molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أخبار ندية عن المدينة النبوية - بلال بن عبد الصابر قديري الجمعة 28 أكتوبر - 5:47:52 | |
|
أخبار ندية عن المدينة النبوية
بلال بن عبد الصابر قديري
الخطبة الأولى
أما بعد: فإني موصيكم ونفسي بالتقوى؛ إذ هي رأس كل عمل صالح, وتقوى الله هو أن يطاع فلا يعصى, وأن يذكر فلا ينسى, وأن يشكر فلا يكفر, والتقوى ترك ما تهوى لما تخشى.
وإذا بَحثت عن التقـيِّ وجدتـه رجـلاً يُصدِّقُ قوله بفعـال
وإذا اتّقى الله امـرؤٌ وأطـاعـه فتـراه بين مكارم و فعـال
وعلى التقيِّ إذا ترسخ فِي التقـى تاجـان: تاج سكينة وجلال
عباد الله، لقد اصطفى الله نبينا محمدًا واصطفى له, وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار [القصص: 69]، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل, واصطفى قريشًا من كنانة, واصطفى من قريشٍ بني هاشم, واصطفاني من بني هاشم)) رواه مسلم. فهو عليه الصلاة والسلام خيارٌ من خيارٍ من خيار, اصطفى له من الأسماء أعلاها, ومن الأوصاف أ+اها, ومن الأخلاق أرفعها وأتقاها.
وأجملُ منك لم تر قط عيني وأحسنُ منك لَم تلد النساء
خُلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
اطّلع الله على قلوب العباد, فوجد قلوب الصحابة أنقاها وأصفاها, فاختارهم لصحبة نبيه ، فكانوا حملة الآثار ورواة الأخبار, واختار الله لنبيه بَلَدهُ ومُهَاجَرَه, فأراه إياه في منامه تعجيلا لبشراه, فإذا هي ((أرض بها نخل وسبخة بين ظهراني حرتين)) رواه الطبراني, هي بيت رسول الله وحرمه, ودار هجرته ومدينته, سماها الله: طابة, ونبيه: طيبة, فهي دار الإيمان ومبوَّأ الحلال والحرام, الإيمان يأرز إليها كما تأرز الحية إلي جحرها, هي مدخل الصدق الذي أمر الله نبيه أن يدعو بها: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [الإسراء: 80]، وهي المعنية بقول الله عز وجل: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء: 97].
واعلم بأن كثرة الأسامي دلالة أن المسمَّى سامي
ولقد ورد النهي عن تسميتها بيثرب كما في الحديث عند أحمد وغيره بسند رجاله ثقات عن البراء بن عا+ قال: قال رسول الله : ((من سمَّى المدينة يثرب فليستغفر الله, هي طابة هي طابة))؛ ولذا قال الدميري رحمه الله:
ومن دعاها يثربا يستغفر فقوله خطيئة تسطّر
وأما تسميتها يثرب في القرآن فحكاية عن قول المنافقين, وما ورد في السنة عن النبي من تسميتها يثرب فقبل النهي, وسبب الكراهة إما لكون ذلك مأخوذا من الثرب وهو الفساد, أو من التثريب وهي المؤاخذة بالذنب.
عباد الله، قدمها رسول الله وهي أوبأ أرض الله من الحمى, وكان وادي بطحان يجري نجلا ماء آجنًا, فأصاب الصحابة السقم, وعصم الله نبيه ، فخرجت كامرأة سوداء ثائرة الرأس، وتحويل الوباء عن المدينة من أعظم المعجزات إذ لا يقدر عليه جميع الأطباء, قال النووي: "وهذا علم من أعلام نبوته ، فإن الجحفة من يومئذ وبيئة لا يشرب أحد من مائها إلا حُمَّ"، قال الخطابي: "كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودًا".
أحبَّها رسول الله ودعا بحبها فقال: ((اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد)) متفق عليه, وبلغ من حبه لها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قدم من سفر فنظر إلي جدران المدينة أوضع لراحلته, وإن كان على دابة حركها من حبه لها, فلها في قلب كل مسلم مكانٌ رفيع, ومثلما أحبها أحبته حتى إن أُحدًا الجبل الصلد قال عنه : ((أُحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه)) متفق عليه, وحنَّ إليه جذعها حبًا وشوقًا, فلئن كان الجبل الأصم والجذع الجاف يحن إليه ويحبه فالمسلون بحبه واتباعه أولى وأجدر.
