلّقها بالحطام الفاني.
ولنستمع إلى هذا المثل الذي ضربه الله عز وجل لعباده المؤمنين حيث بدأهم بالْحَضِّ والتأليف واستجاشة المشاعر لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله عز وجل وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فهو يضاعف لمن يشاء وهو الواسع العليم، لا يضيق عطاؤه ولا ينضب، عليم بالنوايا ويثيب عليها ولا تخفى عليه خافية، قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261]، أي: ينفقون أموالهم في طاعة الله وفي الجهاد في سبيل الله وإعداد السلاح والقوة لمجاهدة أعداء الله ورسوله، فلهم بكل درهم سبعمائة درهم إلى أضعاف مضاعفة، فضرب الله المثل بالحبة التي أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة؛ ليكون أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة فقال رسول الله : ((لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة))، وقال : ((من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)) رواه النسائي والترمذي وابن حبان والحاكم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما نزلت هذه الآية: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ قال النبي : ((ربّ زد أمتي))، قال: فأنزل الله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، قال: ((ربِّ زد أمتي))، قال: فأنزل الله إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] رواه ابن حبان والبيهقي.
ولكنْ أَيُّ إنفاقٍ هذا الذي ينمو ويربو؟ وأي عطاء هذا الذي يضاعفه الله في الدنيا والآخرة لمن يشاء؟ إنه الإنفاق الخالص لله رب العالمين، والذي لا يُتْبِعُهُ مُنْفِقُهُ مَنًّا ولا أذى بحيث لا يؤذي كرامة ولا يخدش شعورًا ولا يمنّ به على أحدٍ لا بقولٍ ولا بفعلٍ، هو ذلك الإنفاق الذي ينبعث عن أريحية ونقاء مبتغيًا بذلك رضا الله جل جلاله، قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262]، والْمَنُّ عنصرٌ كَرِيهٌ لَئِيمٌ وشُعُورٌ خَسِيسٌ وَاطٍ، فالنفس البشرية لا تَمُنُّ بما أعطت إلا رغبة في الاستعلاء الكاذب أو رغبة في إذلال الآخذ أو رغبة في لفت أنظار الناس إليها، فالتوجه إذًا ليس لله بهذا العطاء بل للناس إما رياءً أو سمعة أو نفاقًا؛ لذلك يجب على المؤمن أن يبتعد عن المن والأذى والرياء والسمعة والنفاق ليحوز على الأجر العظيم من الله جل ثناؤه، ولئلا يحبط عمله بهذا الإنفاق، وليكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ثم عقّب سبحانه بقوله: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة: 263]، يقرر سبحانه بأن الصدقة التي يتبعها الأذى لا ضرورة لها، وأولى منها كلمة طيبة وشعور سَمْحٌ، كلمة معروف تضمد جراح القلوب وتعفها بالرضا والبشاشة، ومغفرة تغسل أحقاد النفوس وتحلّ محلها الإخاء والصداقة، والله غني عن خلقه، حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكرون، ولا يعجل لهم العقاب، ويصفح ويتجاوز عنهم.
وقد وردت الأحاديث بالنهي عن المنّ في الصدقة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا ي+يهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب))، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي قال: ((لا يدخل الجنة عاقٌّ ولا منّان ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر)).
ثم يضرب تعالى مثليْن متقابليْن شكلاً ووصفًا وثمرة، فالمثل الأول يضربه للقلب الْمُصْلَدِ المغشي بالرياء، يمثله بالصخر الأملس الذي عليه تراب، فأصابه الوابل أي: المطر الشديد، فتركه صلدًا أي: أملس أجرد لا شيء عليه من ذلك التراب، بل قد ذهب كله، فكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب، والمثل الآخر المقابل للمرائي: القلب العامر بالإيمان نَدِيٌّ ببشاشته ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله، فإذا كان القلبُ الصَّلْدُ وعليه ستار من الرياء يمثله بصفوان صلد عليه غشاء خفيف من التراب، فإن القلب المؤمن تمثله وتشبهه جنة خصبة عميقة التربة في مقابل حَفْنَةِ التراب على الصفوان، جنة هنا تقوم على ربوة أي: مكان مرتفع من الأرض في مقابل الحجر الذي عليه حفنة من التراب عند ذلك المرائي. فهذا البستان عند المؤمن يؤتي ثمرته ضعفين، وإن لم يصبه وابل أي: مطر فطلّ: أي رذاذ من المطر ليعطيه كفايته سواءٌ من المطر الشديد أو الرذاذ المستمر، فكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا، بل يتقبله الله ويكثره وينمّيه، كل عامل بحسبه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 264، 265].
