molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سيرة نزول ( اقرأ والمُدثّر ) - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الأربعاء 21 ديسمبر - 5:28:36 | |
|
سيرة نزول ( اقرأ والمُدثّر )
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الوحي الذي انبثقت أنواره في غار حراء ونزل به جبريل عليه السلام على رسول الله سيدنا محمد حق لا مرية فيه وهو حالة خارجية وليس حالة داخلية بالنسبة للنبي أي هو أمر حدث من خارج ذاته الشريفة فهو قد رأى الملك وسمعه بوضوح وأحس به لما غطه غطة شديدة. وليس الوحي مجرد حالة في ذاتية في ذاته كما يزعم منكرو الوحي. وقال العلماء في تعريف الوحي إنه: الإعلام الخفي. فإذا صح هذا بالنسبة لغير النبي فإن الوحي بالنسبة للنبي غاية في الجلاء والوضوح.
ماذا في الوحي بـ: اقرأ من خفاء على النبي لكن الوحي قد يخ في على غيره ممن حضر حين نزول الوحي على النبي فلا يحس به الآخرون وإن كانوا أحيانا يحسون به كما جاء في الحديث الصحيح حينما نزل جبريل عليه السلام على النبي يشرح معنى الإسلام والإيمان والإحسان فقد تمثل جبريل برجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة ولقد رآه الصحابة الحاضرون حينها وسمعوه بكل وضوح ليعلمهم أمور دينهم كما قال النبي نفسه: ((ذاك جبريل أتاكم ليعلمكم أمور دينكم))[1] والوحي له دروب وأنواع, الوحي للنبي له دروب وأنواع فمنه ما يكون رؤيا صالحة تقع كفلق الصبح ومنه ما ينفث في روعه, ما يكون إلهاماً ونفثا في الروع كما قال النبي : ((إن روح القدس نفث في روعي إنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها))[2], ومنه ما يتمثل له الملك بصورة رجل كما بينا ومنه ما يظهر له على صورته الحقيقية كما وقع في الإيحاء بصدر سورة المدثر فقد رأى النبي جبريل على خلقته الحقيقية جالسا على كرسي بين السماء والأرض ومن أجل أنواع الوحي أن يكلم الله تبارك وتعالى رسوله مباشرة بلا واسطة ولكن من وراء حجاب إما يقظة كما وقع في الإسراء والمعراج حينما فرضت الصلوات الخمس قد كلم الله تعالى نبيه مباشرة دون واسطة ولكن من وراء حجاب وحجابه سبحانه وتعالى النور، وإما أن يكلمه مناما كما جاء في الحديث حديث معاذ الذي رواه الترمذي وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتاني ربي في أحسن صورة وقال: فيم يختصم الملأ الأعلى..))[3]، إلى آخر الحديث وهذا حديث عظيم ألف فيه الحافظ بن رجب رسالة نفيسة في شرحه وبيان طرقه وأسانيده.
وأول ما بدئ به النبي من أنواع الوحي هذه الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا حتى تأتى كفلق الصبح كما قالت أم المؤمنين عائشة[4] رضى الله تعالى عنها وأرضاها فرؤيا الأنبياء كلها حق بخلاف غيرهم, رؤيا الأنبياء كلها حق ولهذا يمتثلون ما فيها من أوامر, هذا هو الخليل إبراهيم عليه السلام امتثل أمر ربه لما رأى في المنام أنه يذبح ولده وحبيبه إسماعيل عليهما السلام وامتثل الابن إسماعيل لهذا الأمر مع ما فيه من صعوبة ومشقة عليه وإيلام له حتى فداه ربه بذبح عظيم, فرؤى الأنبياء كلها حق أما رؤى غيرهم من الصالحين وغير الصالحين فتنقسم إلى قسمين: القسم الأول: الرؤيا الصالحة التي تقع في اليقظة كما جاءت في المنام، وهذه إما أن يراها الرجل الصالح واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وإما أن تأتي عن طريق الأمثال فحينئذ تحتاج إلى فقه وبصيرة لتأويلها ولا يستطيع أن يؤلها كل أحد, لا يفقهها ولا يفهمها حين إذا إلا العالمون لأنها جاءت على طريقة الأمثال والإشارات والرموز، وفي هذه الرؤى التي يراها المؤمنون الصالحون فيها بشارة أو نذارة أو معاتبة، فإما أن تكون بشرى وإما أن تكون إنذاراً وإما أن تكون معاتبة ومن الرؤى الصالحة رؤية النبي ولكن ليس كل من رأى رجلاً قال له: أنا رسول الله أو قيل له في المنام هذا رسول الله فإنه قد رأى رسول الله حقا ولذلك كان محمد بن سيرين رحمه الله إذا حادثه أحد أنه رأى رسول الله يقول له: صف لي من رأيت فإن وجد وصفه مطابقا لصفة سيدنا رسول الله المعروفة بشره حينئذ وأما إن وجد وصفه غير مطابق لصفة رسول الله فإنه يقول له حينئذ لم ترَ رسول الله .
