molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: اقرأ كتابك - حسن بن عبد الغني هدية الإثنين 31 أكتوبر - 5:36:13 | |
|
اقرأ كتابك
حسن بن عبد الغني هدية
الخطبة الأولى
وبعد: فقد غاب عن أذهان الكثير من الناس أن الله تعالى ما خلقهم إلا ليعبدوه ويعمروا هذه الأرض بطاعته، فتمتّعوا بنعمِه وجحدوا فضلَه، أكلوا رزقه ونسوا شكرَه، تقلّبوا في خيراته آناء الليل وأطراف النهار وغفلوا عن ذكر الواحد القهار، ما تذكر الكثير منهم أن أعمالهم خيرا كانت أو شرا تكتَب لهم أو عليهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7، 8].
أيها المسلم، إن عملك ملازم لك كلزوم القلادة للعنق، ثم إذا كان يوم القيامة وجدت عملك في كتاب مفتوح أمام عينيك، ثم يقال لك: اقرأ كتابك وحاسب نفسك، وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13، 14]، ولن تستطيع التحجّج حينئذ بأنك أمّي لا تعرف القراءة، فالكلّ سيقرأ، يقول الحسن: "الكل سيقرأ، أمّيا كان أو غير أمي".
إنّ بعض النّاس يظنّون أنهم إنما يقولون ما يقولون ويعمَلون ما يعملون دونَ رقيب أو حسيب، وما فطنوا لغفلتهم، ونسوا أن أعمالهم وأقوالهم تحصَى عليهم وتكتب، كالعاص بن وائل الذي كان مدينًا لخباب بن الأرتّ رضي الله عنه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص بن وائل: لا أقضيك حتى تكفر بمحمّد، فقال خباب: لا أكفر حتى تموت وتبعث، فقال العاص: أولستم تزعمون أنّ في الجنة ذهبًا وفضّة وحريرا؟! قال خباب: بلى، فقال ابن وائل: فأخِّرنى حتى أقضِيَك في الجنة؛ يقول هذا استهزاءً بخباب وبدين الإسلام، وما كان الله ليترك قولَه هذا دون إثبات، فأثبته عليه في كتاب يلقاه يوم القيامة منشورا، وأنزل الله تعالى فيه: كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم:79].
انظر ـ رحمني الله وإياك ـ هذه كلمات قالها العاص بن وائل، انظر كيف أثبتها الله تعالى عليه، فالحذر كلَّ الحذر من كلماتٍ تقال وعبارات تقذَف تكتَب علينا في صحائف أعمالنا، ثم لا نحدِث منها توبة أو استغفارا، ثم تكون علينا بعد ذلك وبالاً وخسرانا، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].
قال بعض أهل الصلاح: هذا كتاب لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك قرطاسه، أنت كنت المملي على حفظتك، ما زيد فيه ولا نقص منه، ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك.
إن الله تعالى أخبرنا ووعظنا ببعض أخبار الأمم السابقة التي بغت وظلمت وعتت عتوّا كبيرا؛ حتى إنهم تفوّهوا بكلمات يريدون بها النيلَ من ذات الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فسمع الله قولهم، وكتبها عليهم في صحائف أعمالهم، ونقلت إلينا أخبارهم عظة لنا وزجرا وتهديدا، يروي الله شأنهم فيقول تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:81]. إنهم أهل كتاب، ويعلمون أن الله هو الغني، ولكنهم أرادوا التشكيكَ في القرآن الذي جاء به نبيّنا محمد ، وأرادوا صدّ أقرانهم عن الدخول في الإسلام. إن الكتابة من أقوى أدوات الإثبات، فكتب الله عليهم وعلى من بعدهم الأعمال ليكون أقوى للحجة، فلا يستطيعون إنكار أقوالهم وأفعالهم. وقد يقول قائل: كيف ينكرون وهم أمام جبّار السموات والأرض؟! أقول: إن الإنسان في هذه اللحظات يطلب النجاة بأي صورة ولو بالكذب، انظر إلى قول المشركين وهم أمام رب العالمين: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23].
أيها الأحبة، إن الله تعالى يأمر ملائكتَه بكتابة كل الأعمال الصالحة للعبد، ويحفظها لهم في صحائف أعمالهم؛ لتكون لهم بهجَة وفرحة وسرورا يوم يلقونه، يقول تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94]، يقول الحسن: حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. قيل: إن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا أذنب العبد قال له: لا تعجل؛ لعله يستغفر الله.
أيها الأحبة، إن كلّ ما يفعله الإنسان ينسَخ عليه ليكون منه شاهدا عليه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يقول تعالى: هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29].
أيها الأحبة، قدّموا خير الأعمال لأنفسكم، واغرسوا أفضل الأشجار تجنوا أطيب الثمار، نريد أن نسعد بكتابنا وهو يحوي بين صفحاته كريمَ الأخلاق، نريد أن تنشرح صدورنا ونحن نرى صحائف أعمالنا تزيّن بالطاعات.
أيها الإخوة، إن كلّ ما يفعله الإنسان يكتب له أو عليه، حتى الآثار الصالحة أو الطالحة التي يتركها بعد مماته تسطر وتسجل وتدوَّن عليه، يقول تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12]، يقول الإمام القرطبي: "يحيي الموتى بالبعث للجزاء، ثم توعدهم بذكره كتبَ الآثار وإحصاءَ كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان وآثارهم، أي: خطاهم إلى المساجد تكتب وتسجّل"، ويقول الآلوسي: "وآثارهم التي أبقوها بعدهم من الحسنات؛ كعلم علّموه أو كتاب ألّفوه أو حَبس في سبيل الله وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنَوه وغير ذلك من وجوه البر، وكذلك نكتب ما تركوا من فنون الشرّ التي تركوها وسنّوها بعدهم للمفسدين، قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه، وقال آخر: لا يكتب إلا ما يؤجَر به أو يؤزَر عليه، وقال بعض أهل العلم: يكتب عليه حتى الضّحكة والكحّة والعطسة".
أيها الأحباب، إن أخذ الكتاب من المواضع التي ينسى الإنسان فيها أهله وولده، ولا يذكر إلا نفسه، وذلك لشدّتها، ففي الحديث الذي رواه الحسن أن رسول الله كان رأسه في حجر عائشة فنعس، فذكرت الآخرة فبكت حتى سال دمعها على خدّ رسول الله، فانتبه فقال: ((ما يبكيك يا عائشة؟)) قالت: ذكرت الآخرة، قالت: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: ((والذي نفسي بيده، في ثلاث مواطن فإن أحدا لا يذكر إلاّ نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخفّ ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أو بشماله، وعند الصراط)).
أيها الإخوة، إن المجرمين يشعرون بالشفقة وهم يرون الكتب لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، يشعرون بالمرارة؛ على ربهم الذي عصوه، وعلى وقتهم الذي ضيّعوه، وعلى عمرهم الذي خربوه، وعلى مالهم الذي في الحرام أنفقوه، وعلى شبابهم الذي في معصية الله أفنوه، وعلى علمهم الذي في نشر الرذائل استثمروه، يقول تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
كان الفضيل بن عياض يقول حين يقرأ هذه الآية: "يا ويلتاه، ضجوا إلى الله تعالى من الصغائر قبل الكبائر"، ويقول قتادة: "إياكم ومحقّرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه"، يريد أن ينبّه على الذنوب الصغيرة؛ لأن الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.
فيا من تضيّع الصلاة، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. يا من تعصي والِدَيك، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. يا من تترك نساءك متكشِّفات متبرِّجات، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. يا من أهملت تربية أولادك على الكتاب والسنة، الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40].
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|