molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإحسان في شهر القرآن- حسين بن عبد العزيز آل الشيخ الثلاثاء 1 نوفمبر - 7:08:58 | |
|
الإحسان في شهر القرآن
حسين بن عبد العزيز آل الشيخ
الخطبة الأولى
أيّها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضِي الليالي والأيّام، وما أعجلَ ما تنصرِم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الحيَاة. أيّامٌ تمرّ وأعوَام تكرّ، وفي تقلّب الدّهر عِبر، وفي تغيُّر الأحوال مدّكَر.
إخوةَ الإيمان، شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، قرُب رَحيلُه، وأزِف تحويلُه، انتصَب مودِّعا، وسَار مسارعا، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.
فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيّتَه بالمسارعة إلى المكارم والخيرات واغتنامِ الفضائل والقرُبات، ومن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرَّط فليختم بالحسنى فالعمل بالخِتام.
أيّها المسلمون، تشريعاتُ الإسلام تتضمَّن أسرارًا لا تتناهى ومقاصِدَ عاليةً لا تُجَارى، وإنَّ مِن فقهِ مقاصدِ الصوم كونَه وَسيلةً عُظمى لبناءِ صفة التقوى في وجدَان المسلم، التقوى بأوسع معانيها وأدقِّ صوَرِها لتكون صفةً لعبد في حياته كلّها، فالواجب المتحتِّم علينا أن نأخذ من رمضان مدرسةً نستلهِم مِنها شِدَّة العزمِ وقوَّةَ الإرادة على كلِّ خير؛ تنظيمًا للسّلوك، وتقويمًا للنّفوس، وتعدِيلاً للغرائِز، وتهذيبًا للبواطن والظّواهر، وصَفاءً ونقاءً للأعمَال والضّمائر، تمسّكًا بالخيراتِ والفضائِل، وتحلِّيًا بالمحاسِنِ والمكارم. وحينئذٍ نخرج من رمضانَ بصفحةٍ مشرِقة بيضاء ناصعةٍ، حياتُنا ملِئت بفضائِلِ الأعمال ومحاسنِ الأفعال ومكارِم الخِصال. غدا الصومُ لأنفسنا حمًى أمينًا وحِصنًا حَصينًا من الذّنوب والآثام، حينئذٍ تصفو أرواحنا وترقّ قلوبنا وتصلح أنفسنا وتتهذَّب أخلاقنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
معاشر المسلمين، أنّ الأمةَ في أيّام مِحَنها وشدائدها وأزمانِ ضعفها وذلّها بحاجةٍ ماسّة إلى وقفاتٍ عندما تمرّ بها مُناسبةٌ كرَمضان، لتستلهِم العبَرَ والعظاتِ. ورمضانُ مدرسةٌ للأمّة الإسلامية، يجب أن لا تخرجَ منها إلا بإصلاحٍ للأوضاع ومراجعةٍ لمواطنِ الخلَل في جميع أمورها دينيًّا ودنيويًّا. جديرٌ بأمّة محمّد في عصر تقاذفت فيه أمواج المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء واستحكمت لمزاعم والآراء، وواجهت الأمة فيه ألوانا من التصدّي السافر والتعدّي الماكر والتآمر الرهيب، جدير بالأمّة الإسلامية أن تتَّخِذ من هذا الشهر مَرحلةَ تغيُّرٍ جادٍّ إلى موافقةِ المنهج الحقّ في جميع شؤونها على ضوءِ كتابِ ربِّها وسنّة نبيِّها محمد عليه أفضل الصلاة والسّلام. حريٌّ بالأمّة أن لا يمرَّ بها هذا الشهرُ دون استلهامٍ لحِكَمه وأسراره، والإفادة من معطَياته، والنهلِ من ثمراتِه وخيراته، والنّهل من فضائِله النيِّرة وآثاره الخيِّرة؛ ليتمثَّلَ الإسلام الحقُّ في حَياتها واقِعًا ملموسًا وعملاً مشَاهدًا محسوسًا، وما ذلك على الله بِعَزيز، فربُّنا جل وعلا يقول: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].
