molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التحذير من الكبر - رضا بن محمد السنوسي الأحد 6 نوفمبر - 3:05:20 | |
|
التحذير من الكبر
رضا بن محمد السنوسي
الخطبة الأولى
أما بعد:
أحبابنا في الله: ينسى الإنسان في بعض الأحيان حقيقة نفسه، ينسى أنه خلق من طين، وأن أصله من سلالة من ماء مهين، وأنه خرج من مخرج البول مرتين، مرة عندما خرج من صلب أبيه، ومرة عندما ولدته أمه، وينسى أنه وإن حسن منظره وجمّلته ثيابه، أنه يحمل العذرة في باطنه، وينسى أنه مهما طال جسده وعظم، فإنه لا يستطيع أن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولاً، وأن الشوكة تدميه، والذبابة تؤذيه، والأفعى تخيفه، وأن مصيره إلى الزوال ولو كشف عنه بعد موته لهالنا مرآه وحاله.
ينسى بعض الناس هذا كله، فيتعاظمون في أنفسهم، ويأخذهم العجب بأجسادهم وألوانهم وامتداد قاماتهم وجمال ثيابهم، فإذا هم يمشون في الأرض مشية الخيلاء المتكبرين، وينظر إلى الناس نظرة احتقار وازدراء، ويظن نفسه خير الناس وهو أرذلهم.
إن الكبرياء لله سبحانه فمن نازعه فيه، أو أراد أن يتكبر، فليعلم أنه من الخاسرين، واسمعوا إلى الحبيب ، وهو يقول: ((قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) [أبو داود :4090].
والمتكبر من بني الإنسان على خطر عظيم؛ لأن التكبر يورث الموبقات، ويورد صاحبه المهلكات، فالكبر كثيراً ما يوقع صاحبه في العصيان والإصرار عليه، ويحول بينه وبين التوبة، وربما أوصله كبره إلى الكفر والعياذ بالله.
فهذا إبليس لعنه الله إنما أوقعه في المعصية الكبر، حينما أمره ربنا بالسجود، فاستكبر، فكان من الكافرين وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:34].
ومن مظاهر الكبر الإعجاب بالنفس، وهذا خلق من أسوأ الأخلاق وأقبحها، ومن مظاهره المرح والفرح، وقد نهى الله عن ذلك وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً [الإسراء:37].
والمرح هو الاختيال والتبختر في المشي، وهما علامة الكبر في نفس صاحبهما، ولهذا يؤدب لقمان الحكيم ابنه بنهيه عن ذلك وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18].
أما الفرح فهو الذي يؤدي إلى الأشر والبطر، فهذا قارون تكبر لثرائه وكثرة أمواله، وخرج في زينته متبختراً متكبراً فرحاً بحاله، ولهذا قال الصالحون من قومه لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلاْخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا [القصص:76-77].
الكبر عقوبته في الدنيا شديدة، وفي الآخرة عذاب عظيم، فأما في الدنيا فإن الله يطبع على قلبه، فلا يصل إليه الخير، ويسمع الحق، ولا يهدى إلى الهدى، قال تعالى: كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]. ويذله الله تعالى ويهينه ويعرضه للعذاب الأليم الذي يدمره ويسلبه نعم الله تعالى.
أخرجه الترمذي: (2000) بإسناد حسن عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال رسول الله : ((لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم)).
وأما في الآخرة فعذابهم أشد وأبقى حيث يحشر في صورة مهينة، ويحشر في صورة الذر يطؤه الناس بأقدامهم إذلالاً له. أخرجه الترمذي: (2492) بإسناد حسن صحيح عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولُس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال))، ومن غضب الله عليهم حرم عليهم الجنة.
أخرج مسلم: (91) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)). وفي رواية لأبي داود: (4091) قال رسول الله : ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان)).
ومن حرمت عليه الجنة فليس له إلا النار مصيراً ومرجعاً، أخرج أحمد: (2/215) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: ((من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبه الله لوجهه في النار)). نسأل الله السلامة من النيران ومن غضب الجبار.
والكبر في حقيقته هو بطر الحق وغمط الناس، وبطر الحق معناه رده وعدم قبوله ورفض الخضوع له والاحتكام إليه، وغمط الناس احتقارهم وانتقاصهم والاستهانة بهم.