حرَّمها رسول الله كما حرم إبراهيم مكة, ودعا لها بمثل دعائه وأكثر، فقال: ((اللهم بارك لنا في قليلنا وكثيرنا, واجعل مع البركة بركتين, اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإنه دعا لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه)) رواه مسلم (475).
والمدينة حرم ما بين عير إلي ثور, وما بين لابتيها ـ حرتيها الشرقية والغربية ـ حرم لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها, ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشادها ـ أي: أشاعها ـ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال, ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف, ولا يقطع عضاها, ولا يؤخذ طيرها, فما بين مأزميها حرم آمن.
والمدينة محفوفة بملائكة الرحمن, محفوظة محروسة, لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ولا رعبه, إذ ينزل بالسبخة مع أتباعه, وللمدينة يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان, وترجف ثلاث رجفات, فيخرج إليه كل كافر ومنافق من أهلها فيعرف بيوم الخلاص.
ومن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً, أي: لا فرضًا ولا نفلاً, قال القاضي عياض: "معناه: من أتى فيها إثمًا أو آوى آثمًا وضمه إليه وحماه".
ومن أراد أهلها بسوء انماع كما ينماع الملح في الماء, وأذابه الله ذوب الرصاص في النار, فلأهل المدينة حرمة مصونة فاعرفوها.
أيها الناس، ولقد تواردت النصوص الصريحة الصحيحة التي تحث على السكنى فيها والإقامة بها, فمن استطاع أن لا يموت إلا فيها فليفعل فإن النبي يشفع أو يشهد له.
ومدينة رسول الله من مواطن الابتلاء والمماحلة الشديدة, فالغرم بقدر الغنم, فمن ثبت على لأوائها ظفر بشهادة أو شفاعة من المصطفى ، ومن خرج منها رغبة عنها سخطة لها أبدلها الله خيرًا منه, والمقام بها خير وإن ظهر الرغد وطيب العيش في البلدان من حولها, فالمدينة خير وأفضل, ففي آخر الزمان يدعو الرجل قريبه وابن عمه: هلم إلى الرخاء, هلم إلى الرخاء, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وعن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ليالي الحرة, فاستشاره في الجلاء عن المدينة, وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله, وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها, فقال له: ويحك! لا آمرك بذلك، الزم المدينة فإني سمعت رسول الله يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة إذا كان مسلمًا)) رواه مسلم. قال بعض العلماء: الحديث خرج مخرج الحث على سكناها, فمن لزم ذلك ولم يلحقه لأواء فهو داخل في ذلك؛ لأن التعليل بالغالب والمظنة لا يضرّ فيه التخلف في بعض الصور. اهـ.
ومن هنا كان حرص الصحابة على سكناها، فأبو بكر لم يخرج منها إلا في غزوة أو حج أو عمرة أو تجارة, وعمر سأل ربه فقال: (اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك), فبصدقه نال ما تمنى. ولكن ليُعلم أن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس المرء عمله, والمدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد, ولا تقوم الساعة حتى تنفي شرارها وينصع طيبها.
أيها الناس، البركة في ثمارها واضحة لكل ذي إيمان, ملموسة بالقطع والبرهان, قال : ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة)). في تمرها وقاية من الأمراض وشفاء, فمن تصبح بسبع تمرات عجوة من بين لابتيها لم يضره في ذلك اليوم سمّ ولا سحر, وفي عجوة العالية منها شفاء أول البكرة, وصحّ عن النبي قوله: ((العجوة من الجنة)) رواه الترمذي وابن ماجه.
كانت المدينة منبع العلم ومورد الهدى, فكما انطلقت منها كتائب الفتح انبعث منها نور العلم والإيمان، وكذلك ستبقى, يقول عليه الصلاة والسلام: ((يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة)) رواه الترمذي وضعفه الألباني.