ألا فلتعلمِ الأمة اليومَ وهي تعيش مصائبَ شتّى ونكباتٍ لا تُحصى، لتعلمْ علمًا يقينيًّا أنه لا نجاةَ لها مما هي فيه إلاّ برجعة صادقة إلى الله جل وعلا، وبالتزام حقيقيٍّ بمنهج رسول الله ، فذلكم هو قاعدة الإصلاح وأصلُ العزِّ والفلاح وأساس النصر والنجاح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها.
إخوةَ الإيمان، شهر رمضان شهر الجود والكرم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيّ أجودَ النّاس بالخير، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ، وكان جبريل يلقاه كلَّ ليلةٍ في رمضان يعرضُ عليه القرآن، فإذا لقِيَه جِبريل كان أجودَ بالخير من الريح المرسلَة. متفق عليه[1].
والجودُ ـ عبادَ الله ـ أنواع متعدِّدة وأشكالٌ مختلِفة، ألا وإنَّ مِن أبرزِ خِصال الكرَم وأنبلِ أنواعِ الجودِ الإحسانَ إلى العِبادِ وإيصالَ النّفع إليهم بكلِّ طريق؛ من إطعام جائعٍ وقضاءِ حاجة وإعانة محتاج، قال : ((مَن فطّر صائمًا كان له مثلُ أجره، من غير أن ينقصَ من أجر الصائم شيئًا)) رواه الترمذيّ وابن ماجه[2].
اشتهى بعض الصالحين طعامًا وكانَ صائِمًا، فوُضِعَ بينَ يدَيه عندَ فطورِه، فسمِعَ سائلاً يقول: مَن يقرِض الملِيّ الوفيَّ الغنيَّ؟ فقال: عبدُه المعدم مِنَ الحسنات، فقام فأخَذَ الصَّحفةَ فخرَج بها إليه، وباتَ طاوِيًا من الجوع، فربّنا جلّ وعلا يقول: وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
أيّها المؤمِنون، في عالَمِ المسلمين فقراءُ لا مَورِدَ لهم، ومشرَّدون لا أوطانَ لهم، يعيشُ كثيرون منهم أيّامًا قاسِية، ويذوق آخَرون مراراتٍ متنوِّعة، ولا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
فيا أمّةَ محمّد نبيِّ الرحمةِ والإحسان، نبيِّ العَطفِ والجودِ والحَنانِ، اللهَ اللهَ في إخوانِكم، تذكَّروا أحوالهم، وابذلُوا ما تستطِيعون في مساعدتهم من مالٍ وغِذاء و+اء ودواءٍ، وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39].
تذكَّروا وأنتم في رمضانَ، تذكَّروا إخوانَكم المستضعَفِين في كلِّ مكان، خُصّوهم بصالحِ الدعاء وخالِص التضرُّع إلى المولى جلّ وعلا، فنبيّناقال يقول: ((ثلاثة لا ترَدّ دعوتهم)) وذكر منهم: ((الصائم حين يفطِر)) حديث حسن[3].
إخوةَ العقيدة، إنّ بلادَ الحرمين ـ وبحمد الله ـ تعيش نعَمًا عظمى في ظلِّ تحكيم شَريعةِ الإسلامِ ومبادئِه الخالِدَة، وإنّ مما تعايِشُه وتعيشه قاعِدةَ التآلُف بين أبنائها ومبادِئ المحبّة والمودّة التي يسعَى الحاكم والمحكومُ إلى تحقيقها، وإنَّ من ذلك ما ينتشِر في أرجائها ويكثر في بلادها من جمعيّاتٍ خيريّة ومؤسَّسات خيِّرة، وهي بحاجةٍ إلى دعمِكم ومساعدَتِكم، وفي تطلُّعٍ إلى بذلِ المزيد من عونِكم وإمدادكم، خاصّةً في هذا الشهر شهرِ الجودِ والعطاء، فنبيّنا يقول: ((ما نقَصَت صدقةٌ من مال)) رواه مسلم[4]، ويقول: ((اتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرة))[5]. وهكذا الحالُ يجب أن يكونَ عليه المسلمونَ في كلِّ بلدٍ من بلدانهم.
معاشرَ المسلمين، فريضةُ الزّكاة فريضةٌ في الإسلام معلومَة من الدّينِ بالضّرورة، سَببٌ للنّجاة مِن كلّ مرهوب، وطريقٌ للفَوز بكلّ مَرغوب. خطب النبيّ في حجّة الوَداعِ فقال: ((اتَّقوا الله ربَّكم، وَصلّوا خمسَكم، وصُوموا شهرَكم، وأدّوا +اةَ أموَالكم، وأطيعوا ذا أمرِكم، تدخلُوا جنّةَ ربّكم)) رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح" وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبيّ[6].
