molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سبيل المجرمين - حسام الدين خليل فرج السبت 29 أكتوبر - 7:25:28 | |
|
سبيل المجرمين
حسام الدين خليل فرج
الخطبة الأولى
قال تعالى: وَكَذَلِكَ نفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55]، معنى الآية: بيّنا لكم الحجج وأوضحنا لكم البراهين؛ لتظهر لكم سبيل المجرمين ظهورًا لا خفاء فيه.
إن الإسلام لا يُعنى فقط ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب، إنما يُعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين، وذلك لأن الله يعلم أن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين، وذلك لأن من لم يعرف إلا سبيل الخير فقد يأتيه سبيل الشر فلا يعرف أنه شر، فإما أن يقع فيه، وإما أن لا ينكره كما أنكره الذي عرفه، ولذا قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
وقال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه. رواه البخاري. ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما تُنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية)، وفي الحكمة: الضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتميز الأشياء.
ولهذا عُني القرآن بتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم، بحيث لا يختلط السبيلان، ولا يتشابه العنوانان، ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والمجرمين، بحيث أصبح إظهار عَوار المبطلين وإجرام المجرمين وألاعيب المزيفين هدفًا في حد ذاته لدين الله تعالى، وصدق الله عز وجل: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ.
وتشتد حاجة المسلم اليوم إلى معرفة سبيل المجرمين على التفصيل، ولا سيما وهو اليوم يعيش معركة يقف فيها أمامه أكابر مجرمي العالم، ينفذون أوامر أسيادهم من اليهود، فينشرون فكرًا قذرًا وأدبًا مريضًا يقود إلى سبيلهم، يحاولون به هدم الدين وتخريب الأخلاق وتدمير الأجيال، حتى يخرجوا أجيالاً مدمرة مهدمة لا تعرف ربها ولا ترضى بدينها.
ولكن للأسف بدلا من الحذر من سبيلهم كما حذرنا القرآن أصبحنا ننبهر ونفخر بسلوك سبيل المجرمين، حتى يتساءل كل عاقل: كيف تسير فِئام غفيرة من الأمة المسلمة في سبيل أولئك المجرمين طواعية؟! كيف تنقاد إلى جزارها راضية؟! كيف تقتدي بعدوها في سلوكها وأخلاقها ومعايير فهمها وتفكيرها؟! كيف ترغب عن تعاليم الإسلام وما جاء به سيد الأنام محمد وتركن إلى تقليد الكفرة الفجرة من المجرمين؟!
وسبيل المجرمين مهما زخرفت وإن ادعى أصحابها أنها حضارة فهي لا تخرج عن مادية دنيّة كافرة بالله، عارية عن القيم والأخلاق، حضارة انتحار واختطاف وإجهاض وشذوذ وإدمان، قال سبحانه: يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِى وَٱلأَقْدَامِ [الرحمن:41]، فأخبر المولى تبارك وتعالى أن هناك علاماتٍ وسماتٍ وأوصافًا بل وأعمالاً يعرف من خلالها المجرم من غيره، هناك أعمال وتصرفات إذا صدرت من الشخص أدخلته في دائرة المجرمين.
فإليكم ـ أيها الإخوة ـ بعض أعمال المجرمين، بحيث لو رأينا من يتصف بها فلا نتردد ونقول بأن فلانا مجرم، فالتفريق بينهما واجب، وقد فرق الله بينهما بقوله: أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35، 36]:
1- معاداة الأنبياء والمرسلين:
محاربة ما جاء به الأنبياء والمرسلين، ومن ثم المعاداة لأتباع الرسل الذين يَدعون إلى ما دعا إليه الأنبياء والرسل، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31].
فهؤلاء المجرمون تضايقهم شريعة الله، وتزعجهم تعاليم الدين، لا يريدون أن يطبق عليهم أحكام الله، ولا يريدون الامتثال لما أمر به الدين، فلا سبيل لهم إلا التمرد على الأنبياء والرسل ومن بعدهم، ومعاداة الدعاة إلى دين الأنبياء، فإذا رأينا من يعادي من يدعو إلى دين الله فلْنعلم بأنه مجرم، إذا رأينا من يحارب دين الله فلا نتردد بأن نَصِفَه أنه مجرم، وهذا ليس حكمنا، وليس كلامنا، بل هو حكم الله عز وجل في كل من يعادي شريعة الله أو يرفض شيئا منها.
ينكرون بشدة وعنف أن يتدخّل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد، ويقولون: ما للدين والمعاملات الربوية؟! وما للدين والسياسة والحكم؟! بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا تدخّلت في الاقتصاد تفسده.
والتولي والإعراض عن تحكيم شرع الله من مسالك المنافقين والظالمين، وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [النور:48-50]؛ ولذا كان من صفات المؤمنين: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا [الأحزاب:36].
قال ابن تيمية في رسالة العبودية: "إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية، ليصبح لا محالة في عبودية لغير الله، وكل عبودية لغير الله كبرت أو صغرت هي في نهايتها عبادة للشيطان".
