molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: منطق المستهزئين - بلال بن عبد الصابر قديري الجمعة 28 أكتوبر - 5:41:51 | |
|
منطق المستهزئين
بلال بن عبد الصابر قديري
الخطبة الأولى
اتفق عقلاء بني البشر على فكرة مفادها أنّ من الحكمة الصمت، فباطل الكلام يورد العبد موارد العطب، ومقتل الرجل بين فكيه, وزلة الرِجْلِ عظمٌ يُجْبر, وزَلَّةُ اللسان لا تبقي ولا تذر, ولسان الجاهل مفتاح حتفه, ولا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصتٌ واعٍ، أو متكلمٌ عالم, فالسكوت زين للعاقل, وسِترٌ للجاهل, وعَيّ صامِت خَيْرٌ من عَيٍّ ناطق, والصمتُ يُكْسِب أهلَه المحبّة, والندم على السُّكوت خَيْر من النَّدم على الكلام, وقد قالوا: السّكوت سلامة، والكلام بالخير غنيمة، ومن غنم أفضل ممن سلم.
هذه المعاني وكثير غيرها أجملها لنا وجمعها رسول الهدى محمد في قوله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) متفق عليه.
إِن كان يعجبُكَ السكـوتُ فإِنـه قد كـان يعجبُ قبلكَ الأخيارا
ولئن ندمْتُ علـى سكـوتٍ مرةً فلقد نـدمتُ على الكلامِ مِرارا
إِن السكـوت سلامـةٌ ولربَّمـا زرعَ الكـلامُ عـداوةً وضرارا
ونحن في زمن كثر فيه تهاون ثلة من الناس بقيمة الكلمة ومسؤوليتها, فصارت التهم معلّبة, وظنون السوء الجزاف لكل امرئ بحسبه جاهزة, ليس لهم همٌ إلا القيل والقال, والخوض في الأحاديث دون تثبت أو وعي, يظنون ظنّ السوء, مطيتهم: قالوا وزعموا, وبئس مطية الرجل زعموا, فصارت الشبهات مطايا للأحكام, والظنون قواطع في الاستدلال, ولكأنهم جهلوا قول الحق تبارك وعز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12]، وقول الحبيب : ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)) متفق عليه, وما أرى الرويبضة إلا وقد نطقوا, وذلك معدود في أشراط الساعة الصغرى, كما أخبر عن ذلك رسول الله في قوله: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات, يصدَّق فيها الكاذب, ويكذَّب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخوَّن فيها الأمين, وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلّم في أمر العامة)) رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني. فترى الواحد من هؤلاء يكذب الكذبة, فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق, وما علموا أنه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وأن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه, وأن سباب المسلم فسوق, وأن العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله فيهوي بها في النار سبعين خريفًا, وأنه ما أورد الناس النارَ مثلُ حصائد ألسنتهم.
فلنا اليوم وقفة مع هؤلاء الذين قولهم في الفحش متناهي, أنفهم في السماء كِبرًا, واستهم في الماء جَهْلاً, هم في تجهيل الناس وتعليم الغير كحال الإبرة, ت+و الناس وهي عريانة, وقد يقول قائل: ألا إن السكوت عنهم خير من فضح خبيئتهم, فالله أعلم بما يوعون, وقد أحصاه الله ونسوه, فكان الرد: إن شرَّهم استشرى حتى عم وطغى.
فإن قيل: حلم قلت: للحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وإن الجرأة بلغت بناسٍ من الناس إلى الحد الذي نالوا فيه من ثوابت الدين ومظاهر الصلاح وسمات الخير في المسلمين, كالحدود الشرعيَّة والحجاب واللحى ونحوها من شعائر الدين المعلومة بالضرورة.
وما ضر السحاب نباح الكلاب, ولكن القول الفصل في هذا قول الباري جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا [الحجرات: 11]، وقول محمد : ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره, التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم, وكفاهم زجرًا قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58].