معاشر المسلمين، لقد وجّه القرآن الكريم وَعيدَه الشديدَ لمانِعي الزّكاة والمتهاوِنين فيها: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]. ونبيّنا وحبيبُنا حَذّر أمّتَه من التهاونِ في الزّكاةِ أو التساهل في إخراجِها بأساليبَ شتّى وتوجيهاتٍ لا تُحصَى، فقد أنذَر مانعي الزكاةِ بالعَذابِ الغَليظِ في الآخرَةِ، لينبّهَ القلوبَ الغافِلة ويحرّكَ النّفوس الشّحيحةَ إلى الحِرصِ عليها والاهتمامِ بشأنها، فقد روى البخارِيّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله : ((مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شُجاعًا أقرع ـ كناية عن أخبثِ الحيّات ـ له +يبتَان، يطوَّقُه يومَ القيامة، ثمّ يأخُذ بلهزمَتَيه ـ يعني بشدقيه ـ ثمّ يقول: أنا مالُك، أنا كن+))، ثم تلاَ النبيّ قولَ اللهِ جلّ وعلا: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180] الحديث رواه مسلم[7]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما مِن صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضّة لا يؤدّي منها حقَّها إلاّ إذا كان يوم القيامَةِ صُفِّحت له صفائِح من نار، فأُحمِي عليهَا في نارِ جهنّم، فيُكوَى بها جنبُه وجَبينه وظهره، كلّما بَردَت أعيدَت له في يومٍ كان مِقداره خمسين ألفَ سَنَة، حتى يُقضَى بينَ العِباد، فيُرَى سبيلُه إمّا إلى الجنّة وإما إلى النّار)) الحديث رواه الشيخان[8].
فيا مَن أنعَمَ الله عليهِم بالنِّعَم المتوافِرة وفَضّلهم بالأموَالِ المتكاثِرة، تذكّروا مَن يعيشونَ تحتَ وَطأةِ البؤس ويُقاسُون همومَ الحاجة، تذكّروا أنّه مَتى فَشا تركُ الزّكاة في قومٍ نُزعَت من أرضهم البركات ووقعَت بهم البلايا والآفاتُ، ((ما منَع قومٌ الزّكاةَ إلاّ ابتلاهم الله بِالسّنين))[9]، وفي حديث آخر: ((مَن أدّى +اةَ مالِه فقد ذهَب عَنه شرُّه))[10]، ونبيّنا يقول أيضا: ((ولم يمنَعوا زَكاةَ أموالهم إلاّ مُنِعوا القطرَ من السّمَاء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا))[11].
فاتّقوا اللهَ عبادَ الله، وأدّوا زَكاةَ أَموالِكم طَيّبةً بها نفوسُكم، تحصَّنوا بالزّكاةِ مِن شرور أموالِكم، وطهِّروا بها دنياكم وأخراكم، خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة:103].
يا مَن أضعَفَته نفسُه عَن إِخراجِ ما أوجَبَ الله، ألا تخشَى من سَخطِ الله؟! ألا تخشَى أن يعتَريَك ما يصيبك في مالِك ويصيبُك في بدنك، فيحرمك حينئذٍ من لذّة الانتفاعِ به؟! فنبيّنا يقول: ((تعِس عَبد الدِّرهم، تعِسَ عَبدُ الدّينارِ، تعِسَ عبدُ الخميلَة، تعِس عبدُ الخميصة، إن أُعطِيَ رضِي، وإن لم يُعطَ سخِط، تَعِس وانت+، وإذا شِيكَ فلا انتُقِش)) رواه البخاري[12]، وفي الحديث: ((ينادي في كلّ صباح ومساءٍ ملَكان: اللّهمّ أعطِ كلَّ منفِقٍ خلفًا وكلَّ ممسِكٍ تلفًا)) رواه البخاري[13].
بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ، ونَفَعنا بما فيه من البيان، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولَكم ولسائِرِ المسلِمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرّحيم.
[1] صحيح البخاري: كتاب الصوم، باب: أجود ما كان النبي (1902) واللفظ له، صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب: كان النبي أجود الناس (2308).