ثم يضرب الله مثلاً حسنًا ـ وكل أمثاله حسن ـ ليبين سبحانه لعباده المؤمنين لعلهم يعتبرون ويفهمون الأمثال والمعاني وينزلونها على المراد منها كما قال تعالى في آية أخرى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43]، فضرب الله المثل بالعمل للرجل الغني الذي يعمل بطاعة الله وينفق أمواله ثم جاءه الشيطان فعمل المعاصي حتى أغرق أعماله، فقال تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 266]، أي: صنعه في شَيْبَتِهِ وأصابه الكبر وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانُه، فلم يكن عنده قوة ليغرس مثله، ولم يكن عند نَسْلِهِ خيرٌ ومالٌ يعودون به عليه، فكذلك الذي ينفق ماله رئاء الناس وسمعة ونفاقًا والكافر أيضًا إذا رُدَّ أحدُهم إلى الله عز وجل يوم القيامة يوم الجزاء والحساب ليس له خير فيستعتب، كما أنه ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجده قدّم لنفسه خيرًا يعود عليه كما لم يُغْنِ عن هذا وَلَدُهُ وحُرِمَ أَجْرَهُ في حال هو أحوج فيه إلى حسنة واحدة، كما حُرِمَ هذا جَنَّتَهُ عندما كان أَفْقَرَ ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته، وقد ورد في الأثر: (اللهم اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني وانقضاء عمري).
ثم يأمر الله عباده المؤمنين بالإنفاق من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ونهاهم عن تقصّد الخبيث في الإنفاق، فلو أعطيه أحدهم لما أخذه إلا عن إغماضٍ وتغاضٍ فيه، كما أوضح تعالى بأن الشيطان واقف لنا بالمرصاد وخاصة عند الإنفاق في سبيل الله، فهو يَعِدُ من ينفق ماله بالفقر ويخوّفه عواقب الإنفاق في سبيل الله، وكذلك يأمر بالفحشاء أي: بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة رب العالمين، مع أن الله جل جلاله يَعِدُنَا مغفرةً وفضلاً منه سبحانه مقابل ما يخوّفنا به الشيطان الرجيم والله واسع عليم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 267، 268].
ثم بعد آيتين يوضح سبحانه أنه إذا أظهر المؤمن الصدقة فَنِعْمَ شيءٍ هي إذا أخلص النية لله رب العالمين، وإن أخفاها فذلك خير له، وفي ذلك دلالة على أنَّ الإسْرَارَ بالصدقة أفضلُ من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء إلا أن يترتب على الإظهار مصلحةٌ راجحةٌ من اقتداء الناس به والمسارعة إلى البذل والعطاء كما هو حاصل في الحملات الإعلامية عندما ينزل بالمسلمين نازلةٌ، فذلك أفضل من هذه الحيثية مع الإخلاص لله رب العالمين والبعد عن الرياء والسمعة والمنّ والأذى ومع الاتباع لطريق رسول الله وعدم الابتداع ولزوم المنهج الصحيح القويم، كما ورد في فضل الإسرار بها في حديث السبعة الأصناف الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 271].