إن الفطر المكنوسة والأفهام المغلوطة هي التي تعمم الأخطاء, فتحكم على الفئام من الناس بتصرفٍ فردي, وتُلبس الجمع قميص تهمة ينفع لواحد, فإذا رأوا ذا لحية أخطأ طلبوا من الجميع حلق اللحى, أو إن بدا من امرأة ذي حجاب سوءٌ فغشَّت وخدعت طالبوا بخلع الحجاب عن كل متحجّبة, حسمًا لمادة الغش والخداع بزعمهم, وإذا رأوا متدينًا ساء خلقه طالبوا بنبذ الالتزام, ولو دخل سارق المسجد نادوا بإغلاق المساجد أو هدمها قطعًا لدابر السرقة, وما دخل هذا في هذا؟! وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر: 18]، ففي الحقيقة لم يقطعوا يد السارق، ولا طالبوا بتعزير التي غشَّت وخدعت، وإنما دعوا إلى هدم المسجد ونزع الحجاب.
إن أهل النفاق يشرئبون بأعناقهم ويحدقون بأبصارهم ليصطادوا في الماء العكر, ويَلغوا في أعراض قوم ونيَّات آخرين, في طلاقة ألسن وصفاقة وجوه, يعجب لها الناظر, ويزول عجبك إذا علمت أن هذه هي بضاعتهم قديمًا ولا زال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47]. ومع هذا يتلبسون بلباس الصلاح, ويتصدرون مجالس الناس بدعوى الإصلاح، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون: 2]، وقد فضح القرآن خبيئتهم وكشف سريرتهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة: 11، 12].
أيها الناس، منطق المستهزئين واحد, فهذه الأفعال الشائنة لهذه الشرذمة ليست وليدة اليوم, وإنما هو استمرار واتصال لما عانى منه سيد البشر والشافع المشفع في المحشر ؛ حيث نال منه المنافقون بصنوف الأذى, فقالوا: هو أذن، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 61]، وقالوا عن أصحابه رضوان الله عليهم: غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ [التوبة: 50]، وقالوا يوم الأحزاب: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا, وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب: 12]، وقالوا يوم حنين: بطل سحر محمد, وتجلت صور السخرية والاستهزاء بالدين وأهل الدين في أجلى صوره, في غزوة العسرة يوم تبوك, فكانوا يهزؤون بالمتصدقين: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79]، فإن أقبل رجل بمال كثير قالوا: ما جاء به إلا رياءً, وإن أحضر آخر شيئًا يسيرًا قالوا: والله إن الله لغنيٌ عن مُدِّ هذا, وأثناء الغزوة اجتمع ناس من المنافقين على الاستهزاء بالقرَّاء, فأنزل الله في شأنهم قرآنًا يتلى في المحاريب: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة: 64-66], وقد روى ابن جرير وغيره من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء, فقال رجل في المسجد: كذبت, ولكنك منافق لأخبرن رسول الله ، فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن, قال عبد الله بن عمرو: أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب, ورسول الله يقول: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ الآية.
والنهي عن السخرية ثابت في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات: 11]. ومعنى السخرية: الاستهانة والتحقير وذكر العيوب والنقائص, وقد يكون ذلك بالفعل أو بالقول, أو قد يكون بالإشارة والإيماء.
وأشد أنواع الاستهزاء ما كان استهزاءً بالدين وأهله, ولِعِظَمِ إثمه فقد أجمع العلماء أن الاستهزاء بالدين ردّة عن الإسلام وخروج من ملّة خير الأنام وإن كان المستهزئ مازحًا أو هازلاً, وأطبقوا على أنه كفرٌ بواح, يخرج الإنسان من الملة بالكلية, وذلك ما أشار إليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام العشرة بقوله: "والسادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66]". وقال ابن كثير في تفسيره: "أي: إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم الجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه" انتهى. فالمُستهزئ بالله أو آياته أو رسوله أو شيء من دينه وشريعته كافر بالله حتى وإن زعم عدم قصده لحقيقة ما قال، حتى وإن صلى وصام، فهو بذلك القول مرتد, سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الإيمان بقلبه؛ ولذا هؤلاء المنافقون في الآية لم يكونوا يعلمون بكفرهم، وظنّوا أنهم معذورون، ومع هذا لم يقبل منهم ذلك، ولم يمنعهم من الردّة، وهذا حُكم الله يحكم ما يشاء لا مُعقّب لحكمه.