ولضرر هذا الخلق الفاسد خلق الكبر فقد فاض رسولنا في بيانه والتعريف به والتحذير منه يقول : ((ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)) [متفق عليه، مسلم: 2853].
ولم يأل رسول الله جهداً في بيان خطر الكبر وأثره وذكر بعض الأمثلة لحال المتكبرين ما لقوه، أخرج البخاري: (5789) بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي : ((بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذا خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)).
هذا رجل من الأمم التي قبلنا أعجبته نفسه، فخرج يمشي مختالاً بين قومه، يتهادى في مشيته، يجر إزاره من خلفه، فأغضب اللهَ ذلك الكبر، فخسف به الأرض، كما فعل بقارون من قبله، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
وهذا مثال آخر لحآل المتكبرين، أخرج مسلم: (2021) بسنده عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل عند رسول الله بشماله، فقال: ((كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر)) قال: فما رفعها إلى فيه.
أرأيتم كيف كان عقوبة الكبر، لقد أصيب بشلل في يده عقوبة له على تكبره وتعاليه، فما رفعها بعد ذلك إلى فيه إلى أن مات.
إخوة الإسلام: إن اللائق بالإنسان التواضع لخالقه، وهو في حاجة إلى رحمته في كل لحظة من حياته، وهو لا يجد في هذا الكون رازقاً إلا الله سبحانه، فالواجب الخضوع له وعدم التكبر، لأن الكبر لله سبحانه، فهو سبحانه المحيي المميت المالك الخالق، فمن نازع الله في ذلك فقد تعرض لعذاب الله وعقابه.
والملاحظ أن بعض أبناء الإسلام ما بلغهم حال المتكبرين ومآلهم، فسلكوا مسالك المتكبرين، وأحجموا عن قبول الحق، وغمطوا إخوانهم، واستخفوا بهم، واستهانوا بهم، ولم يروا الناس إلا أقل شأناً منهم، والسبب في ذلك أنهم أعجبوا إما بأموالهم، أو بأنسابهم، أو بمناصبهم، أو بقوتهم أو غير ذلك مما هو عرضة للزوال والذهاب، ويبقى الإثم والعقاب.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا مزالق الشيطان، فإنه لكم بالمرصاد، وتوبوا إلى الله، وأنيبوا له، وأروا الله من أنفسكم خيراً، فالسعيد من سلك طاعة الله، وترك عصيانه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، وسلك بي وبكم طريق عباده الصالحين، وجعلني وإياكم من المتواضعين المتذللين لرحمة مولانا الكريم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.. أما بعد:
إخوة الإسلام:
إن العجب هو سبب الكبر، ولكي يسلم الإنسان من هذا الداء، لابد له من الدواء، والدواء من هذا الداء يكمن في عدة أشياء:
الأول: تذكر النعمة، والعلم أن ما به من النعم هو من الله سبحانه، فواجب عليه شكر المنعم، وعدم نسيانه، فإن شكر فقد استبقى النعمة، وإن كان كفر وتكبر فقد استعجل العقوبة التي تحل به.
الثاني: أن يعرف الإنسان حقيقة نفسه، فمن عرف أنه من نطفة قذرة، وهو يحمل في بطنه العذرة، ونهايته جيفة قذرة، فإن تذكر هذا حجبه ذلك عن العجب والكبر؛ لأنه بماذا يتكبر، ويتكبر، بالقاذورات التي يحملها؟ إن الواجب عليه والحال ذلك أن يركن إلى التواضع.
الثالث: وهو العلاج الأهم أن يتذكر الآخرة ومآل الإنسان فيها، فإن كان من المتكبرين فإن مآله النار، وإن كان من الضعفاء المتواضعين فإن مآله الجنة. أخرج مسلم: (2847) في صحيحه سنده عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله : ((احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما أنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وأنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملؤها)).
فانظر – يا أخا الإسلام – إلى أي دار تشتاق وتتمنى. اللهم اجعلنا من أهل الجنان، وسلمنا من النار يا رحمن، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم بذلك مولاكم الكريم: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
| |
|