الخطبة الثانية
الحمد لله يبتلي عباده بالشر والخير فتنة ويبتليهم بالنعم ويختبرهم، ومنها نعمة المال لينظر كيف يعملون، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإن المسلمين الصادقين يهتمون بشؤون إخوانهم المسلمين في كل مكان وبقعة من الأرض، ويعيشون معهم بمشاعرهم، ويبذلون ما يستطيعون في جميع المجالات للتخفيف عنهم من آلامهم وما نزل بهم، وقد شبههم رسول الله بالبنان أو البنيان الذي يشد بعضه بعضًا لكي يبقى متماسكًا مترابطًا، وهم كالجسد الواحد إذا أصاب جزءًا منه مرضٌ وألمٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، قال رسول الله : ((المؤمن للمؤمن كالبنان ـ أو: كالبنيان ـ يشد بعضه بعضًا)) متفق عليه، وقال : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) متفق عليه، ومنْ لمْ يَهْتَمَّ بأمر المسلمين فليس منهم، فلا بد أن تتحرك فينا مشاعر الأخوة الإسلامية وخاصة في هذه الأيام وهذا الزمان الذي تداعت فيه على المسلمين وديارهم وسائلُ الشر والعدوان من أعدائهم وأعداء دينهم الإسلامي في جميع بقاع الأرض لكي يقضوا عليه وعلى أهله بشتى الطرق، ومِنْ أخطرِهم اليهودُ والنصارى، والنصارى أكثرُ نشاطًا وسَعْيًا لإخراج المسلمين وإبعادهم عن دينهم، وبالأخص في الدول الفقيرة فهم يستغلون حاجة المسلمين للطعام والشراب وال+اء والمأوى والتعليم، ويدخلون من هذه الأبواب، وقد نجحوا في أماكن عديدة من دول العالم لتقصير المسلمين وبُخْلِهِمْ بما في أيديهم وعدم اهتمامهم بشؤون إخوانهم المسلمين، والأَخْبَثُ من النصارى اليهود الذين يسعون بكل الطرق والوسائل لإبعاد المسلمين عن دينهم في جميع بقاع الأرض عن طريق المخططات الصهيونية المتعددة ووسائلها والتي يغفل عنها كثير من المسلمين، ومن أخطر وسائلهم جَرُّ المسلمين للشهوات عبر الوسائل المختلفة لإشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين، وهذا هو الحاصل عبر الفضائيات وشبكة المعلومات العالمية، وكذلك جَرُّهُمْ إلى الشبهات لتشكيكهم في إسلامهم، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120].
وأَخْطَرُ مِللِ الكفرِ اليومَ الشُّيُوعِيُّونَ الْمُلْحِدُونَ الذين لا يؤمنون بوجود الله تبارك وتعالى والذين كتموا المسلمين عشرات السنين حتى اعتقدوا بأن المسلمين هناك قدِ انْتَهَوْا هُمْ وإسلامُهم، ومعلوم ما قاموا به في بلاد المسلمين ويراه المسلمون ويسمعونه ويقرؤونه عبر الوسائل المختلفة من وحشية وهمجية وعداءٍ شَرِسٍ لا يُطَاقُ، ولا تهدأ نفس المسلم الغيور على إسلامه وأمته أن يرى تلك المجازر والتشريد والتجويع ثم يسكت بعدها أو تضعف هِمَّتُهُ لتقديم أي مساعدة وعَوْنٍ لإخوانه المسلمين في كل مكان، وأقل ما يقدمه المسلم هو المال، قال تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 96]، وقال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39]. نعم، إنه يخلفه الرزاق سبحانه في الدنيا أضعافًا مضاعفة قبل الآخرة حيث يجد المؤمنُ جزاءَ ذلك يوم الجزاء والحساب.
فعلى المسلمين أن يقدموا لإخوانهم ما يستطيعون وإن لم يكن من فضول أموالهم التي هي الباقية لهم وسوف يجدونها أمامهم يوم القيامة فليكن ذلك من ال+اة الواجبة عليهم في أموالهم، ولا يَحْقِرَنَّ أحدٌ أَيَّ مبلغٍ مهما كان، ولا تنسوا إخوانكم المسلمين في أي جهة وبقعة من العالم مع الْبَدْءِ بالمحتاجين في هذا البلد الطيب، وليسْعَ كُلُّ إنسانٍ بنفسه لتقديم ما لديه إلى المحتاج الذي يعلم حاجته، وإن لم يكن ذلك فعليه بتقديمه إلى الجمعيات الخيرية لإيصالها إلى المستحقين، هذا في الداخل، أما في الخارج فيكون تقديم ما لدى كل شخص عن طريق الهيئات الإغاثية التي أُعْلِنَ عنها والتي تقوم بإيصال التبرعات والنفقات عن طريقها، وقد كَفَتِ الجميعَ مَؤُونَةَ البحثِ وعَنَاءَهُ، فعلينا بالمسارعة والمبادرة واغتنام هذه الفرصة الطيبة والأيام المباركة حتى يبارك الله في أعمالنا وأعمارنا.