واليوم يقف العالم الكافر بقضّهِ وقضيضه لحرب الإسلام والحيلولة دون انتشاره في العالم، بل والعمل لطمس معالم المسلم الذاتية، وجره إلى تقليد الأنماط الغربية في جميع النواحي الحياتية، العقدية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها، يقول جل وعلا في كتابه المبين: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89]، وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ [البقرة:109]. إنهم يودون ذلك، ويسعون إلى تحصيله وتحقيقه بكل ما يستطيعون، وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [البقرة:217].
يقول أحدهم: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمدٍ وكتابه. هذا مكرهم، وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]، وصدق الله العظيم: وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا [الأنعام:123]، يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند هذه الآية: "أي: الرؤساء الذين قد كبر جرمهم واشتد طغيانهم لِيَمْكُرُواْ فِيهَا بالخديعة والدعوة إلى سبيل الشيطان ومحاربة الرسل وأتباعهم، وإنما مكرهم وكيدهم يعود على أنفسهم؛ لأنهم يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين".
2- ومن أعمال المجرمين إضلال الأتباع، وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ [الشعراء:99]، يقولون: حتى ننتصر في الحرب ضد الإرهاب لا بد أن تبدأ حملة لتغيير القلوب والعقول في العالم الإسلامي.
3- ومن أعمال المجرمين جرائمهم في العالم الإسلامي، ففي كل يوم فاجعة جديدة تحدث للمسلمين دون غيرهم، وكأنه كتب على المسلمين وحدهم أن يُساموا سوء العذاب، وتتحالف عليهم قوى الشر والإفساد.
أما اليهود فقد اختاروا زعيمًا لهم من أكابر مجرميهم ليكون رمزًا لكيان الإرهاب وسفك الدماء وقتل الأبرياء وإزهاق الأرواح، اختاروا شارون السفاح والجزار معًا، مجرم الحرب ومرتكب المذابح الشهيرة على مرِّ تاريخه الأسود.
وها هي ما جنت أيديهم في فلسطين: آلاف الشهداء، وأضعاف ذلك من الجرحى، وآلاف المعتقلين الأسرى، وحصار شامل لكل المدن والقرى، والمخيمات الفلسطينية، ومجازر متعمدة يرتكبها العدو الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وأما النصارى فمن شاهد ما فعلوه في أفغانستان ـ دع عنك العراق والبوسنة وكوسوفا والشيشان ـ علم أنه لم يبقَ شيء من الفظائع لم يرتكب أو عمل إجرامي لم يُفعل مع شعب أعزل يُضرب بأسلحة محرمة دوليًا كالقنابل النَيْترُونية والعنقودية وقذائف اليورانيوم المنضَّب، قلوب تبرأت منها الآدمية وتنكرت لها الإنسانية، أشد قسوة من الصخر وأكثر تحجرًا من الجلامد.
وأما الهندوس في الهند فآلاف المسلمين تم قتلهم حرقًا بالنار في بيوتهم بأيدي المجرمين الهندوس، على مسمع ومرأى من العالم أجمع، لقد قام غوغاء هندوس بمحاصرة المسلمين داخل منازلهم وإحراقهم أحياء، تم حرق معظم الضحايا من المسلمين وهم أحياء، تحت الشعارات التي رفعها بعض الهندوس تقول: "تعلموا منا كيف نحرق المسلمين وهم أحياء كحَلٍّ وحيد ضدهم". والمعروف أن وزير الداخلية في الحكومة الهندوسية المتطرفة الحالية هو الذي أشرف عليها، وقاد جحافل الهندوس المجرمين الذين قاموا بهدم المسجد البابري.
4- ومن أعمال المجرمين الاستهزاء بالمؤمنين، قال جل وتعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا ٱنقَلَبُواْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَـؤُلاَء لَضَالُّونَ [المطففين:29-32]، وهكذا المجرمون يفتعلون الضحك على أهل الإيمان والسخرية منهم.
يعبد الهندوس الفئران، وبنَوا معبدًا بني خصّيصًا لعبادة الفئران، والتي باعتقادهم تحمل أرواح الهندوس الصالحين الذين ماتوا منذ قديم الأزمان، في معبد الفئران أقصى ما يتمناه أي فأر في حياته، وقد تخصص رهبان ونسّاك للقيام والسهر على راحة الفئران، وتوزيع نذور وقرابين المؤمنين على الفئران المقدسة، وأسعد السَّعد لعباد الفئران هو أن يتمكن أحدهم من رؤية الفأر الأبيض، فهو عنوان الخير والسعد الذي سيصيبه. لم يتهم الغرب الهندوسَ بالتخلف كما يَتهمُ المسلمين.
5- ومن أعمال المجرمين الترف والظلم، قال تعالى: وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ [هود:116]، كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ [المرسلات:46]. صفتان أساسيتان: ترف وظلم.
