molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عائشة رضي الله عنها - بندر بن محمد الزهراني الجمعة 28 أكتوبر - 6:09:02 | |
|
عائشة رضي الله عنها
بندر بن محمد الزهراني
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتقوا الله -عبادَ الله- حقَّ التقوى، فتقوَى الله ذِكرَى لكلّ أوّابٍ ونجاةٌ للعبادِ من العَذاب.
أيّها المسلِمون، تسعَد المرأةُ المسلِمة باقتِفاءِ أثرِ خَيرِ نِساءٍ عِشنَ في أفضلِ القرون وتربَّين في أَجلِّ البيوتِ بيتِ النّبوّة، أعلَى الله مَكانتَهن، وأجَلَّ قَدرَهن، ونزَل القرآن بالثّناءِ عَليهنّ، قال عزّ وجلّ: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ زَوجاتٌ مبارَكات، ونِساء عظيمَات.
ومن هؤلاء النساء اللاتي اصطفاهم الله سبحانه بالتكرمة والتعظيم الطاهرة المطهرة والصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، فراش رسول الله وعفته، وريحانته وحبيبته، فكم لها من الفضائل! فبأيها نبدأ؟! وكم لها من المنازل العظيمة! فكيف نصفها؟!
وفي بَيتِ الصّدقِ والتّقوَى ولِدَت عائشة بنتُ أبي بكر الصديق رضي الله عنها، ونشأت في بيتِ الإيمان، فأمُّها صحابية، وأختُها أسماء ذاتُ النطاقين صحابيّة، وأخوهَا صحابيّ، ووالِدُها صِدّيق هذه الأمة. ترَعرَعت في بيتِ عِلم، كان أبوها علاَّمةَ قريشِ ونَسَّابَتها، منحَها الله ذكاءً متدفِّقًا وحفظًا ثاقِبًا، قال ابن كثيرٍ رحمه الله: "لم يكن في الأمَمِ مثلُ عائشَةَ في حفظها وعلمِها وفصاحتِها وعَقلها"، فاقَت نساءَ جِنسها في العِلم والحكمة، رُزِقَت في الفقه فهمًا وفي الشعر حِفظًا، وكانت لعلومِ الشّريعة وِعاءً، يقول الذهبي رحمه الله: "أفقَهُ نساءِ الأمّة على الإطلاق، ولا أعلَمُ في أمّة محمد بل ولا في النّساء مطلَقًا امرأةً أعلَم منها".
أحبَّها النبي ، وما كان ليحبّ إلا طيّبًا، أليست هي التي يقول عنها : ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)). يقول عمرو بن العاص : أيّ النّاس أحبّ إليك يا رسول الله؟ قال: ((عائشة))، قلت: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها)) رواه البخاري.
وكان خبر حبه لها أمرًا مستفيضًا، حيث إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم للنبي يوم عائشة من بين نسائه تقربًا إلى مرضاته، فقد جاء في الحديث الصحيح: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمع أزواج النبي إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فقولي لرسول الله يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمة له ذلك فسكت فلم يردّ عليها، فعادت الثانية فلم يرد عليها، فلما كانت الثالثة قال: ((يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه واللهِ ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها)).
لقد تبوأت أمّنا عائشة بنت الصديق رضي الله عنها مكانة عالية في قلب نبيِّنا محمد ، فكانت أحب نسائه إليه، وكان بها لطيفًا رحيمًا على عادته صلوات ربي وسلامه عليه، استأذن أبو بكر على النبي فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله ! فحال النبي بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر، فجعل النبيُّ يترضاها، ويقول: ((ألم تريني حلتُ بين الرجل وبينك؟!)) ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى، فسمع تضاحكهما، فقال: أشركاني في سِلمكما كما أشركتماني في حربكما.
وقال أبو قيس مولى عمرو: بعثني عبد الله إلى أم سلمة وقال: سَلْها: أكان الرسول يقبل وهو صائم؟ فإن قالت: لا، فقل: إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبلها وهو صائم، فقالت: لعله لم يكن يتمالك عنها حبًّا.
وكان يستأنس إليها في الحديث ويُسرُّ بقربها ويَعرِفُ رضاها من سخطِها، فقد قال لها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى))، قالت: وكيف يا رسول الله؟! قال: ((إذا كنت عني راضية قلت: لا ورب محمد، وإذا كنت عليَّ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم))، قالت: أجل، والله ما أهجر إلا اسمك.
كانت عائشة رضي الله عنها امرأة مباركة، ما وقعت في ضيقة إلا جعل الله تعالى بسبب ذلك فرجًا وتخفيفًا للمسلمين، تقول رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقدي، فأقام رسول الله على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناسُ أبا بكر رضي الله عنه فقالوا: ما تدري ما صنعت عائشة؟! أقامت برسول الله وبالناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي على فخذي، فنام رسول الله حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا. فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته، فقال لها أبو بكر حين جاء من الله رخصة للمسلمين: والله الذي علمت يا بنيَّة أنك مباركة، ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر. فرضي الله عنها وأرضاها.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: عباد الله، فلقد كانت عائشة رضي الله عنها مُوقرةً من الصحابة، يعرفون لها قدرها وعلمها ومنزلتها بين الناس، نال رجل من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال له عمار: اغرُب مقبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله ؟! وقال عمار: إنها لزوجة نبيِّنا في الدنيا والآخرة، نشهد بالله إنها لزوجته.
