molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: توديع رمضان- حسين بن عبد العزيز آل الشيخ الثلاثاء 1 نوفمبر - 7:25:36 | |
|
توديع رمضان
حسين بن عبد العزيز آل الشيخ
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فمن اتقاه وقاه، وأسعده وأرضاه.
أيها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، أيّام تمرّ وأعوام تكرّ، كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88]. في تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رمضان أوشك تمامُه، وقرُب [إرسال كتابه]، تقوَّضت خيامه، وتصرَّمت لياليه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، انتصف مودِّعا، وسار مسارعا، ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم. تنطوي صحيفة رمضان وتقوَّض سوقُه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.
تصرَّم الشهر وا لهفاه وانهدمـا واختصَّ بالفوز بالجناتِ من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه في شـهره وبحبل الله معتصمَـا
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيتَه بالمسارعة إلى الخيرات، واغتنامِ الفضائل والقربات.
عبادَ الله، شهرُكم عزم على النقلة، ونوى الرِّحلة، وهو ذاهبٌ بأفعالكم، شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه، فيا ترى أتُراه يرحل حامداً الصنيع أو ذاماً التضييع؟!! فمن كان أحسنَ فعليه بالتمام، ومن كان فرّط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.
أيها المسلمون، تشريعاتُ الإسلام تتضمَّن أسراراً لا تتناهى ومقاصد عاليةً لا تبارى، وإنَّ من فقه مقاصدِ الصوم كونَه وسيلةً عظمى لبناء صفة التقوى في وجدان المسلم بأوسع معانيها وأدقِّ صورها، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
فهل يا ترى نأخذُ من رمضان مدرسةً نستلهم منها شدَّة العزم وقوَّة الإرادة على كل خير؟! تنظيماً للسلوك، وتقويماً للنفوس، وتعديلاً للغرائز، وتهذيباً للظواهر والبواطن، وصفاءً ونقاءً للأعمال والضمائر، تمسّكاً بالخيرات والفضائل، وتحلِّياً بالمحاسن والمكارم. حينئذ يخرج المسلم من صومه بصفحة مشرِقة بيضاء، ناصعةٍ في حياته، مفعمَة بفضائل الأعمال ومحاسن الأفعال ومكارم الخصال. غدا الصوم لنفسه حمىً أميناً وحصناً حصيناً من الذنوب والآثام، فصفت روحه، ورقَّ قلبه، وصلحت نفسه، وتهذَّبت أخلاقه.
إخوة الإسلام، في استقبال رمضانَ وتوديعه فرصٌ للتأمل ووقفات للنظر، فعسى الأمة الإسلامية أن تدرك وضعَها، وتسعى في الإصلاح، وتقوِّي ما ضعف، وتعالج ما اختلَّ. فالصوم ورمضان فترات رائعة، لو صادفت اعتباراً، ولاقت استغلالاً، مع صدقٍ في النوايا والمقاصد، وصوابٍ في الاتجاه والمناهج.
أيها المسلمون، ما أحوجَ الأمةَ في أيام محنها وشدائدها وأزمان ضعفها وذلّها إلى وقفات عندما تمرّ بها مناسبةٌ كرمضان، لتستلهم العبرَ والعظات، لتجدِّد العزم على المجاهدة الحقة للشيطان، وتحقِّق المسيرةَ الصحيحة للسير على الصراط المستقيم، ليعمّ بها التوجه على محاربة كلّ بغي وفساد بشتى صوره واختلاف أشكاله.
إخوة الإسلام، رمضانُ مدرسة للأمة الإسلامية، يجب ألا تخرج منها إلا بإصلاح للأوضاع، ومراجعةٍ لمواطن الخلل في جميع أمورها دينياً ودنيوياً. فجديرٌ بالأمة حكاماً ومحكومين وهم تحيط بهم الفتنُ وتتكاثر عليهم المحن، جديرٌ بهم وأمَّتهم تعاني من جراحات كبرى وتعيش مصائبَ عظمى أن يجعلوا من هذا الشهرِ الكريم نقطةَ تحول من حياة الفرقة والاختلاف إلى الاجتماع والائتلاف، جديرٌ بهم وهم أتباع محمد ، جديرٌ بهم أن يتَّخذوا من هذا الشهر مرحلةً تغيّر، مرحلةً جادّة إلى موافقة المنهج الحق في جميع شؤونهم على ضوء كتاب ربهم وسنة نبيِّهم .
