molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأخوة الإيمانية - حسين بن حسن أحمد الفيفي الإثنين 31 أكتوبر - 5:51:19 | |
|
الأخوة الإيمانية
حسين بن حسن أحمد الفيفي
الخطبة الأولى
إن الأخوّة الإيمانية نعمة من أعظم النعم التي يمتن الله بها على عباده، هي رابطة بين أفراد المجتمع الإسلامي يصعب أن نجد مثلها في المجتمعات الأخرى، إنما هي أخوّة لله بين القلوب والأرواح، تربط المؤمنين برباط وثيق لا يمكن فصمه.
الأخوّة الإيمانية من أوثق عرى الإيمان، وتحقيقها عبادة من أعظم العبادات، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ)) رواه الترمذي وأحمد واللفظ له. فهذا شرح نبوي للأخوّة الإيمانية، تحب لله، وتبغض لله، وتعطي لله، وتمنع لله.
إن الشيطان قد يعجز عن الإنسان العابد لله أن يجعله يتجه بالعبادة لغير الله، ولكنه مع ذلك يحتال في إيقاد نار العداوة والبغضاء في القلوب، فإذا اشتعلت هذه النار استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتقطع أواصرهم, ويقوم شياطين الإنس بعد ذلك بإلهابها كلما خمدت أو كادت. يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم)) رواه مسلم.
ولهذا فإن دين الإسلام يسعى لعلاج بوادر الجفاء وما يثير البغضاء وينمي الشحناء لكي يكون المجتمع مجتمعًا متماسكًا يحب أفراده الخير لبعضهم، مجتمعا تسوده المحبة والألفة والأخوة.
وإن الأخوّة الإيمانية بمفهومها الشمولي والعميق هي التي يمكن أن تحل محل العداوة والبغضاء والتنافس غير الشريف، وهي التي يمكن أن تجعل المجتمع صفًا واحدًا متماسكًا يصعب خرقه.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بهن حلاوة الإيمان))، ذكر منها: ((أن تحب المرء لا تحبه إلا لله)) رواه البخاري (16) ومسلم (43). نذوق طعم الإيمان إذا أحب بعضنا بعضًا ابتغاء وجه الله.
بل إن الأخوّة الإيمانية تؤدي إلى محبة الله للمجتمع المسلم، والعداوة بين المجتمع وتناحرهم والبغض الذي بينهم يستجلب سخط الله عليهم جميعًا، يفهم هذا الكلام من خلال المفهوم الع+ي لقوله في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه: ((يقول الله عز وجل: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)) رواه الإمام أحمد عن معاذ، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ)) رواه الترمذي.
إن الأخوّة الإيمانية سبيل إلى ظل عرش الرحمن جل جلاله يوم لا ظل إلا ظله، ففي الحديث المشهور عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ))، ذكر منهم: ((وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ)) متفق عليه.
فما أجمل أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا تسوده المحبة والألفة بين أفراده، لا شحناء ولا تباغض بينهم.
وليعلم أن مما يعين على التلذذ بالعبادة والخشوع فيها أن يحضر المسلم إليها وليس في قلبه غل أو حقد أو حسد على أحد من إخوانه المسلمين؛ لأن من يحضر إليها وقد امتلأ قلبه بهذه الأمراض يكون بعيدًا كل البعد عن الخشوع؛ ولهذا امتن الله على المؤمنين بأن ألف بين قلوبهم، وهذه النعمة العظيمة فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103].
بل امتن على نبيه بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم، فقال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:62، 63]. وحتى توجد الألفة والمودة في المجتمع لا بد من سلامة الصدور وصفاء القلوب، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والحسد والشحناء والبغضاء.
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف:43]، وقال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُر مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]. والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم قد أثنى على الأنصار وعلى من تبعهم بإحسان ويصفهم بسلامة الصدر فيقول: وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:9، 10].
فهذه دعوة إلى أن نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء على منابر من نور يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة، لكنهم تحابوا في الله وسلمت صدورهم وقلوبهم من الحقد والغل والحسد. فانظروا إلى عظم ما أعده الله لهم بسبب هذا الخلق الكريم، فصاحب الصدر السليم يفوز بكل هذه الفضائل، والنتيجة المباشرة في الدنيا هي راحة البال والبعد عن كل ما يكدر القلب من الهموم والغموم.
نسأل الله أن يرزقنا قلوبًا سليمة طاهرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
هذه بعض الأسباب المعينة على سلامة الصدر:
1- الدعاء فإنه من أعظم الأسباب لتحقيق المقصود، وكان من دعاء نبينا : ((وأسألك قلبًا سليمًا))، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا.
2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً)، وقال الشافعي: "من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس"، ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك، فقال الشافعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني، قال الزائر: والله ما أردت إلا الخير، فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.
3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات، يقول أحد السلف: التمس لأخيك المسلم سبعين عذرًا، فإن لم تجد فلعل له عذرًا لا تعلمه، ويقول ابن سيرين: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل:لعل له عذرًا لا أعرفه". فأين المعصوم من الخطأ والزلات؟! ومن منا لا يخطئ؟! قال بعضهم: المروءة هي التجاوز عن زلات الإخوان. فإذا حصلت من أخيك المسلم زلة فتذكَّر سوابق إحسانه، فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر، واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته، واستحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير والمنافق يلتمس العثرات.
4- ادفع بالتي أحسن، فليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.
6- معاملة النمام بما يستحقه، فهو فاسق هماز مشاء بنميم، فالنمام بريد الشيطان.
7- الهدية والمواساة بالمال، فإنها من دواعي المحبة.
8- الإيمان بالقدر، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه، ولم يجد في قلبه حقدًا ولا غلاً ولا حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه. وليعلم العبد أنه ليس له من الحسد إلا الهم والغم والحسرة، وفوق ذلك كله أن هذا الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما ثبت ذلك عنه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يجتمع في قلب عبد الإيمان والحسد)) رواه ابن حبان في صحيحه.
9- أخيرا تذكر حال النبي وسيرته وكيف تعامل مع من آذوه وسبوه وشتموه وحاربوه، ومع كل ما فعلوه لم ينتقم لنفسه أبدًا، بل عفا وأصلح.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم...
| |
|