وقال مسروق بن الأجدع: "لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض"، وكان إذا حدَّث عنها قال: "حدثتني الصدِّيقة بنت الصدِّيق حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات".
كانت رضي الله عنها من أعلم الصحابة، قال أبو موسى رضي الله عنه: (ما أشكل علينا أصحاب محمد حديثٌ قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما)، وقال معاوية رضي الله عنه: (والله، ما سمعت قط أبلغ من عائشة غير رسول الله ).
وكانت رضي الله عنها وعن أبيها من أحسن الناس رأيًا في العامة، قال الزهري رحمه الله: "لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل"، وقال مصعب بن سعد: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله .
فما بال أقوام عميت أعينهم وبصائرهم وطمست قلوبهم أن يعرفوا لها قدرها؟! فهل مثلها تخفى شمائله وطيبُ خصالِه؟! وهل من شهد لها هؤلاءِ النفرُ الأخيارُ بالعلمِ والتُّقى تبقى في قلوبِنا ريبةٌ نحوَها ولا نستشعِرُ حُبَها؟!
أمَا إنه لا يُنكِرُ فضلَها وزِنَةَ عقلِها وطهارَة قلبِها وأنها حطت في الجنةِ رحلَها، لا يُنكِرُ ذلك إلا منافقٌ مطموسَ القلب أو زنديقٌ يمشي كالبهيمة العجماء، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً.
وحين نتكلم عن ورع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وزهدها وخوفها من خالقها تتلاشى عند ذلك الكلمات، وتهرب حينئذٍ المعاني خجلًا أن تدرك بلوغ الثناء الذي يليق بها. لقد كانت رضي الله عنها رمزًا في الكرم، وغايةً في العظمة وسخاء النفس، كيف لا وقد تعلمتها ممن كان أصل الكرم والوفاء، ومُعلِمِ البشريةِ كُلِها أخلاقَ الخير؟! قال عطاء: إن معاوية بعث لها بقلادة بمائة ألف فقسمتها بين أمهات المؤمنين، وقال عروة ابن أختها: إن عائشة تصدقت بسبعين ألفًا، وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها.
تجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود
وبعث إليها ابن ال+ير رضي الله عنه بمال بلغ مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت: هاتي يا جارية فطوري وكانت صائمة، فقالت: يا أم المؤمنين أَما استطعت أن تشتري لنا لحمًا بدرهم؟! قالت: لا تعنفيني، لو ذكرتيني لفعلت.
عباد الله، والله يبتلِي من يحِبّ، والابتلاء على قدرِ الإيمان، بُهِتَت رضي الله عنها وعُمرُها اثنَا عشرَ عامًا، قالت: فبكَيتُ حتى لا أَكتحِلُ بِنومٍ ولا يَرقأُ لي دَمع، حتى ظنَّ أبواي أنّ البكاءَ فالِقٌ كبِدِي، واشتدَّ بها البلاء، قالت: حتى قَلصَ دمعي فلا أُحِسُّ منه قطرة. قال ابن كثير رحمه الله: "فغارَ الله لها، وأنزَل براءتها في عشرِ آيات تتلَى على الزمان، فسَمَا ذِكرُها وعلا شأنُها؛ لتسمَعَ عَفافها وهي في صباها. فشَهِدَ الله لها بأنها من الطيّبات، ووعَدَها بمغفرةٍ ورزق كريم".
ولم تزل ساهِرةً على نبيِّنا ، تمرِّضُه وتقوم بخدمتِه، حتى توفِّيَ في بيتها وليلَتِها وبين سَحْرِها ونحْرِها.
وكانت بعده عليه الصلاة والسلام في قمة التواضع فلا ترى نفسها شيئًا وهيَ مَن هيَ، وكانت تخاف ثناء الناس عليها فلا تودّ سماعه مخافة الفتنة، جاء ابن عباس رضي الله عنهما يستأذن على عائشة وهي في الموت، وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقيل لها: هذا ابن عباس يستأذن، قالت: دعني من ابن عباس لا حاجة لي به ولا بت+يته، فقال عبد الله: يا أمّه، إن ابن عباس من صالحي بنيك يودِّعك ويسلم عليك، قالت: فأْذن له إن شئت، قال: فجاء ابن عباس، فلما قعد قال: أبشري، فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب وتلقي محمدًا والأحبة إلا أن تفارق روحُك جسدك، وكُنتِ أحبَّ نساءِ رسول الله إليه، ولم يكن يحب إلا طيبًا، سقطت قلادتك ليلة الأبواء، وأصبح رسول الله ليلتقطها، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، فكان ذلك من سببك، وما أنزل الله بهذه الأمة من الرخصة، ثم أنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماوات، فأصبح ليس مسجدٌ يذكرُ فيه اسم الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار، قالت: دعني يا ابن عباس، فوالله وددت أني كنت نسيًا منسيًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تهلك من تكلم في عرض نبيك ونال من أم المؤمنين، اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سألت به أعطيت وإذا دعيت به أجبت أن تأخذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم جمد الدماء في عروقه، اللهم ربنا نسألك يا قدير نسألك يا عزيز نسألك يا فعالٌ لما تريد اللهم إن نسألك أن تشل أركانه، وأن تُخرِسَ لسانه، وأن تجعل الموت أغلى أمانيه، وأن تجعله عبرةً لمن يعتبر، اللهم عليك بالرافضة المجوس، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم...
| |
|