أمة الإسلام، وفي طليعة مفاخر دار الهجرة وموطن السنة أن فيه أول مسجد أسس على التقوى, وأول مسجد أذن فيه في الإسلام, وآخر مسجد أسّسه الأنبياء, الآمر ببنائه هو الله تعالى, والقائم عليه رسول الله ، والمنفذون له هم صحابة رسول الله يرتجزون مع نبيهم:
اللهم لا عيش إلا عيـش الآخرة فارحم الأنصـار والمهاجرة
أمَّ بهم فيه سيد الأنبياء, فهي الجامعة الأولى في الإسلام, والمعهد المنير كما قاله حسان, الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام, به روضة من رياض الجنة, ومنبره على ترعة من ترع الجنة, قال عليه الصلاة والسلام: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)) متفق عليه, وفي رواية: ((منبري على ترعة من ترع الجنة)) رواه أحمد, فيا لله ما أروعه من تاريخ وأجمله من تراث وميراث! ذلك هو محرابه ، وتلك هي حجراته, وثمَّ كانت الصُفَّة, وهذه هي أساطين الحرس والتوبة والوفود, وفيها آبار لها ذكر وأخبار مع المصطفى المختار :
آبار طه بالمدينـة سبعـةٌ منظومـةٌ كالدُّرّ بل هي أنفس
عِهْنٌ أريسٌ بَصَةٌ وبِضَاعَةٌ غَرْسٌ وَرُومَةُ بيْرُحاء هي تُوثَرُ
وبالمدينة مسجد قباء,كان يأتيه راكبًا وماشيًا ويصلي فيه, فمن خرج من بيته متطهرًا حتى يصلي فيه كان كأجر عمرة, وفي بقيعها نحو عشرة آلاف من أصحاب النبي ، وكان عليه الصلاة والسلام يأتي أهل بقيع الغرقد فيدعو ويستغفر لهم, وهي آخر قرى الإسلام خرابًا, وليأتين عليها يومٌ يتركها أهلها على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي والسباع, وآخر من يحشر راعيان من مزينه يريدان المدينة فينعقان بغنمهما, فيجدانها وحشًا أي: خالية, حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجهيهما.
دار الحبيب أحقّ أن تهواهـا وتَحن من طربٍ إلى ذكراها
فلأنت أنت إذا حللت بطيبةٍ وظللت ترتع في ظلال رباها
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [القصص: 80].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة, ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة. قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله, وإن خطأ فمن نفسي والشيطان, والله ورسوله منه بريئان, وأستغفر الله إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاعلموا ـ يا عباد الله ـ أن فضائل المدينة لا تتناهى, فدونكم تلك الخصائص والمكارم فارعوها حق رعايتها.
ومن ثم فلتعلموا أن زيارة المدينة النبوية إنما يقصد فيها زيارة المسجد النبويّ وأداء الصلاة فيه, ولا تقصد لزيارة قبره ابتداءً, فالرّحال لا تشدّ إلا للمساجد الثلاثة, وزيارة قبر النبي لمن وصل المدينة كغيره من القبور إنما يشرع في حقّ الرجال دون النساء, كما لا يجوز التمسح بالحجرة أو تقبيلها, ولا يجوز تحري الدعاء عند قبره أو التوجه إلى القبر واستدبار القبلة فذلك من أفعال الجاهلية, رأى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المعروف بزين العابدين رجلاً يجيء إلى فرجةٍ كانت عند قبر النبي ، فيدخل فيها فيدعو فنهاه عن ذلك وقال: ألا أحدّثكم حديثًا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله ؟! قال: ((لا تتّخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلّوا عليّ فإن تسليمَكم يبلغني أينما كنتم)), فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء. رواه أبو يعلى.
ومن جاور الحبيب في بلدته فليعرف للجوار حقّه, وليرعاه حق رعايته, بحسن الأدب ولزوم الوقار وحسن السمت.
وإن كان هذا طرفًا من فضائل دار الحبيب ومدينته فإن فضائل الصلاة والسلام على المختار جديرة بالاعتناء أيضا, ومما ورد فيه قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((ما من أحدٍ سلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)) رواه أبوداود (2041).
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]...
| |
|