فعلى كل مسلم ومسلمة المساهمة كل بما يستطيع وبما تجود به نفسه في الإنفاق في وجوه الخير الكثيرة المتعددة والتي أتيحت لكل فردٍ منا بدون تعب في بلاد الحرمين حيث وفق الله المسؤولين مع الذين يحتسبون الأجر من الله ولديهم الإحساس الصادق بما يعانيه إخوانهم المسلمون في أنحاء المعمورة وفقهم لهذه الأعمال الخيرية المحمودة، وقد تعددت القنوات الخيرية الرسمية في هذا البلد المبارك والتي تُعْنَى بشؤون المسلمين في كل مكان ليكونوا حلقة وصل بين كل مسلم يريد الخير والإنفاق في جميع وجوه البر والإحسان وبين المسلمين في جميع بقاع الأرض، فما على المسلم إلا أن يستغل هذا الوقت المبارك في هذا الشهر الفضيل ليضاعف الله له الأجر والثواب، ويدفع إليهم ما يستطيع في مشاريعهم المتعددة إن كان في سنابل الخير والصدقات الجارية أو للمشاريع العامة الأخرى لبناء المساجد والمدارس أو حفر الآبار أو تعليم للقرآن الكريم أو للجهاد في سبيل الله أو لإطعام الصائمين أو لكفالة أيتام المسلمين وأراملهم وغير ذلك من وجوه البر والإحسان أو للزكاة لإيصالها إلى مستحقيها من الأصناف الثمانية، فهذه الجهات الرسمية أيدٍ أمينةٌ إن شاء الله تعالى، ونحسبهم كذلك ولا ن+ي على الله أحدًا، فما علينا إلا أن نبادر بالمساهمة في عمل الخير لن+ب رضا الله عز وجل ونستغل الأوقات والأزمنة الفاضلة في مثل هذا الشهر العظيم، ولنحوز على الأجر العظيم من الله الجواد الكريم، ولنجدها في ميزان حسناتنا يوم القيامة، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34-37].
ولا يحقرنَّ أحدٌ من المعروف شيئًا مهما كان قليلاً، فسوف يجده يوم القيامة وقد ربا ونما بإذن الله. والهيئة تقبل أي شيء يزيد عن حاجة الإنسان وإن كان قديمًا ولا يرغب صاحبه في استعماله وقد يرميه بعض الناس في القمائم سواء كان من الملابس أو الأحذية أو الفرش والأغطية والأ+ية أو الأثاث والأدوات المدرسية بالنسبة للطلبة وغير ذلك، فهم يوصلونها بإذن الله إلى المستحقين إلى من هم في حاجة إليها، قال تعالى: إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 36-38]، وقال عز وجل: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]، وقال سبحانه وبحمده: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [التغابن: 16-18]، وقال عز وجل: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 10، 11]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254].
فبعد سماع هذه الآيات وهذا النداء الإلهي والنداء النبوي في الأحاديث الشريفة وبعد أن رأى المسلمون وشاهدوا شيئًا يسيرًا مما يعانيه إخوانهم في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير وغيرها من البلدان وتقديم المساعدات المختلفة من دول الكفر ابتداءً من الدول المعادية والمحاربة باسم حقوق الإنسان، فبعد هذا كله ألا يتحرك الإيمان في نفوس أصحاب رؤوس الأموال لتقديم المساعدات المختلفة لإخوانهم المسلمين في كل مكان بحيث لا ينسون الفقراء وأصحاب الحاجات في بلدهم ولا في فلسطين وكشمير والشيشان وغيرها من ديار المسلمين حيث تحولت الأنظار إلى غيرهم لمّا كان في الساحة ما هو أعظم فنسيهم إخوانهم؟! إن الأمل كبير في إخواننا المسلمين في كل مكان بأن يتحركوا ويسارعوا لنصرة إخوانهم المسلمين في كل بلد محتاج، وكُلُّ بلاد المسلمين في حال يُرْثَى لها، ولكنها تتفاوت في الفقر من بلد إلى آخر.
