molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: إصلاح ذات البين - خالد بن عبد الله الجبير الجمعة 4 نوفمبر - 3:17:01 | |
|
إصلاح ذات البين
خالد بن عبد الله الجبير
الخطبة الأولى
وبعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بوصية الله أن اتقوا الله وأطيعوه، احفظوا حدوده، وتقيدوا بأوامره ونواهيه، ففي ذلك راحة النفس وتيسّر أسباب الرزق وارتفاع المنازل في جنات عدن إلى مقاعد الصدق عند المليك المقتدر، تذكروا في كل شأنكم قوله جل وعلا: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:52-55]. فكل شيء مسجّل ومثبت، والمتقون هم وحدهم الناجون الفائزون، فلنعمل ـ وفقني الله وإياكم ـ للفوز بالنجاة من النار وبالمنازل العالية في جنات عدن.
عباد الله، يحدثنا التاريخ بكل فخر عن خير جيل عرفته البشرية، جيل تربى على يد خير البشرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فكان جيلا تميز بكرامة الخلق وسخاء النفس، وبالترفع عن كل دنية، وبالنظر دوما لمعالي الأمور، وبالبحث عما ينقي النفوس من الضغائن ويجمع القلوب ويوحد الكلمة. هذا الجيل هو الجيل الفاضل من بين أجيال البشرية جميعا، ويستبعد تكراره مرة أخرى، وهذا الجيل الذي بلغ عالي المنزلة ورفيع الدرجة، وبُشر أكثرهم بالجنة وبرضا الرحمن، يخاطبهم مربيهم ونبيهم بخطاب فيه التحذير وفيه التنبيه على أمر مكروه نزل بهم ووصل إلى بعضهم وهم الفضلاء، وفيه توجيه نحو الخلاص مما حل ونزل، ولأنه كان نزل بهم وهم الفضلاء فلأن ينزل بمن بعدهم أولى، ولأن تخاطب الأجيال من بعدهم بهذا الخطاب أولى وأجدر، ووقفتنا اليوم مع هذا الخطاب وما فيه من تحذير وتوجيه.
روى الأئمة الترمذي وأحمد وأبو داود ومالك عن الزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)).
فلنتعرف لداء الأمم، ولماذا لم يقل عليه الصلاة والسلام: داء الأفراد، أو لم يقل: الداء وسكت. لقد أراد أن يبين أن مصيبة الأمم وتفرق جمعها وزوال أثرها إنما هو بهذا الداء، وإذا زالت الأمة فأين سيكون موقع الأفراد؟! فالفرد بلا جماعة إنما هو كالشاة الضعيفة المستسلمة بين أيدي الذئاب، تنهشها وتمزقها ولا يحق لها سوى صراخ الألم؛ لذا كان التنبيه على أن الداء الذي بدأ يدب إنما هو داء يفتك بالأمة ومن فيها، إنه الحسد والبغضاء، وهما داءان مقترنان متفقان، مقترنان في النشوء والظهور، ومتفقان في الهدف والنتيجة؛ فالحسد كراهية للخير الذي ينزل بالآخرين، والبغضاء كراهية للآخرين أنفسهم.
وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: ((وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ)). إن البغض والكراهية إن استفحلا في النفوس وسيطرا على العقول والقلوب أزالا الدين من النفوس؛ لأنها ستدفع ـ أي: الكراهية والبغضاء ـ ستدفع صاحبها إلى كل محرم أمكن فعله تجاه المكروه والمبغض، فلا توّرعَ معهما عن غيبة ولا نميمة، ولا توّرع عن كذب ولا افتراء، ومعهما تهويل للخطأ وحكم على النوايا وعزم على حجب كل فضيلة وحسنة لدى ذلك المبغَض والمكروه. وأي دين يبقى لمن كانت هذه صفاته وأخلاقه؟! وأي مجتمع يبقى قويا متماسكا وبعضه يشتم بعضا ويلعن بعضه بعضا؟!
النتيجة الحتمية للحسد والبغضاء هي الفرقة والتنافر والعداء والسعي للإضرار بالبعض، وهكذا تتفكك الأمم وتنتحر الشعوب، ومن هنا يظهر الشيطان وحزبه ليحكموا سيطرتهم على كل شؤون الحياة، وإذا سيطر الشيطان وحزبه فهل سيبقى من يحمي الدين وينافح عن أحكامه؟! وهل سينادى بتطبيق أسسه ومبادئه؟! روى الأئمة مسلم وأحمد والترمذي وغيرهم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ))، وفي رواية عند مسلم وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمَا تَحْقِرُونَ)). هذه هي خطوات الشيطان لنشر داء الأمم بين أمتنا، يحرش بين الناس ويثير الفتن ويهول الأمور، حتى يجعل عظيما ما ليس بعظيم، ويرضى بما نحتقر من العمل كغيبة ونشر خبر أو حكاية مدسوسة بدون تثبت وبدون إدراك للعواقب، فتكون النتيجة حلقا للدين وضياعا لأحكامه ومبادئه واقترانا مع الشيطان وح+ه في الدنيا والآخرة عياذا بالله تعالى.