وفي عصور الفتن وموجات التغريب والأمركة زنت الشياطين بعقول فئام من الناس, فتولدت عنهم مقولات شتى في النيل من الدين وشعائره, وتفنن البعض منهم في أنواع السخرية والاستهزاء, بالقول الصريح تارة, وبالمكتوب تارات, بالطرفة والمزاح, أو بالرسم الكاريكاتوري, أو المقالة الساخرة, ويحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم, فوُجد من يهزأ بالحجاب ويزعمه خيمةً سوداء, وآخرُ بتنفيذ أحكام الشريعة وحدود الإسلام, وآخرون سلقوا بألسنة حداد رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكان للسنة النبويَّة أيضًا نصيب كبير في استهزائهم, فاللحية على وجوه الصالحين ملمزٌ, وتقصير الثياب مثلبٌ, وما علموا أنهم نالوا من سنة محمد ؛ إذ هو الذي سنَّ لنا ذلك وشرع, فكانت لحيته أشرف لحية وأكرم شعر على وجه رجل, تهتز لحيته وتضطرب بسبب قراءته القرآن لوفرتها وطولها.
إن دوافع القوم لمثل هذا وكثيرٍ مما لم يذكر مرض في نفوسهم, والله أعلم بما يوعون, فإن روجعوا لبَّسُوا أقوالهم بلباس الإصلاح وإرادة الخير, وأنهم ما قالوا ذلك استهزاءً, قالوا: لا نقصد الدين, ولا نقصد رجلاً بذاته, إنما نمزح ونمرح, وما علم هؤلاء المساكين أن المزاح بمثل هذا تهلكة, فهو خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة, وقد حذر النبي من فلتات الألسن وضحكات المجالس فقال : ((ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له)) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.
وأهل الدين لا عذر لهم بالحزن لمثل هذا أو التأثر به, فإن هذا علامة الإرث الصحيح لميراث محمد ، فلو لم يُقَلْ مثل هذا عنَّا لظننا بأنفسنا سوءًا, ألا وقد قيل فإن لنا في صبر محمد على أذاهم أسوة وقدوة وداعيًا للصبر على مثلما صبر عليه النبي من الأذى، فالجريمة بالاعتداء على الدين وأهله عظيمة, وهي من المسائل الكبرى والثوابت الدينية التي لا مراء فيها؛ لهذا كان الحكم على فاعلها شديدًا, والإثم في حقه إثمًا عظيمًا.
وفي المقابل فالكلمة الطيبة صدقة وبابٌ إلى الجنة, وبضدها الكلمة الخبيثة, تؤذي وتُردِي, قال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله : ((يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه, لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم, ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)). ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك! وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
واسمع إلى تجربة واضحة البرهان والبيان من إمام دار الهجرة مالك بن أنس وهو يقول: "أدركت بهذه المدينة أقوامًا لم تكن لهم عورات، فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبًا, وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم".
والواجب على الناصح من أصحاب الأقلام السيَّالة والألسن الفصيحة أن يقدموا النصيحة دون تشويشٍ وتهويشٍ أو قيل وقال وظنٍّ وخرص, من باب كونها نصيحة, لا على أنَّها فضيحة, لتكون عرِيَّةً عن التشفي والاستهزاء والبلبلة المفضية إلى سوء الظن وإيغار الصدور وعدم الانتفاع بالنصيحة, فالله جل وعلا يقول: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ [الذاريات: 10، 11]، قال قتادة رحمه الله: "الخرَّاصون هم أهل الغرة والظنون".
وخاتمة الكلام والمسك الفائح عبيره عبر الأزمان كلام الملك الديَّان, يقص الله علينا طرفًا من أخبار المستهزئين والمستهزَأ بهم من المؤمنين وعاقبة الفريقين: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: 29-36] إي وربي ثُوِّبَ الكفار ما كانوا يفعلون.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|