أما الترف فما ذكره الله تعالى إلا ذمه: وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ [سبأ:34]، ولذا قال رسول الله : ((إياك والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعِّمين)).
أما الظلم ففي شريعة المجرمين يصبح المظلوم ظالمًا والمعتدَى عليه معتديًا، ألم ترَ كيف يريد مشعوِذو أمريكا وحلفاؤها الغربيون والعرب أن ينتزعوا حتى الحجر من يد طفلٍ قتل المجرمون اليهود أمه وأباه وأشقاءه وشقيقاته؟! يريدون لدبّابة "ميركافا" الصهيونية أن تَهرس أجساد النساء والشيوخ والأطفال وهم يبتسمون لها ويرحّبون بها.
6- ومن صفات المجرمين ترك الصلاة، منع ال+اة، الإمعان في المعاصي، أخبر جل وعلا عن المجرمين أنهم يقال لهم: مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ ٱلدّينِ حَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ [المدثر:42-47].
7- والإعراض عن الدين الله إجرام، وذلك بأن لا يتعلمه الإنسان ولا يعمل به؛ والدليل قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22]، وقال تعالى على لسان نبيه هود: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [هود:52].
إن الإعراض عن دين الله تعالى والبعد عن منهج الله ووحيه وإن مخالفة أوامر الله تعالى لا بد أن يكون له آثار في حياة الإنسان، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ [طه:124].
أما جزاء المجرمين وأتباعهم فإنه لا فلاح ولا توفيق لهم في الدنيا، قال الله تعالى: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس:17]، أما في الآخرة فَيَودُّ هذا المجرم أن يتخلص من عذاب الله، لكن أنّى له الخلاص؟! يود لو كان بإمكانه أن يفتدي نفسه بأن يقدم أولاده وعشيرته وذويه في مقابل خلاص نفسه، لكن أنّى له ذلك؟! وهذه نهاية من يعادي شريعة الله، هذه نهاية من يحارب دين الله، هذه نهاية كل مجرم يعادي دعاة دين الله، قال الله تعالى: يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَـٰحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـوِيهِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ [المعارج:11-15].
ذلك المجرم الذي كان يحارب دين الله، ويرفع رأسه على شريعة الله، ويشمخ برأسه على عباد الله الصالحين، ذلك الرأس سوف يُن+ يوم القيامة. اسمع إلى قول الحق في ذلك: وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12].
أما عن حشر المجرمين فلا تسل، فإن الله تعالى يقول: وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقًا [طه:102] أي: زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال.
فيا بؤس نهاية كل مجرم، ويا تعاسة خاتمة المجرمين، حقًا لا بشرى يومئذً للمجرمين، فأين يكون مستقرهم النهائي؟! وأين يحطون رحالهم؟! إنه في جهنم والعياذُ بالله منها، قال الله تعالى: وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:86]، وقال الله تعالى: إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ [طه:74]، وقال الله تعالى: إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ [الزخرف:74]، إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا أي: عطاشى.
وقد قرر الرسول القائد أن الجهاد باللسان كالجهاد بالنفس والمال، فقال لحسان بن ثابت وكان من شعراء الإسلام: ((يا حسان، اهجُ المشركين، فإن جبريل معك)) رواه البخاري ومسلم وأحمد.
يا منصفون، ألا كلمة؟! يا علماء، ألا كلمة؟! يا دعاة، ألا كلمة؟! إنها مأساة أن نتعامى عن حقيقة ما يدور حولنا من أحداث، أن نكون كالنعام التي تدخل رأسها في التراب حتى لا يراها من يريد صيدها أو افتراسها، أن نكون كالشاة التي ترى أختها تذبح وتعلَّق وتسلخ وهي تتفرج عليها وكأن الدور لن يأتيها، فإلى متى هذا السُّبات الذي فاق سُبات أهل الكهف؟! وأما آن لنا أن نستيقظ من هذه الحالة المزرية التي نحن فيها؟!
قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ [النمل:69]، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءوهُم بِٱلْبَيّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47]، وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الأنعام:123].
كم هو جميل لو خضع الأكابر لدين الله، كم هو جميل لو تبنى الأكابر هم بأنفسهم دعوة الخير والإصلاح فانتفعوا ونفعوا، يُبقي الله لهم سلطانهم وملكهم، هذا في الدنيا، وأما الآخرة فلهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وأي غبن وأي غباوة من الأكابر أن يُهلكوا أنفسهم بأيديهم، يعارضون دين الله، ويتعرضون لأتباع دين الله، فتكون الخسارتين عليهم، في الدنيا بزوال سلطانهم وذهاب دولتهم، وأما في الآخرة فلعذاب الآخرة أشد وأبقى، وصدق الله العظيم: وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ.
قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31]، ليتميز الصادق بصدقه وصبره على دينه، وليتخلف من ليس كذلك ممن ليس له قدم راسخ في الإِيمان.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|