ولعل فيما يكتب وينشر في مواقع الإنترنت من أحاديث وتُهَم حول أشخاص وقضايا بلا حساب ولا معرفة للناقل لدليلا على أن داء الأمم قد نزل بالمجتمع، ودليلا على أن بوادره قد بدأت بالظهور، فهذا يشتم ويتهم ثم يفتح الباب لغيره ليشتم آخر بعيد عن القضية المتحدث بها، ويتَّهَم بالباطل أناس كذبا وزورا، ثم يتهافت الناس لتناقل التهم ونشر فضائح رجال كانت مستترة، فتختلف القلوب عليهم وتتغير ناحيتهم، فيتفرق المجتمع ويتح+ الناس، وتكال التهم وتحاك الخطط للإضرار بالآخرين، وهنا تكون البغضاء قد حالت بين المسلمين وبين جنة ربهم؛ لأن سبيل الجنة قد انقطع ألا وهو المحبة، قال : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا)). وهل غايتنا إلا دخول الجنة؟! وهل لنا مطمع من حياتنا هذه أكبر من الجنة؟! فلماذا نقطع أسبابها؟! ولماذا نحول بيننا وبين التمتع بها؟! لنعمد لما يزيل البغضاء، ولنعمد لما يحقق المحبة والإخاء في النفوس، قال : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)).
هنا توجيه نبوي كريم لقطع الطريق على انتشار البغضاء ولفتح الطرق موسعة نحو المحبة والإخاء، إفشاء السلام هو السبيل الميسر الموسع السهل الذي لا يمتنع، وفي الأمر بإفشاء السلام إشارة إلى وجوب اللقاء والحوار بين المتخاصمين. كم من ضغينة وكراهية تولدت في النفوس زالت بمجرد اللقاء والسلام، وهنا ندرك مراد النبي حينما قَالَ: ((لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ)). نسمع كلمة عابرة قد تكون مقصودة أو غير مقصودة فنحوّر مراد صاحبها وفق ما تمليه علينا ظنوننا وتصوراتنا، فتسيطر النفس الأمارة بالسوء لتكبر الكراهية والبغضاء في النفوس، فما يلبث اللقاء وتبادل الأحاديث الودية أن يصفي النفوس ويزيل الشوائب، حتى ولو كان الحديث في غير القضية المعنية، وإن كان الحوار حول قضية الخلاف فهو أجدر وأولى بتصفية القلوب وتنقية السرائر.
ومن الخطأ في مفهوم الحوار أن يظن كل طرف أن الحوار معناه اقتناع ورضا الآخر بالقرار والموقف الذي حدث، وهذا لن يكون أبدا. إن المراد من الحوار هو بالدرجة الأولى تفهم كلّ لوجهة نظر ودوافع صاحبه، فإذا فهمت وجهة النظر زالت دوافع البغضاء وانتشرت المحبة والإخاء، وقوي المجتمع وحُكِّم الدين في كل الشأن، فعز المسلمون ونصر الإسلام، وفتحت أبواب الجنان للجميع يتسابقون إليها ويتنافسون فيها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسائر من اهتدى بهديه واقتفى أثره وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: عباد الله، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟)) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ))، وفي رواية قَالَ: ((هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ)).
وليس المقصود بصلاح ذات البين الإصلاح بين المتخاصمين كما قد يفهم، بل هذا منزلة تلي المنزلة المقصودة، إذ صلاح ذات البين يراد به صلاح النفس وسلامتها تجاه إخوانها، روى أحمد عن أَنَسُ بْن مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاّ خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَكَ ثَلاثَ مِرَارٍ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؟! فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاّ مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاّ مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لا نُطِيقُ.
تأمل فهذا صلاح ذات البين، وهذا خير وأفضل من كثير من نوافل الصلاة والصيام والصدقة، إنها فقط أن لا تجد في نفسك على أحد من المسلمين شيئا، وأن لا تحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه. ما نزع عنك من مسؤوليات فافرح به ولا تغضب لأجله، فهو أمانة رفعَت عنك، قد تتألم يوما ما لأجل تحمّلها، وإن تحقق ذلك في نفسك فأنت خير من كثير من المسلمين.
والمنزلة الفاضلة التي تلي هذه المنزلة هي السعي للإصلاح بين المسلمين، إذ هو عمل عظيم جليل، لأجله أباح الله ارتكاب خُلقٍ ذميم يكرهه سبحانه ألا وهو الكذب، عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا)).
والإصلاح بين المتخاصمين هو هم وخلق النبي ، وبهذا تواترت الأحاديث عنه عليه الصلاة والسلام وعن صحابته الغر الميامين، وهي أشهر من أن تذكر، فجميل بالمسلم أن يكون له شيء من هذا الخلق وهذا الهم، وأما إن احتد الخلاف وتعذر الإصلاح فقد روى الإمام أحمد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اخْتِلافٌ أَوْ أَمْرٌ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ السِّلْمَ فَافْعَلْ)). ولنتذكر دوما قوله : ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاّ رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)) رواه مالك.
وأيضا لنتذكر دوما إن كنا نريد الحفاظ على ديننا وأملنا في الوصول إلى جنة ربنا، لنتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمَا تَحْقِرُونَ)). فلا تحتقر غيبة ولا نميمة، ولا تتهاون في شتيمة ولا نقيصة، ولن يضرك من ضلّ إذا اهتديت. وأيضا اعلم أنك لست على حق مطلقا، وليس مخالفوك على باطل مطلقا، بل لكل وجهة نظر ومنطلق شرعي يحكم أقواله وأفعاله.
حمانا الله وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ورزقنا وإياكم صلاح ذات البين، ووفقنا جميع للإصلاح وجمع القلوب على الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم صلوا وسلموا على خير البرية...
| |
|