وأما كلامه في الرؤيا إن رآه أحد من الصالحين فقال الحافظ بن حجر العسقلاني رحمه الله قال في الفتح[5] يعرض على سنته يعرض كلامه في الرؤيا على سنته فإن طابق سنته فهو حق وإن لم يطابق السنة فإن الخلل في سمع الرائي وبصره وإدراكه، فرؤيا ذاته الكريمة الشريفة حق ولكن الخطأ يقع في سمع الرائي وفي بصره وفي إدراكه، فالمتبع حين إذ سنته وأما إن طابق كلامه وحاله في الرؤيا سنته فليبشر ذلك المؤمن الصالح فإن هذه بشارة له أو فيها تنبيه له أو معاتبة له على حالة من أحواله, قال رسول الله في الحديث الصحيح: ((لم يبق من النبوة إلا المبشرات)) قالوا: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة))[6], وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: ((الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة))[7]، ومعنى وصف الرؤيا بالصلاح استقامتها وانتظامها وموافقتها للكتاب والسنة, وأما قوله إنها - أي الرؤيا الصالحة - تشبه النبوة هذا على وجه التشبيه، أي أن الرؤيا الصالحة تشبه النبوة في كون كل منهما خبرا صادقا عن الله عز وجل، وفي كل منهما اطلاع على بعض الغيب من وجه ما بإذنه سبحانه وتعالى لا إنها جزء من النبوة على الحقيقة فإن النبوة ان+قطعت بموت سيدنا محمد وقال صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فقد رآني حقا))[8]، وفي لفظ: ((فقد رأى الحق)) أي فما رآه فهو حق وفي لفظ: ((كأنما رآني في اليقظة)).
القسم الثاني من الرؤى التي يراها الناس: الأضغاث وهذه من الشيطان أو من حديث النفس وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: تلاعب من الشيطان بالإنسان ليحزنه وليكدره؛ كأن يرى الإنسان نفسه في النوم واقفا في هول ما أو في خطر عظيم ولا يجد من ينجده أو نحو ذلك من المنامات التي تحزن الإنسان وتفزعه وتكدره وقد أرشد النبي أن الإنسان إذا ما رأى مثل ذلك واستيقظ فجأة متكدرا أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وينفث عن يساره ثلاثاً[9], ومن هذه الأضغاث أن يرى الرجل من يزعم له في المنام أنه من الملائكة أو من الأنبياء ثم يأمره ببعض المحرمات فهذا أيضا من تلاعب الشيطان به, والنوع الثالث من هذه الأنواع: أن يرى النائم في المنام ما تحدثت به نفسه ومنّته في اليقظة فيراه في المنام كما يراه في اليقظة, كل هذا من أضغاث الأحلام. والمهم في هذه المسألة إذا رأى المؤمن شيئا في منامه أن يفرق بين الرؤيا الصالحة وبين أضغاث الأحلام ثم بالنسبة للرؤيا الصالحة أن يفقه معناها ومعنى تأويلها وأن يفهم تأويلها وأن لا يسارع إلى تأويلها بغير علم ولا بصيرة فإنه لا يفقه معنى الرؤيا الصالحة ولا تفقه دلالاتها إلا إذا عرضت على الكتاب والسنة فإن لم يفعل ذلك المؤمن فإنه قد يقع في البدع دون أن يشعر كأن يرى بعض طلبة العلم طالب علم في بلده ينفع الناس ويعلمهم أمور دينهم ثم يرى مثلا رسول الله يأمره بالهجرة إلى الحرمين أو بالهجرة إلى المدينة النبوية فمثل هذه الرؤيا تعرض على الكتاب والسنة فنجد تفسيرها في قول الله تبارك وتعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم [التوبة:122]. فهذا هو تأويلها أنه إشارة من النبي وتنبيه لهذا الواجب المفترض على ذلك الرائي أن يذهب إلى أمكنة العلم ليتزود من العلم ويتفقه في الكتاب والسنة ثم يرجع إلى قومه فيدعوهم ويعلمهم ويفقههم في أمور دينهم, وقبل هذا كله أن يتثبت الناس من الرؤى وصحتها وصحة من رآها وتحدث بها وعدالته وصدقه فقد يدعي كثير من الناس إما كذبا وإما عن سوء فهم وقلة فهم رؤى كثيرة من الرؤى الصالحة لا أصل لها ولا أساس وكثير من الجهال بدلا من أن يتفقهوا وبدلا من أن يتفهموا ويتعلموا الكتاب والسنة يتتبعون الغرائب وينتظرون الخوارق وهذا من جهلهم وقلة فقههم وتقصيرهم في تلك الفريضة العينية الواجب العيني الذي يجب على كل مسلم وهو طلب العلم. قد ينتظر بعض الجهال ممن لا فقه فيه من لا فقه له بالدين يظن أنه لا يصح أمر هذا الدين ولا يستقيم حتى تنزل الملائكة, لا يصح أمر هذا الدين أو يستقيم حتى يظهر المهدى مشابهين بذلك الروافض الذين حفيت أقدامهم وهم ينتظرون عند السرداب منذ مئات السنين.
الفقه في الدين تعلم الكتاب والسنة هذا هو منهج أهل الحق وعلامة أهل الحق وشامة أهل الحق, أما تتبع الغرائب وتوقع الخوارق فهو من علامات أهل البدعة والضلال, فتفقهوا يا مسلمون في كتاب ربكم وسنة نبيكم حتى لا تقعوا في المهالك وفي البدع والضلالات فإن حسن النية وحدة لا يشفع لصاحبه إن لم يتبع بالعلم والعمل.
[1] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (50) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البغوي في شرح السنة (4113)، ورواه الحاكم بنحوه في المستدرك (2/4).
[3] أخرجه الإمام أحمد (1/368).
[4] أخرجه البخاري في كتاب الوحي (3).
[5] كتاب التعبير (الفتح12/404).
[6] البخاري في التعبير (6589).
[7] البخاري في التعبير (6582).
[8] البخاري في التعبير (6593).
[9] صحيح البخاري (6995)، صحيح مسلم (2261).
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[1] .
[1] صحيح مسلم (408).
| |
|