عبادَ الله، حريٌّ بالأمّة أن لا يمرَّ بها هذا الشهر دون استلهامٍ لحكمه، والإفادة من معطياته، والنهلِ من ثمراته وخيراته، والاستفادةِ من فضائله النيرة وآثاره الخيِّرة؛ ليتمثل الإسلام الحقُّ في حياتها واقعاً ملموساً، وعملاً مشاهداً محسوساً، وما ذلك على الله بعزيز.
أمةَ الإسلام، رمضانُ يذكِّرنا شدةَ جود المصطفى بكل أنواع الخيرات، وبشتَّى أوجه القربات، وأسمى الصفات الزاكيات. كان رسول الله أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، فهل يا تُرى ننطلق في حياتنا من منطلقِ صدقٍ من سيرته في جميع لحظاتنا وشؤوننا؟! فسيرتُه عليه الصلاة والسلام هي الشمس الساطعة والمِشعل الوضَّاء والنور المتألق الذي يبدِّد ظلماتِ الانحرافاتِ كلِّها والاضطرابات جميعها. فحاجة الأمة إلى معرفة السيرة العطرة أشدُّ ما تكون في هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمةَ أمواجُ المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء، واستحكمت المزاعم والآراء، وواجهت الأمة فيه ألواناً من التصدي السافر والتحدي الماكر والتآمر الرهيب، فحينئذ لا بد أن يعيش حبُّ الرسول في قلوبنا، وأن نتَّبعه ببصائرنا وأعمالنا وتوجُّهاتنا في كل لحظة من لحظاتنا.
أيها المسلمون، أمةَ محمد ، ألا فلنأخذْ من سيرته عليه الصلاة والسلام ما يزيد إيمانَنا، وي+ِّي سيرتَنا، ويُعلي أخلاقَنا، ويقوّم مسيرتَنا، ويصلح أوضاعَنا، أخذاً حقيقيًّا لا صوريًّا شكليًّا، فالله جل وعلا يقول: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وأطيعوه، فتقواه هي التجارة الرابحة، وطاعته هي السعادة الباقية.
أيها المسلمون، فُرضَت عليكم صدقةُ الفطر طهرةً من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين، ففي البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسولُ الله +اةَ الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبد والحرِ والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلَّى[1].
فيجب على المسلم إخراجُها عن نفسه، وعمن تلزمة نفقتهم من الزوجة والأولاد والأبوين، ويستحبّ إخراجها عن الجنين، ومقدارُها الواجب صاع من البر أو الشعير أو الأقط أو التمر أو ال+يب، ويجزئ غيرُها ممّا يطعمه الناس كالأرز ونحوه، ففي البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرج على عهد رسول الله يوم الفطر صاعاً من طعام[2]. ولا يجزئ إخراجُها قيمة بأن يدفع دراهماً بدلَ الإطعام؛ لأنه خلاف النص، وكل عمل ليس عليه أمر النبي فهو مردود.
والأفضل إخراجها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز. تُخرج في المكان الذي فيه الصائم، ولا بأسَ أن يوكِّل من يخرجُها عنه في بلده إذا كان مسافراً، خاصةً عند وجود المصلحة الراجحة والمنفعة الظاهرة.
إخوة الإسلام، من حُسن التوديع لهذا الشهر الكريم الإكثارُ من التكبير فالله جل وعلا يقول: وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. قال أهل العلم: ويسنُّ التكبير ليلةَ العيد في خلوات الناس ومجامعهم، يجهر به الرجال، وتسِرّ به النساء. يكبر المسلم حتى يقضيَ صلاةَ العيد كما جاء ذلك في الأثر. والمنقول عن أكثر الصحابة رضي الله عنهم في صفات التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول في التكبير: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا) رواه البيهقي بسند صحيح[3]، وفي مصنف عبد الرزاق والسنن الكبرى بسند صحيح عن سلمان الخير قال: (كبِّروا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً)[4].
ألا وإن من أفضل الأعمال وأ+اها عند ربنا جل وعلا الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ورسولنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503)، وكذا مسلم في ال+اة (984).
[2] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: صدقة الفطر صاع من طعام (1506)، وكذا مسلم في ال+اة (985).
[3] السنن الكبرى (3/315).
[4] الجامع لمعمر بن راشد (11/295)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (3/316)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (2/462).
| |
|