[2] رواه أحمد (16585)، والترمذي في الصوم، باب: ما جاء في فضل من فطر صائمًا (807)، وابن ماجه في الصيام، باب: في ثواب من فطر صائمًا (1746)، من حديث زيد بن خالد الجهني، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (2064)، وابن حبان (3429)، وأورده الألباني في صحيح الترغيب (1078).
[3] رواه الإمام أحمد (7983)، والترمذي في الدعوات، باب: في العفو والعافية (3598)، وابن ماجه في الصيام، باب: في الصائم لا ترد دعوته (1752) من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: "حديث حسن"، وصححه ابن خزيمة (1901)، وابن حبان (2407)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1358).
[4] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب: استحباب العفو والتواضع (2588)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] رواه البخاري في الزكاة، باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة (1417)، ومسلم في ال+اة باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة (1016) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
[6] سنن الترمذي: كتاب الجمعة (616) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (5/251، 262)، والطبراني في الكبير (8/115، 136، 138، 154، 161، 174)، وصححه ابن حبان (4563)، والحاكم (19، 1436، 1741)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (867).
[7] صحيح البخاري: كتاب ال+اة (1403).
[8] صحيح مسلم: كتاب ال+اة (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[9] رواه الطبراني في المعجم الأوسط (4577، 6788) عن بريدة رضي الله عنه، قال المنذري في الترغيب (1/309) والهيثمي في المجمع (3/66): "رجاله ثقات"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (763).
[10] رواه الطبراني في المعجم الأوسط (1579) عن جابر رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة (2258)، وقال الهيثمي في المجمع (3/63): "إسناده حسن وإن كان في بعض رجاله كلام"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (743).
[11] أخرجه ابن ماجه في الفتن، باب: العقوبات (4019)، والطبراني في الكبير (12/446) والأوسط (5/62)، والبيهقي في الشعب (3/197) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الحاكم (4/540)، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (5/318): "رجاله ثقات"، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (106).
[12] صحيح البخاري: كتاب الجهاد (2887) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
[13] صحيح البخاري: كتاب الزكاة (2887) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عند مسلم أيضا في ال+اة (1010).
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله جلّ وعلا، فهي وصيّةُ الله للأوَّلين والآخِرين.
أيّها المسلِمون، الزّكاةُ حَقٌّ مَعلوم، قَدَّر الشارِع أنصِبتَها ومقاديرَها وحدودَها وشروطَها ووقتَ أدائها وطريقة أدائها، حتى يكونَ المسلِم على بيّنة من أمرِه ومعرفةٍ بما يجِب عليه وكَم يجِب عليه ومتى يجِب.
فعَلَى كلّ مسلِمٍ أن يكونَ على بيّنَةٍ من تلك الأحكامِ وعلَى درايةٍ بتلكَ التعاليم عن طريقِ سؤالِ أهلِ العلمِ والاستيضاح من ذوي أهل العرفان، فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فالزّكاة تجِب في الأثمانِ وهما الذّهبُ والفضّة بأنواعِهِما، ويلحَق بها الأوراقُ الماليّة التي جعَلها الناسُ لمعاشهم أقيامًا، كما تجِب في الخارجِ من الأرضِ مِن كلِّ حَبٍّ وثَمَر يُكال ويدَّخَر، وتجِب أيضًا في بهيمةِ الأنعَام وعروضِ التّجارة وهي كلّ مَا أُعِدّ للبَيعِ والاكتساب أيًّا كان نوعُها، سواء كانَت من العقاراتِ كالأراضِي والدّورِ أو كانت من غَيرها، فإذا حال الحولُ على هَذِه العروض قوِّمَت قيمةَ السُّوق وأخرَج مالِكُها +اتَها من مِقدار قيمتِها رُبعَ العشر، أمّا مَن أعدّ عَقارًا أو غيرَه للإيجارِ لا للبَيعِ ولا للاتّجار فالزّكاةُ في أُجرتِه إذا حَالَ عليها الحول.
ثمّ إنّ الله جلّ وعَلا أمَرَنا بِأمرٍ عظيم تَ+و به أنفُسُنا وتطيبُ به أوقاتُنا، ألا وهو الصّلاة والسّلام على النبيّ الكريم.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارِك على سيدنا وحبيبنا نبينا محمّد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاءِِ الرّاشدين...
| |
|