molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: شكر النعم - رضا بن محمد السنوسي الأحد 6 نوفمبر - 3:12:33 | |
|
شكر النعم
رضا بن محمد السنوسي
الخطبة الأولى
أما بعد:
أحبابنا في الله: الشكر لله على نعمائه خلق عظيم ومقام كريم يصدر عن النفوس المؤمنة التي تشبعت بحب الله، وعن القلوب الطاهرة التي ملئت بالإيمان واليقين، وأثر الشكر يكون ظاهراً في اللسان بالثناء، وعلى الجوارح بالبذل والعطاء، وعلى النفس بالطاعة والانقياد لله.
وحقيقة الشكر أن تكون حركات العبد المؤمن وسكناته وخواطره ومشاعره ناطقة بالحمد والثناء على ما أولاه الله من المنن والآلاء، وصدق مولانا وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
والشكر لله سبحانه خلق الأنبياء والمرسلين وسمة عباده الأبرار المقربين، وبالشكر تدوم النعم وتزاد، وبضده تزول النعم وتباد.
وحبيبنا الحريص علينا يحدثنا عن صنفين من الناس: الأول شاكر للنعمة، حريص عليها. والثاني: كافر للنعمة متنكر للمنعم سبحانه.
ويبين لنا عاقبة الشاكر والكافر لنكون على بصيرة من أمرنا، أخرج البخاري ومسلم – واللفظ لمسلم -: (2964) عن أبي هريرة أنه سمع النبي يقول: ((إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم – أي يختبرهم – فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل))، - أو قال البقر، شك إسحاق – إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر البقر، قال: فأعطي ناقة عشراء، أي قريبة الولادة، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلى بصري فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فرد الله إليه بصره، قال: فأي شيء أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والداً فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم.
انظروا – إخوة الإسلام – إلى نعم الله سبحانه كيف أفاضها على هؤلاء، وأنعم عليهم بالصحة والعافية بعد الذي كان بهم من البلاء والمرض الذي جعل الناس تنفر منهم وتحتقرهم، فأبدلهم الله بذلك عافية وصحة.
وتتوالى نعم الله على هؤلاء الثلاثة، فيفيض عليهم من المال الذي يتجملون به أمام الناس، ويعطيهم المكانة المرموقة عند قومهم، فهم قد أصبحوا من أهل العافية ومن أهل المال الوفير الكثير الذي قد أسبغ عليهم، حتى كان لكل واحد منهم المال الكثير الوفير الذي عبر عنه المعصوم بقوله: ((فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم)).
وهذه حال العبيد يفيض الله عليهم النعم، وينعم عليهم بفضله وإنعامه فضلاً منه سبحانه، فان شكروا واستقاموا على طاعته أتم عليهم نعمه، وأبقى حالهم على ما هم فيه من الخير والسرور، وإن كفروا فان الحال يتبدل من اليسر إلى العسر، ومن الخير إلى الشر.
وهذا الذي بينه النبي في تتمة هذا الحديث، حيث إن الله بعد أن أعطاهم ما يحبونه من الصحة والمال الكثير، أراد الله سبحانه أن يختبرهم ليظهر الشاكر للنعمة من الكافر لها.
يقول : ((ثم أتى الأبرص – أي الملَك الذي جاءهم أول مرة – في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحيل – أي الأسباب والطرق – في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ عليه في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيراً فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر – أي عن آبائي – فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت.
قال: وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت.
هذان مثالان للكافر بالنعمة، لقد نسيا ما كانا عليه قبل أن يفيض الله عليهما بالمال، لقد تنكرا لنعم الله عليهما، ونسبا ما هما فيه من الخير والمال إلى آبائهم الذين ورثوا لهم المال، لقد كفرا بنعمة الله، فأعادهما الله إلى ما كانا عليه من الفقر والمرض، وهذه حال الكافر للنعمة، تزول عنه النعم إذا كفر بها، وأنكر نعمة المنعم سبحانه، نعوذ بالله من زوال نعمته، وتحول عافيته، وفجاءة نقمته.
وأما الثالث فصاحب الغنم، فإنه مثال الشاكر الذي يعرف نعم الله، فيؤدي شكرها كما ينبغي، يقول : ((قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى، فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم – أي لا أشق عليك برد شيء تأخذه – شيئاً أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رُضي عنك وسُخط على صاحبيك)).
إن هذا الأعمى كان صافي النفس عامر القلب بالإيمان والتقوى، نظر إلى السائل فذكره بصورته وحاله التي كان عليها قبل أن يرد الله عليه بصره ويعطيه من المال الشيء الكثير، وكشف للسائل حقيقة ما كان عليه من قبل، لم يتنكر لما كان عليه، وإنما اعترف بذلك شكراً للمنعم سبحانه وتعالى، وكم في الناس اليوم من يتنكر لحاله السابقة من الفقر والعوز، ويعتبر ذلك خدشاً لمكانته وتقليلاً لحاله.
لقد نسي ما كان عليه، لا يريد إلا حاضره الذي يعيش فيه، إنه حال المسكين الذي ينسى نعم الله، وهذا الأعمى لما تذكر ما كان عليه دفعه ذلك للشفقة على من هو على شاكلته، فمد له يد العون، وطلب منه أن يأخذ من الغنم ما يشاء. لقد أدى شكر النعمة باللسان والاعتراف لله سبحانه بالفضل والإحسان، وأدى شكر النعمة بالجوارح، ببذل المال لمستحقيه، ثقة بالله وإيماناً به.
إن هذا الحديث العظيم نموذج رائع للشاكر والكافر، وحال الناس أمام نعم الله سبحانه، فالشاكر قد استبقى نعمة الله عليه، والكافر قد استعجل الزوال. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل:112].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم ارزقنا شكر نعمك، اللهم أدم علينا نعمك واحفظها من الزوال، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. نعوذ بك من تحول عافيتك وجميع سخطك. أقول ما تسمعون وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه . . أما بعد:
إخوة الإسلام:
لقد وقع كثير من الناس في الجهل والغفلة، وتمادوا في الغي والضلال، وطغت عليهم المادة، واستحكمت فيهم الشهوة، فانصرفوا عن شكر خالقهم ورازقهم، وغفلوا عن تقدير نعم الله الظاهرة والباطنة عليهم، بل واستعانوا بنعمة الله على ما يسخط الله تعالى، فأعرضوا عن أوامر الله تعالى، وسلكوا ما نهاهم عنه، وهذا كله من كفران النعمة الذي يلزم العقوبة من الله تعالى.
والله سبحانه يحذر عباده من سخطه وأليم عقابه ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
والناظر في حال الناس اليوم يجد أن بعضهم انصرف عن شكر نعمة الله إلى كفرها، فليحذر هؤلاء من عقوبة الله، فإن الله يسلب النعم إذا قلّ شكرها، وصرفت في غير ما أمر الله، والواقع للذين سلبت منهم النعم خير شاهد على عقوبة الله، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن ما أصاب الناس اليوم من الفتن والخوف والاضطراب والنقص في الأموال والأنفس والثمرات ومحق الخيرات والبركات، إنما مرده إلى الجحود والنكران، وعدم مقابلة نعم الله بالحمد والشكران، فتنبهوا من غفلتكم، واستيقظوا من رقدتكم وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المسلمون.
| |
|