إن على ولاة أمر المسلمين في كل مكان أن يتفقدوا أحوال شعوبهم وما هم فيه من حاجة وفقر، ويعلموا أن المسلمين لا يُطَالِبُونَ ولا يَشْرَحُونَ لحكامهم ما هم عليه كما يقوم بذلك الكفار في بلادهم من مظاهرات وفوضوية شوارع أو حوادث وحرية كما يسمونها ليحصلوا على حقوقهم، فالمسلمون في جميع بقاع الأرض في غاية التعفف والسعي للكفاف ولم يَصِلْ أكثرُهم إلى الكفاف أو إلى ما يَسُدُّ رَمَقَهُمْ ويَكْسُو عوراتهم، ولكنهم مع ذلك صابرون محتسبون كما وصفهم رب العزة والجلال في قوله تبارك وتعالى: يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة: 273]. إن على من وَلِيَ شيئًا من أمور المسلمين في أي منصب أن يقوم بما أوجب الله عليه ويشعر بمسؤوليته التي سوف يُسْأَلُ عنها يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، وليتذكر الجميع قول رسول الله : ((كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته)) إلى آخر الحديث المعلوم للجميع.
فاللهَ اللهَ ـ أيها المسلمون جميعًا ـ في إخوانكم المسلمين في جميع بقاع الأرض، عليكم بتفقد أحوالهم ومواساتهم، وعلى حكام المسلمين ومن ولاه الله أمورهم تقعُ التَّبِعَةُ العظيمةُ والمسؤوليةُ الكبرى، وقبلهم تلك الْبِطَانَاتُ التي توصل حوائج الناس إلى ولاة الأمر إِمَّا بصدقٍ وشرحٍ للواقع الصحيح وإما بِتَدْلِيسٍ وتَغْطِيَةٍ للواقع وسَتْرٍ لحاجات المسلمين وحجبها عن ولاتهم، وبذلك يتحملون تَبِعَاتِ ذلك في الدنيا والآخرة، وسوف يجدون عواقب أفعالهم الشنيعة تلك لعدم قيامهم بالأمانة، وتلك هي بطانة السوء التي تبحث عن مصالحها ومَنْ لهم بهم علاقةٌ وصلةٌ وتترك عامة الناس وتحجب حاجاتهم عن ولاة أمرهم فالله لهم بالمرصاد، وسوف يلحق الضررُ العاجلُ والآجلُ ليس أصحاب الحاجات ولا البطانة السيئة ولكن يلحق ولاة الأمر لعدم التدقيق والمحاسبة والمتابعة التي لا تعفيهم من المسؤولية كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (والله، لَوْ عَثَرَتْ بَغْلَةٌ بِشَطِّ الْفُرَاتِ لَرَأَيْتُنِي مسؤولاً عنها أمام الله لِمَ لَمْ أُسَوِّ لها الطريق؟) وقال رسول الله : ((إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق؛ إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء؛ إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يُعِنْهُ)) رواه أبو داود بإسناد جيد، وقال : ((ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله)) رواه البخاري.
اللهم ارفع عن المسلمين الذل والحاجة والفقر والمسكنة التي حلت بهم يا أرحم الراحمين، اللهم أَغْنِ المسلمين بالحلال عن الحرام، اللهم أغنهم من واسع فضلك يا أكرم الأكرمين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لما تحب وترضى، اللهم وفقهم لتفقد أحوال رعاياهم وشعوبهم والعدل والمساواة بينهم، اللهم وفقهم للحكم بكتابك و سنة نبيك محمد ...
| |
|